يونس قدري تعتبر ثقافة التنحي إحدى أهم ملامح الاختلاف في الثقافة السياسية بين شطري العالم الشرقي من جهة والغربي من جهة أخرى، ويرى الكثيرون بأن المسألة على علاقة وارتباط وثيق بطبيعة المفاهيم الاجتماعية ومستوى الوعي الثقافي والإنساني السائد في كل مجتمع حيث تجد الإنسان في المجتمعات الشرقية التي تسودها قيم القبيلة أو العائلة يلد وتلد معه مسبقاً مكانته الاجتماعية وربما ملامح مستقبله السياسي، بينما قد يصل أحد المهاجرون من المنتمين والمؤمنين بالقومية المدنية إلى أعلى هرم السلطة الديمقراطية في إحدى الدول الغربية.
والعالم العربي لم يشهد حالات تنحي تذكر باستثناء الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي عاد ليلتف على قراره متذرعاً بمطالبة الشعب له بالعدول عن القرار، وحالة أخرى كانت تنحي الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب عن منصبه الرئاسي دون رجعة.
أما على صعيد الحركة الكردية السورية وبرغم أن المقارنة غير عادلة بعض الشيء حيث تعتبر الحركة الكردية في عمومها حركة نضال شعبي وسياسي، لذا ليس من الإنصاف مطالبة المناضلين بالتنحي عن نضالهم التطوعي، ولكن مع مرور نصف قرن على هذا النضال دون تحقيق أية مكاسب تذكر بل أن ما تحقق خلال نصف قرن من تاريخ الحركة الكردية في سوريا كان إحصاء 1962 الاستثنائي ومن ثم الحزام العربي 1976 وانتفاضة آذار 2004 والمرسوم 49 لعام 2008 وأحداث 20 آذار أيضاً لعام 2008.
من هنا يحق لنا طرح مسألة تنحي رموز وقادة هذه الحركة السياسية المتبلورة في عدد من الأحزاب السياسية وصوابية نهجهم في قيادة الحراك السياسي الكردي من عدمه.
ويذكر من الشخصيات التي تنحت عن العمل الحزبي بدايةً الدكتور نور الدين زازا، الحاج دهام ميرو، حميد سينو ، ألياس رمكو، رشيد حمو، يوسف ديبو وصلاح بدر الدين وهناك أسماء عديدة أخرى بلا شك، غادرت المعترك الحزبي بإرادتها أو نتيجة لظروف أمنية أو سياسية أو حزبية.
وإذا كان عبد الناصر قد عدل عن قراره في التنحي لأن المصريين خرجوا إلى الشوارع يهتفون بـ” اه اه لا تتنحى” ترى هل سيستجيب أحد هؤلاء السكاترة من قادة الأحزاب الكردية إذا هتف الشارع الكوردي بـ ” دي دي تنحى” بكل بساطة سيخرج ذلك السكرتير ببيان يوضح فيه كيف أن هذا الشارع الكردي مدفوش من قبل جهات أمنية وأنه مستهدف لأنه على وشك تأسيس المرجعية المنشودة أو أن القضية الكردية كانت تشارف على الحل في سوريا لولا ذلك السلوك (الطائش) للشارع الكردي.
لقد أعلن السيد أبو صابر ممثل حزب الوحدة تنحيه عن العمل الحزبي قبل أيام بسبب خطأ في ترجمة تصريحاته ورغم أن المجلة المسؤولة اعتذرت رسمياً في صفحاتها عن الخطأ الحاصل إلا أن اللغط الحاصل دفع بالرجل إلى الاستقالة من منصبه الحزبي في خطوة غير معهودة في المشهد الحزبي الكردي في سوريا، ليعطينا درساً صادقاً وحقيقياً حول الشعور الكبير بالمسؤولية الملقاة على عاتق أي حزبي مهما كانت صفته الحزبية.
وللحق فإن الرجل مقيم في إقليم كردستان حيث يتسابق الناس هنا على نيل صفة ممثل ولو لكومة حجارة طمعاً في ما قد تحصل عليه (ممثليته) والأصح تمثيليته الهزلية من مخصصات مالية ومعاشات شخصية أو غيرها من المنافع المادية والمعنوية، رغم هذا آثر الرجل الاستقالة وأعلنها للملأ على العكس من ممثل الحزب الديمقراطي التقدمي الذي اعتقلته قوات الاحتلال الأمريكي ولم ينبث هو ولا حزبه ببنت شفة وأشاعوا أن السبب هو قيادته لسيارة مسروقة وكأن ملف المرور وتنظيم السير أمر عائد لقوات الاحتلال وليس لشرطة المرور ووزارة الداخلية العراقية.
لقد أجهض أبو صابر كل الحملات التي كانت تخطط للنيل منه ومن تاريخه النضالي وأثبت للجميع جرأته وشجاعته على اتخاذ أصعب قرار قد يتخذه أي سياسي في العالم وهو الاستقالة الكاملة من المهام والمسؤولية الحزبية.
