إرهاب الدستور في دولة العدالة والتنمية

خالص مسور

يعيش الأطفال في كل بلدان العالم وهم يتمتعون بحقوقهم الأساسية وقد كفلت لهم دولهم ومجتمعاتهم ذلك فلايمكن تجاوزها لكائن من كان، وتتمثل في حق التمتع بالحياة، وحق التعليم، والحماية من الأمراض، والرعاية الأسرية وغير ذلك مما يتطلبه عالم الطفولة والبراءة.

كما أقرت الأمم المتحدة بدورها حقوق الطفل في مواثيقها الدوالية وخاصة في البند العاشر من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي نص على توفير الحماية والرعاية للطفل من كل قسوة وتمييز عنصري، فالطفولة هي الإمتداد الزمني والاستمرار للحضارة الإنسانية على الأرض.
ورغم الإجراءات التي أعلنتها الأمم المتحدة والقدسية التي وفرتها للطفل وتخصيص اليوم الأول من حزيران في كل عام يوماً عالمياً للطفل وأجازته كل دول العالم.

ألا أننا نفاجيء اليوم بدستور حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركية يخرق كل قوانين الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل، بل يخرق حتى التوجهات الإسلامية ليرقى بنفسه إلى درجة الإرهاب القطعي بحق الطفولة البريئة.

ورغم أن الدستور لم يقر ببنوده كاملة بعد، ألا أنه وقد وردت فيه فقرات تجيز محاكمة الأطفال الذين يشتركون في مظاهرات سلمية ضد إرهاب الدولة التركية، هذه الدولة التي لها ماض تاريخي غير مشرف أبداً، ماض لم يبدأ بممارسات جمال باشا السفاح في إعدامه لأحرار العرب في صبيحة السادس من أيار عام 1916م، وحتى عمليات الإبادة المنظمة ضد الأرمن والسريان، وليس انتهاء بإبادة الأكراد ثم ملاحقة اطفال الكرد وقنصهم في عقر دارهم، كما حدث منذ عام مع الفتاة الكردية (جيلان أونكول) ذات الإثني عشرة ربيعاً، حينما قتلها الجنود الأتراك بدم بارد وهي ترعى سوائمها في ربوع قريتها الجبلية الوادعة.

ومن المفارقات المخلة بكاريزمات الأخلاق الإنسانية، أن تسجل الدولة التركية وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية مع دستورها الجديد…؟!! تراجعاً حضارياً نحو الوراء وخطوة نحو عصورالهمجية والتخلف الحضاري والقيمي، وذلك بسنها هذا الدستور الإرهابي بامتياز والقانون الأكثر بدائية في تاريخ الشعوب.

مما ينبي عن وجود حالة من التناقض المفاهيمي الحاد بين آفاق التقدم الحضاري و الشرعية الدستورية الموازية لدولة تزمع الإنضمام إلى الوحدة الأوربية القائمة على الديموقراطية وحقوق الإنسان بالفعل، وبذلك تكون تركية قد أثبتت بجدارة واستحقاق أنها الدولة القائمة على البربرية والإرهاب واضطهاد الشعوب منذ نشأتها وحتى اليوم.
وقد قال ماركس يوماً: كل أمة تضطهد أخرى، تسبك السلاسل الخاصة بها.

ولهذا يثبت هذا القانون مرة أخرى أن الأمة التركية غير حرة في مسلكها وتسبك السلاسل الخاصة بها على حد قول ماركس.

كما يظهر هذا الدستور وبجلاء أن تركية دولة بوليسية، وأنها لن تنعم بالإستقرار القانوني أو السياسي أو الإقتصادي ما لم تقر بالحقوق المشروعة للشعب الكردي، وهذا درس بليغ يجب على الدولة التركية استيعابه ودون مواربة أو النعامية ودفن الرأس في الرمال.

ونستشف مدى بشاعة هذا الدستور وهمجية مشرعيه إن وردت فيه مثل هذه الأمور حقاً.

