حين يجتمع الجهل والحقد، تصبح السياسة مهزله! «الشيوعيون وفلاحو أجور المثل مرة أخرى»

بقلم :مجدل دوكو

في مقال منشور في موقع “ولاتي مه” للأستاذ توفيق عبد المجيد يتطرق إلى مواقف الشيوعيين السوريين من بعض القضايا الطبقية والمتعلقة بالشأن الكردي.

وكي لا ندخل في جدل حول قضايا الماضي البعيد الذي يصرّ البعض على استحضاره بمناسبة ودون مناسبة، نناقش فقط إحدى الفقرات الواردة في مقال الأستاذ توفيق عن مواقف الشيوعيين من قضايا راهنة تتعلق بالموقف من قضية فلاحي واضعي اليد وقانون العلاقات الزراعية و كلنا شهودا عليها سواء ما كتب عنها في الصحافة الشيوعية أو في الموقف الميداني العملي وبالتالي من غير الممكن العمل على تزويرها مثلما يحدث عند مناقشة المسائل التاريخية التي لنا نقاش آخر بشأنها لاحقا, لاسيما وان الأستاذ توفيق يقدم هذه الفقرة كبرهان على صحة ما يقوله بصدد القضايا التاريخية.
يقول الأستاذ توفيق في رده على مقال للرفيق عزيز عمرو: (… ولا يخفى على كل متابع للأحداث في محافظة الحسكة أن جلّ نشاطكم كان ينصب على إثارة المشاكل والفتن بين أبناء الشعب الكردي، ولكي نبرهن على صدق ما نقول نورد لكم وللقارئ مثالين حول مواقفكم المتناقضة من قضايا الفلاحين:
الأول – حينما صدر قانون تنظيم العلاقات الزراعية القاضي بتوزيع الأراضي بين الملاكين والفلاحين من فئة واضعي اليد، وكان القرار صادراً من العاصمة دمشق، حينها فقط حرضتم الفلاحين للتمسك بأراضيهم والوقوف في وجه الملاكين، لأن الطرفين كانا من الأكراد، بل وأبديتم الاستعداد للدخول معهم في معركة ضد الملاكين.
الثاني – حينما أصدر وزير الزراعة في الحسكة قراراً يقضي بنزع ملكية أراضي ألف أسرة كردية تقريباً، كان موقفكم هذه المرة مختلفاً، بل اتسم بالهدوء والسكوت ولم تقيموا الندوات كما فعلتم سابقاً ولم تقفوا مع الفلاحين في وجه الدولة لأن الخلاف هذه المرة لم يكن بين أبناء الشعب الكردي لتحرضوا طرفاً ضد آخر بل بين الدولة والكرد وللعلم فإن جل ما تسعون إليه هو إثارة الفتن في المجتمع الكردي، وكان عليكم أن تتخذوا موقفاً أكثر صرامة وشدة من موقفكم في القضية الأولى لأن الأولى كانت تبقي للفلاح قسماً من الأرض أما الثانية فكانت تصادر أرضه كلها).انتهى الاقتباس
    بداية ومع الاحترام لشخصه الكريم إما إنّ الأستاذ توفيق لم يطّلع على مواقف الشيوعيين ويحكم غيابيا أو انه اطّلع عليها ويحاول أن يشوّه الوقائع والمواقف، فالوقائع – كل الوقائع – المتعلقة بموقف اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين من هاتين القضيّتين تشير إلى عكس ما يقوله الأستاذ توفيق واستنادا إلى المقالات الثمانية المنشورة في قاسيون حول المشكلة يمكن تلخيص موقف الشيوعيين بما يلي:
– يرى الشيوعيون إن المشكلة تأتـي في سياق التراجع عن المكتسبات الاقتصادية الاجتماعية للكادحين على خلفية إتباع سياسة ما يسمى باقتصاد السوق الاجتماعي
– يرى الشيوعيون إن المشكلة تندرج في إطار سياسة التمييز بين المواطنين مما يضر بالأمن الوطني.
– يرون إن للمشكلة بعدا وطنيا و قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في ظل التهديد بإعادة سورية إلى العصر الحجري من قبل قادة العدو الصهيوني.

