رؤية للتحول نحو أحزاب مؤسساتية الحلقة (1)

محمد سعيد آلوجي

من المعروف أن عموم أحزابنا الكردية في سوريا مازالت تُسيير بطرق قديمة وأنظمة تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت تدار بها الأحزاب الشيوعية في الخمسينات ومنها “البارتي”.

وبالرغم من إدخال بعض التعديلات عليها بدرجات متفاوتة، إلا أنها لم ترتقي بعدُ إلى تلك المستويات التي تدار بها جمعيات خيرية في وقتنا الراهن.
هذا وقد سبق لي أن تطرقت إلى هذا الموضوع في مناسبات عديدة لأجد نفسي مضطراً إلى التعرض إلى هاتين المسألتين موضحاً الأسباب التي تدفعني لأن أصر على ضرورة إجراء تغييرات جزرية على البنية التركيبة والإدارية لأحزابنا وما ينبغي أن تصبح عليه حتى نستطيع أن نقول بأنها تستجيب وتتفاعل مع تخصصات شرائحنا المجتمعية وتدرجها ضمن أعمالها وفعالياتها.

على أن تضمن لكل شرائحها حرية العمل وفق خصوصياتها المختلفة لتتكامل أداؤها في النهاية لصالح الرقي بتلك الأحزاب، من أجل أن تنهض بأعبائها وتكسبها شرعية شعبية واسعة.

وعندما خصصت البارتي بمشروعي لإعادة الوحدة إلى صفوفه “والذي استجاب له ووافق على اعتماده طرفين من أطراف البارتي وما زلنا ننتظر موافقة الطرف الثالث عليه” كنت قد ربطت إعادة اللحمة إليه بإعادة بنائه من جديد ليصبح حزباً مؤسساتيا بمعنى الكلمة.

حيث تناولت فيه باختصار شديد كيفية إعادة الوحدة إلى صفوفه من دون أن أتطرق إلى كيفية إعادة بنائه، ولا إلى ما يجب أن يصبح عليه هذا الحزب “سوى بأن يكون حزباً مؤسساتياً” حتى يستطيع أن ينهض بتلك الأعباء التي يكون قد أسس عليه.

على طريق تحقيق أهداف شعبنا واستعادة حقوقه المغتصبة وصولاً إلى الاعتراف به كشعب يعيش على أرضه التاريخية ضمن الحدود السورية بشكل دستوري.

سأحاول هنا وفي المرة القادمة أن أزيل بعض الغموض عن الجانب الآخر من مشروعي وهو “إعادة بناء هذا الحزب بما يتلاءم والظروف الذاتية والموضوعية له” حتى نستطيع أن نوفر له إلى حد ما.

ما يُمكنه من الاستفادة من التقدم الحاصل على كل مناح الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها.
هذا ولا يسعني هنا إلا أن أقول بأنني عندما طرحت مشروعي كنت على ثقة تامة بأن القيمين على أطراف البارتي يمكنهم اعتماده كمادة خصبة للشروع في إطلاق مناقشات جادة عليه وصولاً إلى وضع قواعد أساسية وهامة لإعادة اللحمة إليه، وأن بإمكانهم أيضاً التحول به إلى حزب مؤسساتي بالتزامن مع تثبيت وحدته بكل ما لها من معاني حتى وإن طال بهم الوقت بعض الشيء.

(إن تمكنوا قبلاً من إلقاء خلافاتهم السابقة جانباً واستطاعوا أن يوفروا في أنفسهم النية الصادقة والعزيمة القوية تماشياً مع المصالح العليا لشعبنا).
كما وأستطيع أن أقول بكل بساطة بأن التحول الذي اقترحته في مشروعي لن يصل قط إلى ما تطالب به أحزابنا الكردية النظام الحاكم نفسه بالتحول إليه حتى يستطيع الوطن من أن يستوعب طاقات أبنائه ويوفر لهم فرص المشاركة في بناء الوطن والدفاع عن مقدساته.

وأن ما طرحته يأتي في ذلك السياق، وإن كان مطلب أحزابنا للسلطة يندرج تحت بند الدفاع عن حقوق المواطنة، ويتماشى مع المصالح العليا للبلاد.

فإن مطلبي أيضا يصب في ذلك الاتجاه تماماً وصولاً إلى تثبيت حقوقنا القومية في سوريا.

