المخاض العسير وإشراقة في العتمة

عبد الرحمن آلوجي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الحراك السياسي وواقع المرارة والانقسام في الحركة الكردية وما تعانيها من أزمة الثقة والتشتت والترهل والترنح , والمراوحة في المكان , والمراجعة والمواجهة  , وعنت التشظي وصعوبة وبطء تخطي العقبات ,وهي جملة دراسات تتناول واقع الحركة وصعوباتها وآفاقها , وما دفع إلى الحديث عن عبثية الحركة واستعراض خاص لتاريخها , وما رافق ذلك من ضعف وقصور وعاطفية وعفوية , كما ورد في مقال الصديق الأستاذ ” حسين عيسو ” , وما أطلقه ” بافي زين ” من لاءاته في وحدة الحركة , ويأسه من وحدتها , والدعوة إلى الاكتفاء بعدم خوض التهميش والإقصاء والتشهير والتجريح
 مما يجدر بنا أن نقف وقفة عادلة وغيورة على الواقع بسلبياته ومراراته , وإشراقاته في مخاض عسير , كان للجانب الموضوعي فيه من الأثر , وقوة التحريك مالا يقل عن الجانب الذاتي وآثاره والتوءاته , مما يفرض منهجية بحث متكامل , يلمس قوة التحديات , وعناصر المواجهة , ويدعو إلى تحرك إيجابي – مهما تعددت وجوه وجوانب التحدي – , ليخرج الحل من رحم المعاناة , ويأتي البحث عن المخرج من صلب الأزمة , وواقعها المستعصي , مع التقدير لقيمة كل بحث يجد في فهم العلاقة الجدلية بين واقع الحركة وتطورها وتاريخها , ودقائق انشطاراتها , وتلمس مواقع الأقدام في الخروج من الراهن العسير , والعتمة التي تتخبط فيها , بأمل باعث على اليقين , بضرورة تلمس الجانب المنهجي , وإعطائه الحيز المطلوب في تبين ملامح الإشراقة المرتقبة وسط الزوبعة, وهي تمور وتضطرب .

إن مراجعة منصفة لواقع الحركة , وأسباب انقساماتها , وتشتت شملها , وبعدها التدريجي عن طموحاتها وأهدافها , وما حيك بحقها من دسائس ومؤامرات وفتن , وما أحاط بها من تعقيدات جمة , وبخاصة في ظل الإعلان عن ولادة تنظيم ينهض بأعباء الوعي النضالي وقيادته في الثلث الأخير من خمسينات القرن الماضي , وفي ظروف دولية وإقليمية عصيبة , وقدرات تنظيمية واقتصادية واجتماعية محدودة , وإمكانات سياسية وإدارية لم تكن ترقى إلى ما كانت تملكه الحكومات من وسائل وقدرات وإمكانات وأدوات , ورفض قاطع لمجرد الوجود الكردي , وعدم الاستعداد إلى الإصغاء للصوت الآخر , بل الذهاب إلى قمعه واعتقاله ومصادرة رأيه , ومحا سبته حسابا عسيرا , إن مثل هذه المراجعة تضعنا أمام الهوة الواسعة بين الحركة والمتصدين لها والعازمين على وأدها في المهد , وقبر كل طاقاتها وسحق كوادرها , وهو ما حصل في بدايات الانطلاق , وما حصل بعد عقود من عدم الاعتراف بمجرد الخطوة الأولى , والعتبة الأساسية التي بنت عليها الحركة الكردية بفصائلها استراتيجيتها القومية والوطنية , من خلال الدعوة المفصلية إلى الاعتراف بوجود الشعب الكردي في سوريا على الخارطة السورية جغرافيا وسياسيا , وهو أمر جدير بوقفة تأن وتمل لما هو قائم إلى يومنا هذا , وما تبعته من إجراءات , وأساليب ومشاريع وخطط وبرامج , تحول دون هذا الاعتراف , وتخطط لمنعه بمختلف القدرات والوسائل التي تتفوق بها الحكومات المتعاقبة على الحركة وكل ما تملكه من طاقة وقدرة , إن في مثل هذا الاعتبار الموضوعي ما يخفف إلى حد ما من مسؤولية الحركة , دون أن يعفيها ذلك من مسؤوليتها الذاتية , أو فيما تملك من ضرورة الحفاظ على جسد الحركة من الترهل , والأدواء الناخرة فيه , وما تحتمله , وتتحمله من ألوان الصراع ودرجات عقمه , ومبلغ المهاترة فيه , ومقدار ما حرصت عليه من الأنانية الحزبية الضيقة , وما راودت الكثير من الانتهازيين والوصوليين , ومنعدمي الكفاية والكفاءة من إساءات ومغامرات , وأساليب ملتوية قادت إلى الكثير من العنت والمكابدة والرهق والخصام المصنوع والمفبرك والمعد بعناية , مما ساهم في تعقيد الجانب الذاتي , ليتلاقى مع الصيغة الموضوعية في منهجية التفتيت وبعثرة القوى والطاقات , وضربها في آفاق التيه , ليتجرع الطامحون إلى الأفضل والأرقى مرارة واقع , ورهق تشظيه وتباعده , وصعوبة رأب صدعه مع عدم إغفال ما كان لهذه – عبر تاريخها – من قيادة النضال ,ورفع درجة الوعي التاريخي والتقافي لدى جماهير واسعة وعريضة بالقضية الكردية في سوريا , وما خرجته من آلاف الكوادر المثقفة وما هيأته من أرضية الممانعة ومعاندة المحو والتذويب , باتجاه تعزيز الوجود الوطني والقومي للكرد في بلد تدعو فيه الحركة برمتها إلى احترام التنوع في المكونات والخصائص والأفكار والقيم والتقاليد في ظل إخاء وطني وازدهار وعيش مشترك ومتكافئ ومتوازن  .

أمام هذا الواقع كان البحث عن مزيد من جمع الكلمة – رغم المرارة وعلامات الضجر وحسابات الزمن وإمكانات الآخرين بالمقارنة مع إمكانات الحركة – كان البحث عن إشراقة وسط العتمة , وولادة بعد مخاض عسير أملا لا يزال يراود الكثير من الوطنيين والمثقفين والناشطين , وما يسعون إليه من محاولة جمع المتجانس من الوحدات – وخاصة في الآونة الأخيرة من خلال لقاءات وندوات ومشاريع عمل – , مما يفتح الكوة في تلك الزاوية المشرقة , ويحدو على أمل ولو كان متراوحا أو مترنحا أو متعثرا , ولكن الهم في كل ذلك ألا يداخلنا القنوط وألا يستبد بنا اليأس إلى غلق الأبواب , وإن كان الطموح يذهب إلى مدى تحديد المقصرين , وتوصيف المعرقلين , ووصم المستفيدين من الشرذمة , والتي لا يمكن للأعمال المرتجلة والأخرى المنطلقة من ردات الفعل السريعة أن تكون بديل عمل جاد مسؤول وموثق , وممنهج باتجاه المتابعة الدقيقة , والحرص على وضع قواعد عمل متقن , يوفر الكثير من العناء غير المدروس والجهد غير المخطط والمنصف والموثق .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…