  
– الدعوة إلى التمسك بالأرض ” إن قاسيون تدعو الفلاحين المشمولين بالقرار إلى التمسك بالأرض وعدم التنازل عنها، وتهيب بجميع الشرفاء في البلاد داخل جهاز الدولة وخارجه بالعمل من أجل إلغاء هذا القرار لا تجميده فحسب – كما يشاع-، والتعامل مع الموضوع كمشكلة وطنية عامة لا تخص هذا الجزء من النسيج الوطني أو ذاك، وترى أنه من حق الفلاحين التعبير بجميع أساليب الاحتجاج دفاعاً عن مصالحهم طالما أن ذلك يتم تحت سقف الوطن، وتنوه بالدور الإيجابي لبعض السلطات المحلية الحزبية والحكومية والمنظمات الجماهيرية التي وعدت الوفد الفلاحي المعني خيراً وتدعو إلى التضامن مع الفلاحين ضد هذا القرار الجائر والمشبوه! وذلك واجب وطني وأخلاقي بامتياز” قاسيون العدد451
ولمن يريد المزيد من الإطلاع على الموقف يستطيع العودة إلى موقع ولاتى مه الذي نشر المقالات مشكوراً بعنوان ” الشيوعيون وفلاحي أجور المثل..

رد أولي على الأستاذ توفيق عبد المجيد ” أو موقع قاسيون” الأعداد448451452453455459
كل ذلك عدا عن الموقف الميداني العملي للشيوعيين السوريين الذي نأبى أن نتاجر به كما يفعل البعض والذي يمكن للأستاذ إن يسأل عنه أبناء قرى بستا سوس، وكلهي، وسبع جفار، وتل خنزير، وطبكي وقلدومان وغيرها وحتى في قرى غرب وجنوب القامشلي وبامكانه أن يسأل أعضاء الوفد الفلاحي الذي ذهب لمقابلة السلطات المسؤولة في المحافظة والعاصمة دمشق عن دور الشيوعيين !؟؟؟
استناداً على كل ما سبق، يمكن الاستنتاج إن هناك تشويها نتمنى – ألاّ يكون متعمدا- من قبل الأستاذ توفيق لمواقف الشيوعيين من القضية وهذا ما يضرّ بالفلاحين الأكراد قبل غيرهم، وواضح من الاقتباسات السابقة إن الشيوعيين يحمّلون المسؤولية لمن أصدر القرار، ومن أصدر القرار هو في جهاز الدولة مع التذكير بأن وقوف الشيوعيين إلى جانب الفلاحين لم يكن في أماكن تواجد الأكراد فقط كما يحاول الأستاذ أن ينّوه بل امتد إلى عموم ساحة الوطن فمعارك المتن في طرطوس، وموحسن في دير الزور والمشرفة في حمص، والغوطة في دمشق، والغاب في حماه وغيرها ضد الإقطاع هي إحدى الصفحات النّيرة ليس في تاريخ الشيوعيين السوريين فحسب بل في تاريخ عموم النضال الديمقراطي التقدمي في البلاد, وهي مكان اعتزاز بالنسبة لنا وإحدى روافع عملية التقدم الاجتماعي التي جرت في البلاد والتي يحاول البعض داخل جهاز الدولة الإجهاز عليها نهائيا بعد أن تم إيقافها في أواسط السبعينات والمثير إن بعض آخر ممن يصنّفون أنفسهم ضمن المعارضة يتفقون مع أنصار السياسة الاقتصادية الليبرالية ضمن جهاز الدولة في هذا الاتجاه، والدليل على هذا الاتفاق هو الموقف من قانون العلاقات الزراعية والذي حاول البعض تسويقه هنا وهناك.
إن الصراع الطبقي ليست صناعة حزبية بل هو قانون موضوعي مذ وجد الاستغلال، ولان التركيبة الطبقية للمجتمع الكردي مثله مثل غيره من المجتمعات فيه الإقطاع والفلاحين إلى جانب الطبقات الأخرى ولان مصالح الإقطاع الكردي تناقضت مع مصالح الفلاح الكردي وخصوصا بعد زيادة ريعية الأرض اثر دخول الآلة إلى العمل الزراعي، فان الدور التاريخي الوظيفي للشيوعيين تطلب منهم أن يقفوا إلى جانب الفلاحين ضد الإقطاع بوصفه قوة رجعية ومستغلة لتعب وعرق ودماء الفلاحين وحتى أعراضهم إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا،  وإذا كان هناك من يعتبر ذلك فتنة فنتمنى إن يحاول إقناع الإقطاعيين الأكراد بالتخلي عن الأرض لصالح بني جلدتهم ” ديمقراطياً” كي يقطع دابر الفتنة التي يحاول الشيوعيين (الأعداء) إثارتها بين الأكراد !؟ واستطرادا نقول: إن الصراع بين الإقطاع والفلاح وجد في المجتمع الكردي قبل ماركس وقبل إن يتبلور الفكر الماركسي وتتشكل الأحزاب الشيوعية ويحفل الفلكلور الكردي بكثير من القصص والوقائع التي تعكس ذلك والتي من المفروض إن الأستاذ توفيق يحفظها عن ظهر قلب.
– المشكلة تكمن أيها السادة في اختلاف زاوية الرؤية إلى المسائل فهناك من يرى اللوحة كاملة انطلاقا من قراءته التي تعتمد على المنهج الماركسي في قراءة الأمور, والانطلاق من العام إلى الخاص إثناء قراءة الظواهر وبين من ينظر إلى الأمور من وجهة نظر قومية فقط أيضا انطلاقا من بنية التفكير القومي وبسبب ذلك اختلف الشيوعيين مع القوميين العرب والقوميين الأكراد و غيرهم ويعرف الأستاذ توفيق (أبو نيرودا) تماما إن الحزب الشيوعي السوري كان عبر تاريخه عرضة لسهام بعض القوميين العرب من خدم الملوك والحكام وسايكس بيكو وحمّلوه مسؤولية احتلال فلسطين, وفشل الوحدة العربية ووجدوا في الشيوعية جسما غريبا وفتنة بين أبناء العروبة, آملا في هذا السياق أن يجيب الأستاذ توفيق على السؤال عن سرّ هذا التقاطع في الآراء بين بعض المثقفين من هنا وهناك من المفروض أنهم طرفي نقيض ؟؟؟  ولا بأس أن يساعده على الإجابة الجهابذه الآخرون علي ميراني، ومصطفى إبراهيم المستيقظ من غفوة و الذي ردّ على مقال بعد نشره بسنتين.