فإن كانت أحزابنا تطالب بشيء فلا يجوز لها أن ننأى بأنفسنا عنه.

ليس لأننا بصدد أن نصبح شركاء في حكم البلد أو إدارته فحسب.

بل لأننا بصد استرداد حقوق شعبنا المغتصبة من نظام سلطوي يحكمنا بكل الوسائل القمعية والشوفينية أيضاً..


وأرى بأن أقول بأن من بين أهم الأسباب التي تدعوننا للتحول بأحزابنا إلى أحزاب مؤسساتية.

هو التخلص من تلك المركزية الشديدة المفرطة التي ما زالت تتشبث بها قيادات أحزابنا وكأنهم ما زالوا يعيشون في ظروف العمل السري ليبقوا متخفين عن أنظار الأجهزة الأمنية.

ناسين أو متناسين بأنهم يعملون الآن تحت رصد كل الأجهزة تماماً… ودعماً لما أقوله فهم ما زالوا يركزون في أيديهم صلاحيات واسعة، كأن يحق لهم طرد أو فصل أي عضو حزبي حتى وإن خالفت قراراتهم النظام الداخلي للحزب نفسه.

كما وأنهم مازالوا يلغون نتائج انتخابات حزبية حتى وأن جرت بشكل ديمقراطي تماماً سواءً أقاموا بتحقيقات شكلية أم من دونها، والأمثلة كثيرة على ذلك.

كما وأنهم لا يزالون يقومون بتعين مسؤولين ويقلون آخرين سواء أكان ذلك بسبب عجز إداري أم لكسب موالين.

كما يقومون بحصر إدارة هيئات أم تنظيمات بين أيديهم بحجج واهية، ويديرون بعض التنظيمات الخارجية من داخل الوطن.!!..

فأية ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها.!..


وبناءً على كل تلك المعطيات أرى بأنه بات عليهم التحول بأحزابهم إلى أحزاب ديمقراطية حقيقية كي يفتحوا المجال واسعاً أمام الأفراد والجماعة من أبناء شعبنا ليؤدوا واجباتهم ويزاولوا حقوقهم وفق أنظمة مؤسساتية، وما عليهم إلا أن يطبقوا قواعد العمل الحزبي الحقيقي الديمقراطي بكل ما لها وما عليها، وليسارعوا إلى إلغاء تلك المركزية الشديدة، وألا يبقوا الحزب طوع أو رهينة فئة دون الآخرين.

فالأحزاب ليست ملكية فردية ولا يجوز لقياداتنا الكريمة أن تحتكر كل السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية لنفسها لتصبح هي الموجهة والحكم والحاكم في نفس الوقت.
وما علينا إلا أن نفتح المجال واسعاً أما أصحاب التخصصات والشرائح المختلفة ليضعوا لنا ولمؤسساتنا الحزبية أسس وقواعد ضمن الأنظمة التي سنسير عليها تماشياً مع الظروف التي تفرضها علينا العولمة حتى لا نتخلف عن العالم وحتى نستطيع أن نحجز لقضيتنا مكاناً ضمن معادلة المصالح الدولية..
وإذا ما حاولنا أن نقترب من بعض من قياديينا الأكارم فقد نجدهم يستعينون بخبرات أبنائهم كي يتمكنوا من فتح اشتراكات لهم في حقول إلكتروني “وهو ليس بعيب” لكننا نراهم في ذات الوقت يحاولون أن يفرضوا أدواراً على سلوكيات بعض من المتخصصين في غير تخصصاتهم القيادية.

كما في المجالات القانونية والفلكلورية، و الإدارية أم النقابية وغيرها.

وهو ما ينطبق على تدخل القيادات السياسية “اللجنة المركزية مثلاً ” سلباً في الأمور التنظيمية التي تقع ضمن صلاحيات اللجان المنطقية.

كذلك تدخلاتها في شؤون المنظمات الأوربية وإدارتها عن بعد..

على سبيل المثال لا الحصر.
لذا نرى بأنه أصبح من الضروري أن نقوم بجرد شامل لكل تلك المسائل وغيرها لنغير بها نحو الأفضل بما يتلاءم مع الظروف الذاتية والموضوعية لأحزابنا وشعبنا المضطهد حتى نستطيع أن نقول بأننا لم نوفر جهداً من أجل تأهيل أنفسنا للانطلاق نحو أهدافنا بغية تحقيقها ولننظم كل تلك الأمور وأعمالنا وعلاقاتنا وصلاحياتنا وحقوقنا وواجباتنا في أنظمة متكاملة ومدروسة بعناية فائقة ومعتمدة دون أي التباس أو شبهة..

