القضية ليست قضية سلاح بل قضية حقوق

أجرت بعض وسائل الإعلام التركية حوار مع رئيس الجمهورية بشار الأسد، تناول فيها القضية الكردية وحزب العمال الكردستاني.

لقد أشار الرئيس الأسد إلى بعض الحقائق حيث ذكر إن الأكراد جزء من مجتمعاتنا وليسوا ضيوف أو سائحين، وأنه من خلال تجربتنا مع الأكراد السوريون نرى إنهم أناس وطنيون وإذا طورنا علاقتنا مع هؤلاء الذين ساهموا في تأسيس بلداننا فيمكن حينها أن نحاصر ما أسماه “الإرهاب” .

وأكد انه يجب تناول الإرهاب كظاهرة اجتماعية يجب قطع الطريق المؤدية إليها باتخاذ التدابير الاجتماعية والسياسية.
إن ما ذكره الرئيس في حديثه هو حقائق تاريخية، بينما ما يتم معايشته من ممارسات وسياسات مغايراً تماما لهذه الحقائق، إذ يحرم الكرد من حقوقهم كمواطنين وكشعب، وتطبق بحقه سياسة الإنكار والصهر العرقي والثقافي، فمازال أكثر من 300 ألف مواطن محروم من الجنسية ومن كافة الحقوق المدنية، ويتم الاستمرار بتغيير ديموغرافية المنطقة وحرمان الكرد من الانتفاع من أراضيهم تحت ذريعة التدابير الأمنية الحدودية.

وتصدر المراسيم الواحد تلو الأخر ليترك الكرد عرضة للفقر والجوع و سياسات التهجير الخارجي والداخلي ، حيث وصلت أعداد الكرد المهجرين إلى دمشق وحلب في الأعوام الأخيرة فقط  حد الكارثة الاجتماعية، باحثين عن رزقهم في ظروف حياة مذله مهينة لا تليق حتى لسد الرمق، لتصدر أجهزة الأمن قراراتها بعدم تشغيل مسحوبي الجنسية و كأنها تفرض على الكرد مغادرة كامل أراضي الوطن، أو أن حل مسألة الجنسية لا تتم إلا بعد تهجيرهم جميعا إلى خارج الوطن.

بينما يتم ممارسة أقصى أنواع انتهاك الحقوق والترهيب والقمع في التعامل مع أي نشاط كردي ثقافي اجتماعي أو سياسي، لتصل في العديد من الحالات حد القتل، وتلصق بهم شتى أنواع التهم تحت ذريعة المحافظة على أمن الوطن، بل إن الشعب الكردي يحرم من ابسط حقوقه الإنسانية ومن حقه في احتفالات نوروز فمازال المنع والقمع وحتى القتل مطبق, و نوروز الرقة لهذا العام شاهد عيان والاعتقالات المستمرة في الرقة و كوباني ليست سوى دليل على  انحياز التحقيقات حول أحداث نوروز الرقة وترسخ الظن و انعدام الثقة.

فهل الاستمرار  بهذه السياسات تشكل التدابير المؤدية إلى سد الطريق أمام ظاهرة العنف؟.


كما تطرق الرئيس الأسد إلى حزب العمال الكردستاني، وربط بين الاعتداء على أسطول  الحرية وتصاعد العمليات العسكرية، واصفاً إياها بالإرهابية ، وتطرق إلى انه في حال ألقى حزب العمال السلاح وتحول إلى حزب سياسي سيكون عملية ايجابية و بناء عليه يمكن أن يتم الحوار معه.

لا شك إن حديث الرئيس متأثر بخلفيات العلاقة التركية السورية المتطورة، فبينما ينفي المتحدث باسم هيئة أركان الجيش التركي وجود علاقة بين تصاعد العمليات العسكرية وبين أسطول الحرية، يتحدث الرئيس الأسد عن علاقة بين الحدثين.

أما وصم سلاح حزب العمال الكردستاني بالإرهاب، هو كوصم سلاح المقاومة اللبنانية و الفلسطينية بالإرهاب التي لا يبرح الرئيس يؤكد دعمه لها كمقاومة.

إن حزب العمال الكردستاني ليس إرهابيا أيضا، وهو حركة مقاومة ودفاع مشروع عن الوجود في مواجهة سياسة الإنكار والإبادة العرقية والإرهاب المطبق لسحق الثقافة الكردية.

كما وقد أعلن حزب العمال الكردستاني من طرفه انه جاهز لنزع السلاح إذا ما توقفت الاعتداءات على الشعب الكردي وتم حل القضية الكردية بالطرق السلمية والديمقراطية، فما تؤكده الممارسة العملية أنه لا مشكلة لدى حزب العمال الكردستاني في ترك السلاح في حال حل القضية الكردية، فإيقاف الهجمات من جانب واحد، تحلى بها حزب العمال الكردستاني وحده مرارا وتكرارا على مدى سنين، وقد ذكر القائد عبد الله أوجلان عبر محاميه، انه باستطاعة الرئيس السوري بشار الأسد لعب دوره كوسيط بين تركيا والعمال الكردستاني لحل القضية بالحوار، وأشار إلى إمكانية نزع السلاح تحت إشراف الأمم المتحدة وبضمانات دولية.

كما إن تقيم حديث الأسد عن إفساح المجال لقنوات الحوار بين الأطراف المعنية، أمرا إيجابي بحيث تستند كما ينوه الرئيس في خطاباته دائما إلى المواثيق والحقوق الدولية  المتعارف عليها.
إن الشعب الكردي الوحيد على وجه البسيطة محروم من الاعتراف بوجوده ويتعرض لكافة أنواع القمع والإرهاب والإبادة العرقية والثقافية الممنهجة، وهذا ما أوجد المسألة الكردية كقضية تتطلب الحل، ففي الوقت الذي يصعد الشعب الكردي من نضاله بكافة السبل الديمقراطية بما فيها الدفاع المشروع كمقاومة وكحق مقدس للحفاظ على وجوده، بنفس القدر لا يترك فرصة إلا واخذ بها من اجل نيل حقوقه في الحرية والمساواة والعيش المشترك بالسبل السلمية وطرق الحوار.

و في هذا الإطار لا يمكننا الفصل بين القضية الكردية من جزء لأخر، فكيفما إن القضية الكردية تعاش في تركيا وغيرها من الدول الأخرى، فهي تعاش أيضا في سوريا، وليس من الضروري أن تصل إبعادها إلى ما وصلت إليه في تركيا كي يتم حلها أو تدويلها.

وكيف إن القضية في تركيا لا يمكن تجاوزها بالسبل العسكرية فكذلك في سوريا أيضا لا يمكن حل القضية الكردية بطرق القمع والمنع والإنكار، فما يتم من منع وقمع حتى بحق تقاليد مراسيم الأخذ بعزاء الشهداء لا يشكل تدابير لتجاوز القضية، إن ما أدلى به الرئيس الأسد يحمل العديد من المضامين الهامة فنحن أيضا نأخذ بالجوانب الايجابية، وفي هذا الإطار فان طرح و تفعيل عملية الحوار تفرضه المصلحة الوطنية و الأخلاقية أيضا.

اللجنة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي
PYD

27/7/2010

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…