إن قرار التنحي عن المناصب لا يقدم عليه إلا كبار النفوس والذين مكنوا في الأرض من خلال نبل أخلاقهم وحسن سيرتهم وصلاح نضالاتهم وإن كان أبو صابر قد استقال من مهامه الحزبية فلا يسعنا حينها إلا تسجيل هذا الموقف له في ذاكرتنا الحزبية والنضالية وتقديم الشكر له على كل ما قدمه وسعى لتقديمه خلال مسيرته، وتذكيره بأن الحزبيون لهم استقالة لكن المناضلون لا يستقيلون أبدا، ومطالبة حزبه بإبداء الرأي علناً حول هذا الموقف وعدم اللجوء إلى التكتم وطمس الحدث والتعامل معه بطريقة الأنظمة الشمولية في التعاطي مع هكذا أحداث بحجة الانشغال في قضايا أهم، لتكون استقالة أبو صابر درساً حقيقياً في النضال التحزبي.
Qadri.qadri@live.com
من هنا يحق لنا طرح مسألة تنحي رموز وقادة هذه الحركة السياسية المتبلورة في عدد من الأحزاب السياسية وصوابية نهجهم في قيادة الحراك السياسي الكردي من عدمه.
ويذكر من الشخصيات التي تنحت عن العمل الحزبي بدايةً الدكتور نور الدين زازا، الحاج دهام ميرو، حميد سينو ، ألياس رمكو، رشيد حمو، يوسف ديبو وصلاح بدر الدين وهناك أسماء عديدة أخرى بلا شك، غادرت المعترك الحزبي بإرادتها أو نتيجة لظروف أمنية أو سياسية أو حزبية.
وإذا كان عبد الناصر قد عدل عن قراره في التنحي لأن المصريين خرجوا إلى الشوارع يهتفون بـ” اه اه لا تتنحى” ترى هل سيستجيب أحد هؤلاء السكاترة من قادة الأحزاب الكردية إذا هتف الشارع الكوردي بـ ” دي دي تنحى” بكل بساطة سيخرج ذلك السكرتير ببيان يوضح فيه كيف أن هذا الشارع الكردي مدفوش من قبل جهات أمنية وأنه مستهدف لأنه على وشك تأسيس المرجعية المنشودة أو أن القضية الكردية كانت تشارف على الحل في سوريا لولا ذلك السلوك (الطائش) للشارع الكردي.
لقد أعلن السيد أبو صابر ممثل حزب الوحدة تنحيه عن العمل الحزبي قبل أيام بسبب خطأ في ترجمة تصريحاته ورغم أن المجلة المسؤولة اعتذرت رسمياً في صفحاتها عن الخطأ الحاصل إلا أن اللغط الحاصل دفع بالرجل إلى الاستقالة من منصبه الحزبي في خطوة غير معهودة في المشهد الحزبي الكردي في سوريا، ليعطينا درساً صادقاً وحقيقياً حول الشعور الكبير بالمسؤولية الملقاة على عاتق أي حزبي مهما كانت صفته الحزبية.
وللحق فإن الرجل مقيم في إقليم كردستان حيث يتسابق الناس هنا على نيل صفة ممثل ولو لكومة حجارة طمعاً في ما قد تحصل عليه (ممثليته) والأصح تمثيليته الهزلية من مخصصات مالية ومعاشات شخصية أو غيرها من المنافع المادية والمعنوية، رغم هذا آثر الرجل الاستقالة وأعلنها للملأ على العكس من ممثل الحزب الديمقراطي التقدمي الذي اعتقلته قوات الاحتلال الأمريكي ولم ينبث هو ولا حزبه ببنت شفة وأشاعوا أن السبب هو قيادته لسيارة مسروقة وكأن ملف المرور وتنظيم السير أمر عائد لقوات الاحتلال وليس لشرطة المرور ووزارة الداخلية العراقية.
لقد أجهض أبو صابر كل الحملات التي كانت تخطط للنيل منه ومن تاريخه النضالي وأثبت للجميع جرأته وشجاعته على اتخاذ أصعب قرار قد يتخذه أي سياسي في العالم وهو الاستقالة الكاملة من المهام والمسؤولية الحزبية.
إن قرار التنحي عن المناصب لا يقدم عليه إلا كبار النفوس والذين مكنوا في الأرض من خلال نبل أخلاقهم وحسن سيرتهم وصلاح نضالاتهم وإن كان أبو صابر قد استقال من مهامه الحزبية فلا يسعنا حينها إلا تسجيل هذا الموقف له في ذاكرتنا الحزبية والنضالية وتقديم الشكر له على كل ما قدمه وسعى لتقديمه خلال مسيرته، وتذكيره بأن الحزبيون لهم استقالة لكن المناضلون لا يستقيلون أبدا، ومطالبة حزبه بإبداء الرأي علناً حول هذا الموقف وعدم اللجوء إلى التكتم وطمس الحدث والتعامل معه بطريقة الأنظمة الشمولية في التعاطي مع هكذا أحداث بحجة الانشغال في قضايا أهم، لتكون استقالة أبو صابر درساً حقيقياً في النضال التحزبي.
Qadri.qadri@live.com