كذبة نيسان أم إشراقة نيسان…؟!

م .

بافي ژيـــن
bavejin@hotmail.com

  نيسان عروس السنة في بلادنا؛ وضحكته المشرقة ترسم الأمل في صباحات الوطن المثقل بهموم الحياة, وتغدو الأرض في حلة خضراء جميلة, تعانق الفراشات الأزاهير, لترشف من خدها ماء الوجود, أما البلابل فتنتفض من رقادها الطويل, مغردة على خصلات الأشجار الطرية, والنسيم تداعب ريشها الجميل….
ما دفعني الحديث عن هذا الشهر الربيعي, ليس مناخه المعتدل المنعش, وطبيعة أرض الكرد الخلابة, ولا خروج الناس في أيام العطل والأعياد إلى أحضانها, لأخذ قسطاً من الراحة بعد عناء الشتاء, وإنما قصة بسيطة أثارت فيّ الحزن والفرح معاً, ففي ظهيرة الأول من نيسان وأنا عائد إلى منزلي لفتتني منظر امرأة متوسطة العمر تركض مذعورة، حافية القدمين حاسرة الرأس, تلوح بيديها للسيارات المارة رغبة في إيقاف إحداها, تصرخ وتنوح (ولدي جوان…ابنييييييييّ….ضنايا….)
 دفعني الفضول للاقتراب والاستفسار ومعرفة الذي يجري؛ فكم كانت دهشتي كبيرة عندما شاهدت جارتي في حال يرثى له، وأن ابنها البكر جوان، تعرض لحادث سير مفجع في المدخل الشرقي لمدينة القامشلي حسب زعم جارتها, لذا حاولت أن استوقفها، وأخفف من روعها  بتكذيب الخبر و….، وما هي إلا لحظات قليلة وأحاط بنا جمع من أهل النخوة من الكرد، وكل يحاول المساعدة بطريقته… ونحن في هذه الدوامة، وإذ بفتاة صغيرة لم تبلغ السادسة من العمر، تركض نحونا وهي تصيح (ماما ماما… لقد عاد أخي جوان إلى البيت وهو بخير…..) كم كانت فرحتنا كبيرة عند سماعنا النبأ، وعدنا برفقة الجارة وهي شبه منهارة إلى المنزل، للاطمئنان على صحة الشاب جوان بينما ونحن في طريق العودة، أدركنا من الطفلة بأن العملية برمتها, لا تعدو كذبة ثقيلة (كذبة نيسان) فبركتها إحدى جارات أم جوان، لتتباهى فيما بعد بأنها أوقعت صديقتها المسكينة في شرك محكم، أو كذبة نيسان كما يقال!! والتي تخرج في كثير من الأحيان عن طبيعة المنطق ولغته المألوفة، بل تتحول إلى نكد لا يزول آثاره سريعاً.


لا أخفيكم سراً بان شعوراً غريباً انتابني، امتزج فيه (الفرح بالألم) بعودة الشاب جوان إلى ذويه سالماً معافى من جهة، واستخفاف الناس بعقول ومشاعر بعضهم بعضاً وعدم تقدير النتائج السيئة المترتبة في مثل هذه الحالات من جهة أخرى، … وحينها بدأت أتذكر بعض الكوارث المفجعة (حلبجة, شهداء الكرد, كارثة تسونامي, زلزال هاييتي,….) وتمنيت أن تنتهي في حينها كقصة الشاب جوان إلى أكذوبة نيسان بدلاً من الحقيقة…!!!

 وكل نيسان والبشرية في صدق وسلام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد إذا كان الاستثمار من الأمور الهامة التي تأخذها بعين الاعتبار أيُّ دولة أو حكومة سواءً أكانت متطورة وشبه مستقرة أم خارجة لتوها من الحرب ومنهكة اقتصادياً؛ وبما أنَّ معظم الدول تشجع على الاستثمار الأجنبي المباشر بكونه يساهم بشكلٍ فعلي في التنمية الاقتصادية، ويعمل على تدفق الأموال من الخارج إلى الداخل، ويجلب معه التقنيات الحديثة، ويعمل على توفير…

من أجل إعلامٍ حرّ… يعبّر عن الجميع نقف في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، نحن، الصحفيين والكتاب الكرد في سوريا، للتأكيد على أن حرية الكلمة ليست ترفاً، بل حقٌ مقدّس، وضرورة لبناء أي مستقبل ديمقراطي. لقد عانى الصحفيون الكرد طويلاً من التهميش والإقصاء، في ظلّ الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة ولاسيما نظام البعث والأسد، حيث كان الإعلام أداة بيد النظام العنصري لترويج…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* في الوقت الذي تتكشف فيه يوميًا أبعاد جديدة للانفجار الذي وقع في أحد الموانئ الجنوبية لإيران يوم 26 إبريل 2025، يتردد سؤال يعم الجميع: من هو المسؤول عن هذه الكارثة؟ هل كانت متعمدة أم عيرمتعمدة؟ هل يقف وراءها فرد أو تيار معين، أم أنها عمل قوة خارجية؟ سؤال لا يزال بلا إجابة حتى الآن!   التكهنات…

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…