لننهض بعدا ببناء جديد فاعل نتعاون جميعاً على بنائه، وأن يسعى الحزب فيما بعد جاهداً لاستيعاب طاقات أوسع الشرائح الشعبية للمساهمة في الدفاع عن قضايانا القومية والوطنية وفق ما تقتضيه المصلحة العليا لهذا الشعب المغلوب على أمره باعتماده مجموعة أنظمته ديمقراطية متكاملة يمكننا أن نستوعب بها كل التخصصات الإدارية والفنية والحرفية والمهنية المتعددة والتي يمكن الوصول إليها لزجها في خدمة شعبنا.
وأريد أن أكد هنا أيضاً بأن كل أحزابنا حتى وإن توحد جميعها تحت لواء واحد.

لا تستطيع أن تنهض بأعبائها كما يجب إن بقيت تعمل بتلك الأنظمة القديمة وبالطرق التي اعتادت على العمل بها..

لأن تلك الأنظمة لم تعد صالحة المفعول في ظروفنا الحالية ولم تعد تستطيع أن توفر لهم لا حرية الحركة المطلوبة، ولا تلك المناورة التي تساعدهم على تخطي حواجز الخوف التي تكون قد فرضتها عليهم سلطات القمع السورية.

كما لا يستطيعون أن يحركوا الجماهير بها.

فقد يأتي يوم لا يجدون من يساندهم.

بعد أن تحول القائمون على أحزابنا طوعاً أو كرها من حالة العمل السري إلى العمل العلني وتحت أنظار وروى كل الأجهزة الأمنية السورية وهم يصرون على الاحتفاظ بكل سلطاتهم المركزية السابقة التي كانت تقتضيها حالة العمل السري.

تلك الصلاحيات التي لم تعد تتلاءم مع ظروف الرصد الأمني لكل تحركاتهم ومتابعة كل ما يصدر عنهم.
وقبل أن أنتقل إلى التعريف بالمؤسسة.

أم التطرق إلى العقلية المؤسساتية، والمؤسسات التي يمكن أن تدخل ضمن البناء الجديد لأحزابنا.

أريد أن أنوه بأن التحول إلى حزب مؤسساتي ليس بتلك السهولة التي يتصورها البعض أو يدعون بأنهم قد تحول بأحزابهم إليها، وإنما يفترض على الجميع أن يقوموا ببزل جهود كبيرة وجبارة لاستيعاب كامل معادلتها وتكاملها أدائها جميعاً حتى لا يدخل الحزب في فوضى منظمة.

كما ويتعين على قياداتنا اتخاذ قرارات مؤلمة يتخلون بموجبها عن بعض من صلاحياتها وامتيازاتها ويقومون بتوزيعها طوعاً على كل من يستطيع حملها عنهم كأفراد أم مؤسسات بهدف الحفاظ على أمن هذا الحزب وسلامته وتأمين استمراره بفعاليات متعددة، والقصد هو تخفيف أعباء حصر كل القرارات بين أيدي قياديينا المرصودين أصلاً من قبل الأمن فإن تعرضوا إلى الاعتقال فلا بد من أن يصاب الحزب بشلل كبير.

لذا بات من الضروري أن تتوزع الكثير من السلطات على المؤسسات الحزبية ليتحمل الكل مسؤوليات أعمالهم من دون أن يؤدي ذلك إلى خلل تنظيمي أو فوضى منظمة كما نكون قد نوهنا إلى ذلك ووفق آليات محكمة الترابط..

على أن يخضع الجميع قبل أي تطبيق إلى دورات تأهيل دون استثناء على أيدي مختصين في ذلك المجال ولا يخلوا شعبنا من كوادر في ذلك.

عندها لا بد أن نوفر لحزبنا وجماهيره فرص كثيرة لنشاطاتهم وفعالياتهم الجماهيرية بقصد أن يساهموا في تخفيف المعاناة عنهم وأن نضيع في الوقت نفسه الكثير من فرص رصد السلطات لقياداتنا التي تكون قد قامت بتوزيع الكثير من صلاحياتها على مؤسسات الحزب لاسيما تلك التي تخص الفعاليات الثقافية والفنية والاجتماعية والشعبية أيضاً..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…