على ضوء دعوة نيجيرفان بارزاني للاصلاح :اعادة بناء «البارتي» ضرورة قومية ووطنية

صلاح بدرالدين

       في لقائه الشامل بتاريخ الخامس عشر من الشهر الجاري مع صحيفة – الشرق الأوسط – أجاب السيد نيجيرفان بارزاني عن عدد من الأسئلة حول مجمل الأوضاع السياسية في العراق واقليم كردستان والمنطقة عموما وشملت الموقف الكردستاني حيال تشكيلة الحكومة العراقية القادمة حيث رجح التحالف مع قائمتي دولة القانون برئاسة المالكي والائتلاف الوطني بزعامة عمار الحكيم كما طرح الشروط الكردستانية للعمل الوطني المشترك في المرحلةالجديدة وتناول علاقات الاقليم ذات المنفعة المتبادلة وأهميتها ومستقبلها وجدواها الاقتصادية والسياسية والثقافية مع تركيا وايران على وجه الخصوص ومع مختلف دول الجوار العراقي وخاصة السعودية وشدد على أن حكومة – الكابينة – السادسة برئاسة الدكتور برهم صالح هي حكومتهم وتحظى بالدعم والاسناد وهي امتداد طبيعي متوافق عليه للكابينة الخامسة حسب مبدأ التداول السلمي الديموقراطي للسلطة
وهنا علي الاعتراف بأن كل المسائل التي أثارها في لقائه تحتاج الى متابعات وقراءات لما لها من قيمة ووزن وتأثير في حاضر الاقليم ومستقبله كانت قطاعات واسعة من سكان الاقليم والعراق بانتظار سماعها ولكنني ارتأيت اختيار الجزء الأكثر أهمية في حديثه الذي يدلي به للمرة الأولى عبر منبر اعلامي عربي واسع الانتشار حول الخطوط العامة لمشروعه الاصلاحي بشأن عملية التغيير التي بدأت كمهمة وأمنية وضرورة تتصدر المهام الأخرى وتتردد على كل شفة ولسان وتكاد الآمال في هذا المجال تعقد في أذهان المثقفين والجيل الشاب وكوادر ومناضلي البارتي على شخص ” نائب رئيسهم ” نيجيرفان بارزاني الذي يعلن في هذا اللقاء عن مضمون برنامجه الهادف الى الاصلاح وسعيه في وضع اللمسات الأخيرة عليه والانتقال من ثم الى مرحلة التطبيق العملي قريبا وأكاد القول أن موضوعة التغيير والاصلاح في النظام الحزبي الكردي باتت قضية الساعة وفي مقدمة هموم مناضليه ومثقفيه وأجياله الشابة في جميع أجزاء كردستان وهناك العديد من المشاريع والبرامج قيد الدراسة والنقاش في أكثر من ساحة  .
    المشروع الاصلاحي للسيد نيجيرفان بارزاني
   أولا – ملامحه البارزة
       حول السؤال المتعلق – بالوضع الحزبي بعد تبوؤ موقع نائب الرئيس وآمال القاعدة الحزبية بحدوث تغيير كبير لجهة الاصلاح والتجديد – كما ورد في صيغة سؤال الصحيفة جاء رده محددا الملامح الأساسية في برنامجه بالشكل التالي :
– مطلب الاصلاح والتغيير في الحزب بات معبرا عن ارادة الجميع بدءا من رئيس الحزب وانتهاء بالقواعد ولايتعلق الأمر بشخص أو مجموعة أو جناح كما حصل في تجارب أخرى باقليم كردستان .


