ليذهب قرضاوي وفتاويه إلى هَسْبِسْتْ

صبري رسول

لا أريد الخروج من الخطاب الرسمي، ولا أودّ استخدام العبارات التي لا تليق بي، ولا بحجم هذه القضية، لكن بودي أنْ ألفتَ نظر السيد يوسف القرضاوي إلى حجم انزلاقه إلى الظلم، والله لا يحبّ الظالمين، لأنّ السيد القرضاوي خالف أمر الله عشرات المرّات في دعوته البائسة تلك، حسب وفق التفسير الصّحيح لآيات القرآن، تلك الآيات الداعية إلى الحكم بين الناس بما أنزل الله (احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ) المائدة 48 .

كما أنّه خالف أمره في الآية الكريمة (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )النحل90 .

كان عليك يا شيخنا المبجَّل، يوسف قرضاوي، أن تفهم وتستوعب حيثيات القضية الكردية التي تمسّ حياة عشرين مليوناً من الكرد في كردستان تركيا، وتهمّ 20 مليوناً آخرين، ومعظمهم من الإسلام، فهذه القضية موجودة منذ ما يزيد عن 90 سنة، منذ بدايات القرن الماضي، (اتفاقيات سيفر، ولوزان)
ومنذ ذاك التاريخ والدم الكرديّ يُراقُ غزيراً على مذابح الحرية وأصحابك العلماء لا يسمعون ولا يبصرون، بل لا يعلمون، وفتاويهم لا نسمع بها إلا لصالح السّلطان، ولتُدرك أيّها الشّيخ أنّ القتلى الكرد نتيجة العنف التركي ضدهم يزيد أضعاف قتلى التّرك، ناهيك عن تدمير الرّيف الكردستاني والقضاء على الحياة فيها، فلماذا لا تدعو أصحابك من الترك أحفاد أرطغرل والسلاطين إلى وقف هذا النزيف؟ وهنا لم تفعل بما أمرك الله يا شيخنا، فخالفْتَ الآيةَ التاسعة من سورة الحجرات.

((إِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا …… بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات 9 .

هل صنّفْتَ طائفتين من المسلمين في هذه الآية وبيّنتَ من منها الباغية ومن منها مسالمة؟؟؟ أم لا تحسب الكرد من الإسلام؟
وإذا كنتَ لا تُدرك أبعاد ندائك المشؤوم فذنبك أكبر، وندعو الله أن يحاسبك على جهلك بالسياسة، ويُحمّلك مسؤولية فتواك لسوءِ موقفك لصالح السلطان، فقد أثبتَّ ياشيخنا أنَّ فقهاء وعلماء السلاطين مازالوا يخبزون لهم رّغيف الفتاوي على موائد القادة، وهم وعّاظ السلاطين كما وصفهم علي الوردي.
          وأحبُّ أنْ أسألك أيّها الجليل: هل قتلُ الكرد لأعدائهم إرهابٌ؟ وقتل الترك للأكراد أمنٌ واستقرارٌ؟؟) هل قتْلُ الترك للأرمن (1914- 1915)كان مباحاً، وإلى اللحظة لم تتفوّه بكلمة في هذه القضية؟ وهل قتلُ التركِ للكرد حلالٌ؟ مَنْ المعتدي يا شيخنا؟؟؟ (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة 32، وهنا الآية لا تحلّل دم غير المسلمين، حيث جاءت المفردة (نَفْسَاً) لتدلّ على عموم البشر.

ومازال لسانك عاجزاً عن وصفِ مجازر الأرمن بأنّها كانت قتلاً وإرهاباً، أم مازلتَ ترى بأنّها كانت فتوحاتٍ ونشْر إسلام؟؟؟
كان يجدرُ بك يا عالمنا الكبير، وباتحادك الإسلامي،  أن تدعوا النظام التركي إلى حلّ هذه القضية، وتحريم سفك الدّماء، وأنْ تحثَّهم على التحلي بالشّجاعة لحل القضية الكردية، لكنك اخترتَ أن تحكم بالظلم بدلاً من العدل: ((إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة 42 .


آثرتَ أن تحكم بالنّاس وفق الهوى، فضلّلك عن سبيل الله، لم تحكم بالحقّ، َ (احْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)ص26
فإذا كان وعاظ السلاطين هم مَن يُصدرون الفتاوي، وهم يُحلّون ويحللون وفق هواهم، ولو على حساب الشعوب، فليذهبْ الفقيه، والواعظ، واتحادهم البائس إلى وادي هَسْبِسْتْ.

ارجع إلى رحمة ربّك، واعتذر للشعب الكردي على ظلمك له، فإذا لا تريد التصفيق لجوقة أعداء هذا الشّعب، عد إلى رشدك، واحكم بين النّاس بالعدل: (إِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)النساء58 وعليك أنْ تعي أنّ الانجرار إلى هذه السابقة الخطيرة في مواقفك ليس لصالح الدين ولا الإسلام، فهذا الدين لا يبيح إحراق القرى ولا تدمير المنازل ولا تشريد أهلها، بل يحرّم ما تقوم به الأنظمة التركية من قمعٍ واضطهادٍ وقتل بحق الشعب الكردي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…