من مآسي الكرد السوريين

حسين عيسو

قال القائد الكردي مراد كارايلان في مقابلة مع بي بي سي، في معسكر سري في جبال كردستان العراق، انه سيطلب من مقاتليه التخلي عن سلاحهم بإشراف الأمم المتحدة إذا وافقت تركيا على وقف لإطلاق النار وعدة شروط.
وقال إن من بين مطالبه وقف الاعتداءات على المدنيين الأكراد وإلقاء القبض على السياسيين الأكراد في شرق تركيا.
ومن أهداف حزب العمال أيضا حصول أكراد تركيا، الذي يشكلون نحو خمس سكان تركيا حسب بعض التقديرات، على المزيد من الحقوق الثقافية وحرية استخدام اللغة الكردية .
وقال كارايلان: “إذا حلت المشكلة الكردية بطريقة ديمقراطية عن طريق الحوار فسنلقي سلاحنا، ولن نحمل السلاح”  انتهى .
كان المتوقع أن تتعرض مقابلة القائد الكردي “التركي” كارايلان , مع “بي بي سي” للكثير من النقد , خاصة أولئك الذين يملكون مواهب نارية , من الكرد السوريين , فهذا القائد الذي حارب الدولة التركية لمدة ستة وعشرين عاما أودت حتى الآن بحياة أكثر من 40 ألف شخص , أكثر من تسعين بالمائة منهم من الكرد , إضافة إلى تدمير مئات القرى الكردية وتهجير عشرات الآلاف من الكرد إلى الداخل التركي والخارج .


يبدو أن الرجل الكبير وصل في النهاية إلى نتيجة مفادها , أن الحل لابد أن يكون سلميا , ومن خلال الإقرار بالحقوق الثقافية والمساواة مع الآخر في تركيا , أي حقوق المواطنة في الدولة التي قد يبقى اسمها تركيا كما هو اليوم , أو “جمهورية الأناضول” كما أرادها أحد المثقفين “الأتراك” أن تكون , وهذه دلالة أخرى على المستوى الثقافي المتقدم الذي وصل إليه المثقف التركي .
السؤال هنا لماذا حدد هذا القائد مطالبه بالحقوق الثقافية للكرد في دولة ديمقراطية , تحقق المساواة بين مواطنيها , بعد ربع قرن من المعاناة والمآسي التي حلت بشعبه , ليعود إلى مطلب عقلاني في عالم اليوم , وهذا يحسب له لا عليه , والغريب هو أن عشرات الأقلام التي تعمل قي بازارات المزايدة هذه الأيام , سكتت هذه المرة , سكوتا غريبا !!! , جميل أن يحس القائد ولو متأخرا بمعاناة شعبه , لأن القائد السياسي وحتى قائد الكريلاّ الذي يفكر بعقلانية , يمكن أن يمثل “ضمير شعبه” , وهذه العبارة أستعيرها من المثقف الكردي المعروف “خليل كالو” والذي أحترم رأيه كثيرا يقول : “المثقف ضمير شعبه” وأتمم له بأن القائد أيضا يمكن أن يكون ضميرا لشعبه , أو يكون متاجرا بمعاناة ودماء شعبه , وهذا الشعب مهما كان عفويا وبسيطا ويصدق دجل البعض , إلا أنه سيكتشف يوما , أنه كان ضحية خديعة , والشعوب لا تسامح من استغل عواطفها , والتاريخ لا يرحم , فالقائد المتمرد كارايلان يناضل من جبال كردستان , ولأن تمرده في جباله وبين أبناء شعبه , وهو معهم وقريب منهم , فانه أحس بمعاناتهم , لذا فهو يمثل ضميرهم فعلا , وأستطيع اعتباره سياسيا بارعا , فالسياسة فن الممكن , وليس إطلاق التنديدات , والتضامنات , وحضور العزاوات , والتصريحات النارية من ذوي الأفواه المسعورة التي بدأت تستخدم جلسات العزاوات في النيل حتى من المستقلين الشرفاء الذين يمثلون ضمير شعبهم فعلا, ولم يقبلوا يوما المتاجرة بدمائه , ان السياسي الحقيقي والشريف ليس من يتاجر بدماء شعبه أو أزلامه , ممن يحاولون : بالوكالة تلويث سمعة الشرفاء بألسنتهم القذرة , انما هو ذلك الذي يحس بمعاناة الفلاح الذي قد يطرد من أرضه التي عمل فيها آباؤه لمئات السنين , ولا نصير له في الداخل السوري , إلا بشكل خجول , والسبب , ليس الآخر السوري , وإنما نحن , بعض من يسمون أنفسهم وبكل بجاحة قياداتنا في الداخل والخارج , والذين يشرحون لنا وبإسهاب مزايا الفدرالية أو الحكم الذاتي وفوائده للكرد السوريين , طبعا لا يفكرون فيما يجره  هذا المطلب من مآسي للكرد السوريين , أو أنهم يعرفون نتائجها الكارثية  , وما يجره على الكردي السوري من مصائب , وأولها هو المثقف العربي السوري الذي لن يقف إلى جانب أناس يرسمون خارطة تصل البحر الأبيض المتوسط غربا , وجنوبا تصل مشارف دير الزور , طبعا من يريد نشر الفتنة بين الكرد والعرب لن يقول : أن من يضع هكذا خارطة هو مدفوع للإيقاع بين الكرد والعرب , ولا تهمه مصلحة الكرد السوريين , وإنما يعمل على زيادة معاناة الكردي وإظهاره كعدو للآخر السوري , وهذا لا يفعله إلا شخص مدفوع لا يريد للكرد السوريين الخير , بل ويريد مضاعفة معاناتهم , والمستفيدون من ذلك كثر , ليس بالتأكيد من بينهم الإنسان الكردي السوري الشريف الذي يتعرض هذه الأيام لمآسي كثيرة , ولم يكن له يد فيها يوما , انما بهلوانات تلبس أقنعة قومية في العزاوات حيت يحلو الكلام , ففي الوقت الذي نرى قائدا كرديا في تركيا بحجم كارايلان وما لديه من إمكانات جغرافية وديموغرافية هائلة , نراه وبعد ربع قرن من الحروب والمآسي والدمار يطالب بالمساواة , كل ذلك , في حين لا يجرؤ الكردي السوري المطالبة بمثل ما طالب به ذلك القائد , لأن عشرات الأقلام المقنعة التي لا تدري ما مصدرها أو من يوجهها , تشتم وتتهم وتهدد بالويل والثبور , وحين تحصل المأساة , لا يقفون بوجهها , وإنما يلبسون أقنعة الإخفاء ويذوبون في الهواء .
30/07/10

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…