– ليس من حق أحد، حتى وإنْ تمترس وراء اسم القائد الكردي ملا مصطفى البارزاني أن يزعم بأنه يمثل كل الأكراد، وحتى إن كان اسم صحيفته “دنكي كورد” فللكرد أكثر من صوت مثلهم مثل غيرهم من الشعوب والصوت الحقيقي منطقياً هو الصوت الذي يدافع عن أغلبية الشعب الكردي وهذه الأغلبية هي من الفلاحين بلاشك، التي نملك الجرأة لنقول إننا خير من يمثل مصالحها تاريخيا، وراهنا، إلى جانب قوى شريفة أخرى، مثلما نمثل مصالح الفلاح العربي والسرياني… لا أصوات من كان شريكا بكامل المواصفات في جريمة الإحصاء مع شوفينيّ السلطة آنذاك من بعض كبار الملاكين الأكراد والعرب والسريان، الذين اخترعوا مقولة (التسلل الكردي) كي يوقفوا عملية توزيع الأرض على الفلاحين, ونتمنى ألا نضطر إلى ذكر الوقائع والأسماء؟
– أخيرا وليس آخراً إنّ الظرف السياسي في المنطقة والبلاد يتطلب من جميع القوى الوطنية الدخول في أوسع حوار وطني، وصولا إلى أوسع تحالف من أجل الحفاظ على كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار ضد أصحاب مشاريع الفوضى الخلاقة الأمريكية، ومن أجل انعطاف في الوضع الداخلي عبر ضرب مراكز الفساد الكبرى داخل جهاز الدولة وخارجه وإيقاف النهب, الذي أنتج الفقر والبطالة والحرمان والهجرة الداخلية والخارجية, ومن اجل إصدار قانون للأحزاب وقانون انتخابات عصري وإلغاء التمييز بين المواطنين على أساس قومي أو ديني… وصولا إلى منح الحقوق الثقافية والمدنية لأبناء القوميات غير العربية، والحفاظ على الدور الرعائي للدولة وتعميقه بما يلبي مصالح الكادحين وبالتالي يعزز خيار الممانعة والمقاومة الشاملة الذي يعبّر عنه الوطنيين داخل جهاز الدولة وخارجه، نعم إن الموقف يتطلب ذلك، لا نبش قبور الموتى وتدبيج مقالات تنضح بالحقد والجهل وقراءة الوقائع خارج سياقها الزماني والمكاني والتعامل مع السياسة كعلم وليس مجرد عواطف على أهميتها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…