ويبقى الحوار السبيل الأمثل للتفاهم والعمل معاً ..!

  افتتاحية جريدة آزادي
بقلم: رئيس التحرير

بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها ، إثر انهيار المنظومة الاشتراكية وسقوط جدار برلين ، وبعد الحرب في كل من أفغانستان والعراق والإطاحة بالعديد من الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية ورموزها ، بعد كل هذا وغيره من الترتيبات التي أعدت نحو التغيير والتحول الديمقراطي الذي غدا مشروعا كونيا وسمة العالم الأساسية التي لا رجعة عنها ، عندها اتجهت الشعوب والأنظمة الديمقراطية في مساعيها إلى إحلال مبدأ الحوار محل القتال والصراع ، بمعنى أن الجهود كانت ترمي لأن يحتل مبدأ الحوار صدارة سلم أولويات العلاقات بين الدول والمجتمعات الحضارية ، لأن الحوار هو لغة التفاهم الأمثل ، ولا شك أن حاجة المجتمعات إلى الحوار هي على قدر تشابك قضاياها وتداخلها، وعلى قدر تسارعها ومقتضيات حلها واختزال تشعباتها، على عكس الصراع والتقاتل الذي لا ينتج سوى العداء والضغائن والأحقاد ولا يخلف سوى الدمار والويلات لتجعل الرابح خاسرا في آن ..
وإذا كان الحوار هو حاجة المجتمعات الحضارية ، فلاشك أن مجتمعاتنا أكثر حاجة إليه ، ذلك لما تعانيه (هذه المجتمعات) من التعقيد في علاقاتها السياسية والاجتماعية نتيجة التشابك المركب في طبيعة تركيبتها وعصبية الانتماء المتعدد الأوجه للفرد الواحد أو المجموعة المكونة معا في عقلية واحدة قوميا ومذهبيا وفئويا وسياسيا ..الخ ، أي أن هذه المجموعة تظل تخوض غمار الصراع على أكثر من وجه ومحمل ، الأمر الذي يحد من إشاعة مبدأ الحوار ، ولاسيما في الدول ذات الأنظمة الشمولية والتي تتصف بهذه الأوجه المتعددة في الانتماء والممارسة العملية في تعزيز هذه النزعات الانحلالية التي تستهدف نسف القواسم المشتركة بين مجموع المجتمع بما هو الانتماء الوطني والمصالح العليا للمجتمع بأسره ..

وفي هذا السياق ، فإن السلطة الشمولية الحاكمة في بلدنا سوريا التي ينتابها القلق ويثقل كاهلها هاجس الخوف الدائم من المستقبل ، لأنها تدري جيدا ماذا فعلت لعقود خلت من الزمن تجاه المجتمع والجماهير العريضة في البلاد بطالة وتجويعا وقهرا ، ولأنها قد بنت ذاتها بالقوة خارج دائرة العلاقات المدنية ، ولذلك فهي لن تدخر وسعا في ضرب الجماهير الشعبية وقواها السياسية التواقة للتغيير والتحول الديمقراطي ، مستغلة في ذلك حالة التعددية السائدة من قومية ودينية وسياسية بغية تأليب المجتمع ضد بعضه البعض ، في تأكيد لمقولة (فرنسيس فوكوياما) الأمريكي في كتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير “من استحالة تحقيق الديمقراطية في ظل تعايش التعددية الاثنية أو القومية أو الطائفية ..الخ في حين يؤكد الواقع والتاريخ خلاف ذلك في العديد من بقاع العالم مثال كندا وسويسرا وبلجيكا و الهند وحتى دول أخرى أقل تطورا ..ولئن تسعى العصبيات القومية الاستعلائية والدينية المتزمتة والسياسية المغامرة ، التي تلتقي مع الإرهاب وقوى الظلام في مصالحها ، إلى حبك الدسائس وإثارة الفتن بين الحين والآخر ، وبمختلف أشكالها بين أبناء المجتمع الواحد ، بغية تسعير المزيد من الصراعات الهامشية في مجتمعنا ، لتصب الماء في طاحونة أعدائه وخصومه ، فإن الواجب الوطني يقتضي التفاهم والتصدي الحازم لها ، ومصلحة البلاد العليا تتطلب حشد الطاقات والإمكانيات عبر حوار جاد وبناء بين مختلف المكونات الوطنية ومن مختلف الانتماءات القومية والسياسية والدينية ،التي تهمها خدمة الوطن وتقدمه ، والتي ترتبط مصالحها بتطور البلاد وازدهارها ، كي تقطع السبيل أمام هذه المساعي الماكرة والمحاولات الهدامة ..من هنا ، فإن الجماهير الشعبية في البلاد صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتحول الديمقراطي ومعها القوى الوطنية والديمقراطية بمختلف انتماءاتها القومية والدينية مدعوة إلى التلاحم ورص الصفوف من خلال الحوار الأخوي الجاد عبر بناء التحالفات العريضة والبرامج السياسية الواضحة التي تعبر بشكل صريح عن مصالح مكونات المجتمع السوري دون تمييز بسبب الانتماء القومي أو المذهبي أو غيره ، بغية تحقيق التغيير المنشود وبناء الدولة المدنية الحديثة ، دولة الحق والقانون التي تنتفي بداخلها العصبيات والصراعات الهامشية ، دولة تحقق العدل والمساواة وفق أسس ديمقراطية ودستور وقوانين عصرية ، لا مكان فيها للتمييز والاستغلال والاستعباد ، ولا مكان فيها للمشاريع العنصرية والقوانين والمحاكم الاستثنائية ، دولة تمتاز بالحريات الديمقراطية كافة ، لا قمع فيها لأصحاب الرأي والموقف السياسي ولا سجون ، وتتحقق للإنسان السوري هويته وحقوقه القومية والوطنية وإنسانيته التي تليق بمستوى العصر وتطوره ، ليتمكن الجميع من ممارسة حقوقهم وأداء ما عليهم من الواجبات ، وتظل المنافسة سواء بين الأفراد أو المجموعات أو القوى السياسية في إطار التباري على العمل والجهود بما يخدم وحدة البلاد وتقدمها وتطورها وليعيش الجميع في تآخ ووئام ..

 * جريدة صادرة عـن مكتب الثقافـة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا – العدد (419) آذار 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…