وحينما نستعرض تاريخ التشريع العالمي منذ قوانين أورنمو السومري وحتى اليوم، فسوف لانعثر أبداً على من يوصي بقتل براءة الأطفال بأية ذريعة وتحت أية حجة كانت إلا في دستور الذئاب الرمادية…!!.

وفي الحقيقة يعتبر معطيات الدستور الناسف والحال هذه، ارتداداً حضارياً ولا أخلاقياً خطيراً، بل انحداراً نحوعصور الظلام والهمجية البشرية، وهو يشكل بالإضافة إلى هذا حالة من الإقرار والإعتراف الضمني من الدولة التركية بأنها – وبعقليتها الذئبية هذه- قد ارتكبت المجازر ضد الأرمن وبدم بارد، طالما تقبل دساتيرها وضمائرها على الإعتداء على الأطفال الكرد وهم مسلمون، فكيف بأطفال الأرمن وهم من غير المسلمين.

كما يشكل هذا الأمر إساءة بالغة إلى الإسلام  من قبل الدولة التركية أولاً، وهو إساءة إلى الشعب التركي في ثوابته وكاريزماته الإنسانية ثانياً، ثم إلى الإنسانية برمتها ثالثاً.

ناهيك أن هذا الدستور العتيد سيصدر بمبادرة من حزب يدعي الإسلام الذي لايحمل قاصراً ولا مجنوناً وزر عملهما مهما فعلا من منغصات ومشاكل.


ولنعلم هنا أن الدساتير هي أرقى أنواع التشريع في الدول الدستورية ولدى شعوب متحضرة ينآى بنفسها عن القسوة والهمجية، كما هي مرآة صادقة عما بلغته أي شعب من الشعوب المدسترة(1) في قيمها الحضارية والروحية، وتدل من جانب آخرعلى سيكولوجية واضعيها ونمط تفكيرهم ونوعية ثقافتهم التي وصلوا إليها، وهذا يعطينا الحق في القول – وكما قلنا- بأن مجمل هذه المعطيات المفاهيمية حول الدستور الساجن للأطفال، لا بل ربما الذهاب إلى أكثر من السجن أي إلى الإعدام مثلاً، هو حالة من التمظهر اللاإنساني ومشهد كارثي في السوية الحضارية لمنظومة القيم التركية، بل وتحد صارخ للإنسانية في أكثر أشكالها براءة وحيوية.


رغم أننا نتوقع أن يكون ماهو إيجابي في هذا الدستور الجديد وفي بعض بنوده إن أقر، وخاصة فيما يتقاطع منه مع محاور الحالة الكردية الراهنة في تركية.

ولهذا يتطلب من الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية التراجع عن البنود المتعلق بمحاكمة الأطفال وسجنهم لأنها خروقات مسيئة لجوانب العلاقات الإجتماعية للشعوب القائمة على قدسية الحفاظ على النوع البشري، لأن استمرار النوع البشري هو في استمرارسعادة أطفاله وأجياله الناشئة، ولأن المسألة ليست في محاكمة الأطفال فقط بل إنها عوائق جدية أمام مسيرة الطفولة البريئة، ومعلماً بارزاً على رعونة ورجعية دستور سن لتنظيم الحالة الميكانيزمية لدولة تعتبر متحضرة في القرن الواحد والعشرين.

ولهذا يتوجب على كل شعوب العالم وأطفاله أن تبذل كل ما في وسعها للتنديد بما تشرع له الدولة التركية وأقطاب حزب العدالة والتنمية بحق الأطفال الكرد، وذلك لردع منطلقات هذا الدستور الساجن للأطفال قبل فوات الأوان، ووأد انعكاساته على المنطقة والشعوب الأخرى في سابقة دستورية لا مثيل لها في عنفها وهمجيتها.
15/4/2010م
…………………………………………………   

(1)   المدسترة: التي تعتمد الدستور في حكمها.

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…