هذه بعض أعراف العزاء التي ظل الكرد يواظبون عليها منذ القدم فما الذي يحدث في (ديرونه) هذه الأيام؟؟؟
(ديرونه آغى) من القرى الكردية التي تتجه الأنظار إليها وعلى الدوام في منطقة (آليان ) نظرا لما تتمتع به هذه القرية من مكانة تاريخية واجتماعية وكونها ومنذ القدم قرية آهلة ومكتظة بالسكان وكان لها دوما زمام المبادرة في التمسك بهذه العادات وتغيير بعض مظاهرها التي يقتضيها تطور الحياة وتعقدها,وكانت بذلك ترفع الحرج عن عموم قرى المنطقة التي تتبعها في ذلك, ومنها على سبيل المثال انه قديما كان كل معزي من خارج القرية أو داخلها يقوم بتقديم نوع من المساعدة النقدية أو العينية لأهل الميت ونظرا لصعوبة الاستمرار في هذه العادة, بادرت هذه القرية بتغييرها واستبدالها بقيام بعض أفراد القرية بجمع مبلغ من المال من عموم القرية في اليوم الأول من كل عزاء وتقديمه كمساعدة لأهل الميت, وكذلك استحداث صناديق عائلية تخص كل عائلة وتسعفهم في الملمات, ومن العادات الأخرى والتي كانت (ديرونه) سباقة في ترسيخها هي تقليص مدة بقاء خيمة العزاء من سبعة أيام إلى ثلاثة والاكتفاء كذلك بتقديم القهوة المرة والماء للمعزين,وترك عادة تقديم الطعام إضافة إلى المطالبة المتكررة بترك عادة التدخين تحت خيمة العزاء وذلك كله للتخفيف ورفع الحرج عن أهل الميت.
هذه العادات ظلت تمارس في البيئة الكردية أيا كانت الظروف والأحوال التي يمر فيها الكرد لم تنل منها الفقر والظلم والعداوات والثارات, بل ان التاريخ يذكر ان واجب المشاركة في مراسم الدفن العزاء كان يتم من قبل العوائل والعشائر التي كان العداء والثأر مستفحلا بينها تنسى طيلة أيام العزاء خلافاتها وكأنه ليس بينها شائبة, وكانت هذه المشاركة على الدوام باب خير لفض المنازعات والخلافات وعودة الوئام والمحبة ونبذ الفرقة ولجم الخصام وحقن الدماء, وفي الحالات التي لم يفلح العزاء في الصلح كان كل طرف يعود بهدوء الى موقعه بعد العزاء, والتاريخ يسجل انه بعض العشائر كانت تقوم بإسعاف وتضميد جراح المصابين من الطرف الآخر أثناء المنازعات وتهتم بهم وتعيدهم معافين إلى أهلهم, وحتى ان البعض كان يقوم بغسل وتكفين ممن لقي حتفه أثناء النزاع وتسلم جثته عبر وسيط إلى أهله وعشيرته.
في كل المراحل الحلوة والمرة لم يترك الكرد عاداتهم هذه وكان عدم المشاركة في العزاء يشكل عملا مذموما وممجوجا وغير مبررا تحت أية ذريعة,فما الذي حدا بـ(ديرونه) في مخالفة كل هذا الإرث المتأصل من العادات والتقاليد؟؟!!!
تمر الجنازة في القرية وتلاحظ بعض العائلات وكأن الأمر لا يعنيها لا يخرج أفرادها من بيوتهم لم يستقبلوا الجنازة لم يشاركوا في مراسيم الدفن لم يقوموا بواجب العزاء وحين السؤال أجاب البعض بأن جنازة منهم وقبل عدة أيام قد تم دفنها ومر الدفن والعزاء وكأن الأمر لا يعنينا نحن أيضا وتكرر هذا من الطرفين أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة, نحن في حالة قطيعة كلية منذ أن دب الخلاف بيننا على خلفية قانون العلاقات الزراعية الجديد .
ولكن أن يكون الخلاف سببا يوم للقطيعة وسببا من أسباب عدم التمسك بالعادات والأعراف الحميدة والقيام بما يقتضيه الواجب, و سببا للإنعزالية والتفرقة بهذا الشكل فهذا هو الضير بذاته, انها همسة ود ومناشدة لأولي الأمر من الطرفين في أن يتمسكوا بزمام المبادرة وأن لا يستفحل الأمر أكثر من مما وصل اليه كي تعود المياه الى مجاريها, ويعود الود والسلام وهي دعوة لأصحاب الرأي وذو الألباب وأهل العلم والمشورة في القرية ليخرجوا من صمتهم ويدلوا بدلوهم حتى لا تسن (ديرونة) سنة سيئة فتصبح العادات والأعراف الحميدة بسبب الخلاف كهشيم تزروه الرياح وتحمل (ديرونه) وأهلها وزرها ووزر من يعمل بهذه السنة السيئة الى أن يأتني أمر الله عليها ويجليها, انها فقط همسة ود لكي تعود (ديرونه) منارة لعموم أهل المنطقة في سن السنن الحسنة.