– عملية التغيير وبفضل اقرارها والاجماع حولها لن تكون – قيصرية – ولن تحدث هزات ولن تحتاج الى انقلاب بل ستتم عبر سبل شرعية تتسم بمزيد من المرونة لأنها حاجة موضوعية كونية ومحلية لابد منها .
–  برنامج الحزب لايلائم المرحلة الراهنة ولايستجيب لمتطلبات السياسة الآنية لأنه صيغ في ظروف سابقة مغايرة لمانعيشها الآن على الصعد المحلية والاقليمية والعالمية لذا لابد من اجراء التغيير الجذري عليه .
–  المسألة الأخرى في عملية التغيير تتعلق بوسائل النضال وأشكال الأداء واعادة صياغة البنى الأساسية للحزب أي الهيكل التنظيمي والاداري ليتوافق مع شروط المرحلة القادمة واجراء مراجعة شاملة لكافة الجوانب الاعلامية والجماهيرية وسبل التواصل مع الشعب .
  ثانيا – جولة استطلاعية في أفق المشروع
    1 – كما هو معلوم من التراث التاريخي للحركات السياسية في البلدان المتقدمة وفي مناطق التحرر الوطني على السواء فان مشاريع الاصلاح والتغيير الظافرة توقفت على مدى امكانية انجاز شروط تحقيقها في جوانب أربعة : البرنامج الفكري – السياسي والهيكل التنظيمي والقيادة ووسائل النضال الذي يدخل مجتمعا في عداد العاملين الموضوعي والذاتي اللذان يستكملان معا مهام التغيير المنشود وفي الحالة الكردستانية وعلى ضوء المشروع الاصلاحي المطروح من جانب ” نائب رئيس البارتي ” واذا ما انجزت كافة جوانب العامل الأول التي ذكرها بوضوح وشفافية فسيكون من تحصيل حاصل خلق ظروف ملائمة لاستحضار جيل جديد من القادة المسؤلين نساء ورجالا محصن بالثقافة القومية الديموقراطية ومتمرس باللغات الأجنبية والتعامل مع – الانترنيت – ومشبع بالمعلوماتية قادم من صلب الجسم الحزبي منسجم وعيا وثقافة مع التقديمات المستحدثة ومهيئا لتولي المهام بآليات وأساليب مبتكرة كتجسيد عملي حي للانتقال من مرحلة الثورة والنضال السري والمعارضة الى عصر السلام والمعرفة وبناء الكيان الفدرالي – الدولتي – والمشاركة في تحمل مسؤوليات السلطات الثلاث وبشكل خاص البرلمان والحكومة على صعيدي الاقليم والمركز الاتحادي والانخراط في العمل التخصصي في الاقتصاد والادارة والثقافة والخدمات والبناء والفن والابداع وفي هذا المجال – العامل الذاتي – أرى أن الخطاب الهادىء لصاحب المشروع يحمل حسب ظني رسالة الى الجميع مفادها أن الاصلاح آت كقدر محتوم والطريق مفتوح للانخراط فيه والمشاركة في تحقيقه بمختلف السبل الفكرية والثقافية والسياسية والتنظيمية من دون استبعاد احتمالات ظهور متضررين هنا وهناك من أصحاب المصالح الخاصة – كما يحصل في كل المجتمعات وبالأخص في مجتمعاتنا الشرقية وبينها الكردستانية  .


  2 –  ظهر العديد من المصلحين في التاريخ البشري في مجالات الدين والادارة والاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة منهم من حقق المبتغى ودخل التاريخ من أوسع أبوابه ومنهم من أخفق في تحقيق الهدف لعدم توفر شروط النجاح الموضوعية والذاتية وبالرغم من التسليم بدور الفرد في مختلف المجالات وكافة العصور والمراحل الا أن العوامل الموضوعية من بيئة شعبية ووعي جماهيري وعلاقات اجتماعية وتطور اقتصادي تلعب الدور الأساس في الاصلاح وفي موضوعنا هذاوبعيدا عن شخصنة قضية اصلاح وتغيير – البارتي – كمهمة استراتيجية كبرىتتعلق بمصير شعب وقضية  فان صاحب المشروع وبالرغم أنه كانسان معرض للخطأ والصواب يتمتع بمزايا كافية تؤهله لانجاز هذا الواجب ومنها الرعاية والاسناد من مصادر القرار رئيسا وقيادة وبحكم عمره الشبابي لم يشارك في الصراعات القديمة مما جنبه عداء المجموعات والأفراد وتجربته المكتسبة خلال أكثر من عقدين في تحمل المسؤليات الخطيرة بينها رئاسة حكومة الاقليم وممارسة العمل الدبلوماسي بنجاح ونهجه الانفتاحي على الجميع دون التوقف على الأصول الحزبية واهتماماته الواسعة بالمعلوماتية والثقافة القومية وقضايا المرأة والشباب والاعمار والابداع ورعايته الواضحة لشؤون القوميات والأديان الكردستانية من تركمان وكلدان ومسيحيين وجهوده المبذولة لتحويل كردستان في المجال الاقتصادي الى – نمر ميزوبوتاميا – وهي كلها ميزات – اصلاحية – وتقود الى التغيير وعلينا أن لانغفل بهذا الخصوص تأثير ما أصاب – الاتحاد الوطني الكردستاني –  من انهيارات وخروج  تيار التغيير الاصلاحي عليه في التعجيل بتسريع الخطى لاصلاح – البارتي – الذي لايختلف عنه كثيرا من حيث البنية الاجتماعية القاعدية والخطاب السياسي خاصة اذا علمنا أن الاتحاد خرج من صلب البارتي في ستينات القرن الماضي   .
  3 – – البارتي – هذا الحزب التاريخي الأم لمعظم الروافد التنظيمية الراهنة في كردستان العراق الذي ترأسه البارزاني الخالد وفجروقاد ثورة أيلول وانتفاضات – كولان – وآذار – وعاصر الحرب الباردة بين الشرق والغرب وحقق انجازات كبرى من الحكم الذاتي عام 1970 والفدرالية مع روافده عام 1992 والسائر على النهج القومي الذي رسمه رئيسه ورمزه منذ قيامه في أواسط اربعينات القرن المنصرم نقول أن هذا الحزب والى جانب كبواته العديدة وأخطاء قيادته في بعض الظروف جسد تيار الاعتدال في الحركة القومية الكردية وقطع الطريق على نوازع التطرف والمغامرة ونجح في تنظيم أوسع القطاعات الشعبية من حوله في أصعب الظروف وأخطر المراحل يستحق كل الرعاية والاهتمام والتطوير والترشيد ليستكمل مهامه النضالية في بداية القرن الجديد فهو ليس بمثابة حزب فحسب بل مدرسة كفاحية وتجربة فريدة في تاريخ حركة التحرر القومي الكردستانية فان الحريصين عليه يرون من الواجب تعزيز مكانته عبر التغيير والاصلاح  قبل فوات الأوان في وقت بدأ فيه دور الأحزاب بالاقليم بصورة عامة بالتراجع بسبب ترهلها وعجزها عن تحقيق المشروعين القومي والوطني ومواكبة الأحداث على مختلف الصعد .

  4 –  هناك ضرورات ثلاث لاصلاح – البارتي – واعادة بنائه من جديد وتأهيله لقيادة المرحلة القادمة في كردستان العراق الأولى : ضرورة كردستانية لصيانة وحدة شعب الاقليم ووحدة صفوف حركته السياسية وتعزيز دوره وترسيخ تجربته الديموقراطية وتقدمه الاقتصادي والاجتماعي في ظل النظام السياسي الفدرالي واستكمال انجاز خطوات عودة المناطق المستقطعة الى الحضن الكردستاني ومعالجة قضايا القوميات الكردستانية وتلبية كافة حقوقها حسب دستور الاقليم والتعاون الوثيق بين الاقليم والمركز حسب مواد الدستور العراقي وعلى قاعدة ترسيخ مفاهيم النظام الفدرالي  والثانية :  ضرورة وطنية عراقية لمواصلة العملية السياسية الديموقراطية والمساهمة في صيانة وحدة وسيادة العراق ودوره السلمي في المنطقة ومواجهة الارهاب وتعزيز علاقات الشراكة الحقيقية بين الكرد والعرب والحفاظ على حقوق كافة المكونات الوطنية وتطوير التجربة الفدرالية الظافرة التي اثبتت قدرتها على ايجاد الحل السلمي الديموقراطي للقضية القومية الكردية كنموذج يمكن الاقتداء به في دول الشرق الأوسط المتعددة القوميات والثقافات والثالثة : ضرورة قومية كردية لأن أي تغيير اصلاحي في – البارتي – سيفتح الباب على مصراعيه لحدوث اصلاحات في الحركة السياسية والحزبية في أجزاء كردستان الأخرى التي تعيش أزمات خانقة وانقسامات عميقة وذلك بسبب ثقل الموقع القومي المركزي الذي تشغله الحركة السياسية في كردستان العراق عامة و- البارتي – على وجه الخصوص وهذه حقيقة يجب التسليم بها ولايتنقص من قيمة حركات الأجزاء الأخرى التي قدمت في بعض المراحل مبادرات فكرية وسياسية قد تكون متقدمة في المجال النظري على ما يطرحه الأشقاء هنا في مجالات الاصلاح واعادة البناء والتحولات في الوعي والممارسة وبرامج الجبهات والتحالفات والصياغات النظرية المبدعة فلدينا في غرب كردستان على سبيل المثال  تجربة كونفراس الخامس من آب عام 1965 الاصلاحية الجذرية والتي أعادت بناء الحزب على أسس جديدة وبصورةحاسمة فكرا وقيادة وموقفا سياسيا ووسائل نضال وهناك أيضا ومنذ عدة أعوام مشاريع اصلاح قيد المناقشة والتداول في الوسط الثقافي ولكنها بقيت وتبقى في حدود جزئنا ولم يتابعها سوى نخب محددة في الأجزاء الأخرى بعكس ماهو متوقع للتجارب الاصلاحية في كردستان العراق من تأثير مباشر وامتداد عبر العمق القومي في الشرق والشمال والغرب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…