دهام حسن
بداية علينا أن نعلم أن الأخلاق نتاج اجتماعي، تنبثق عن المجتمع، فتتمظهر على شكل قواعد وضوابط كرادع أدبي، يتعين على الفرد التقيد بها استجابة منه لمتطلبات هذا المجتمع..ومن خلال هذا التقديم، أو التعريف، بوسعنا أن نقول، إن الأخلاق كخصلة، ليست هبة من أحد، ولم يجد بها عقل مفكر، وليست مغروسة في الإنسان منذ الولادة، وغالبا ما، لا تملك الطابع المادي للردع، فضلا من أنها ليست شيئا ثابتا، فهي كما قلنا صناعة اجتماعية، فبتغير المجتمع لا بد للأخلاق أيضا أن تتغير، وتتلبس بلبوس جديدة، أو تختلف نظرة المجتمع في مقاربة الأخلاق بالتعريف، بين زمن وآخر…
باعتقادي ــ وهنا غاية المقال ــ إن الاعتماد على الجانب الأخلاقي وحده في اختيارنا للمسؤول الحزبي، أو الوظيفي غير كاف، بل أتجرأ وأقول بأنه حتى غير مجد..
إن الدراسات العلمية، أوضحت لنا من أن الإنسان بشكله المكون أو المتبلور، ليس إلا مجموعة من العلاقات الاجتماعية، وبتغير تلك العلاقات لا بد للإنسان نفسه أن يتغير، فمثلا إنسان أكمل تعليمه الأكاديمي، لم تتح له فرص العمل، فلزم بيته مضطرا..
ترى مثل هذا الإنسان كيف يعيش، وكيف يفكر، وبماذا.؟ ثم فجأة يبتسم له الحظ ، فيصبح مديرا لشركة ما، وأعطيت له من الصلاحيات والتسهيلات ما تجيز له الاغتناء المشروع، وحتى غير المشروع، لكن ضمن صلاحيات تمده بحيل شرعية وقانونية، فهل يتعفف.!؟ (والماء ينساب أمامي زلال)، كما يقول عمر الخيام في رباعياته، طالما ليس هناك من رقيب أو حسيب، وبالتالي، وما هو دور الأخلاق هنا.!؟
لا أعتقد إن الأخلاق ضابط وضامن لسلوك الفرد، ويمكن بالتالي الاكتفاء به والركون إليه، في اختيارنا أو خياراتنا، وهذا لا ينفي أبدا الوازع الأدبي الذي تملكه الأخلاق في الإنسان، وبما له من سلطة، لكن السلطة تبقى أدبية خلقية، فرغم التمايز بين بني البشر أساسا، وتمسك بعضهم بخصلة الأخلاق، لكن هذا غير كاف، ولن تكون رادعا للاكتفاء به، هذا إذا لم تتجسد تلك الضوابط بقوة مادية قادرة على إرغام المتنصل أو المتنكر لتلك الضوابط بالتقيد بها..
لا بد إذن من ضوابط تتحكم بكل هؤلاء، ويمتثل لها الجميع بلا استثناء، وهذه الضوابط تملك من القوة المادية ما تتيح لها فرض قوانينها على الجميع ، بحيث يمتثل لها الجميع دون استثناء ووفق شكل ما من الالتزام..
الإنسان كثيرا ما تحركه غرائزه باتجاه فرض هيمنته على الآخر، سواء أكان هذا الآخر مؤسسات حكومية، أو حزبا سياسيا أو قطاعا اجتماعيا، فإذا لم تكن هناك من قوة رادعة له، فهو لن يرتدع أخلاقيا، ولن يتورع عن الإيغال في الخطيئة، هذا، إذا لم يلجمه ضابط مادي رادع له، وقد اختبرنا ذلك في حياتنا الاجتماعية، وفي الواقع الاجتماعي حالات كثيرة، ففي كثير من مناطقنا الريفية حيث كان المالك يتمادى في إلحاق الأذى بفلاحي الريف بمختلف صنوف الإيذاء, ولم يكن ضميره يوما وازعا له يردعه، أو حتى يؤنبه، وإن بدا ذلك عند فرد ما، فيعد حالات خاصة استثنائية، لا تنفي القاعدة…
يحضرني هنا قول المرأة المسلمة التي نادت بوجه الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق : (والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا) ردا على قول الخليفة، بعد أن ولي أمر المسلمين..ــ إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.ـ ، أي أن لديها من القوة ما تمكنّها الجهر بهكذا قول، وبمثل هذا العنفوان، الذي تجسد بقوة ما دية رادعة، ومثل هذه القوة تمكّن الرعية من أن تجعل أولي الأمر من أن يستقيموا مختارين أو مرغمين، أي لن نسمح لأولي الأمر، ولن ندعهم أن يتصرفوا جريا وراء أهوائهم وكما يحلو لهم، بل سنكون لهم بالمرصاد، وسنحاسبهم، ولن نبقي العلاقة على التواكل، أو على الثقة فقط..
أما المثالية في التناول، فغير محبّذ وغير مجد ألبتة، كقولنا، فلان جيد، فليته شغل الموقع الفلاني، بديلا عن الفلان السيء..مثل هذا التفكير يفتقد للحجة والإقناع، وهو ضرب من التواكل، وإفراط في الثقة غير جائز، ولا يستند إلى أي أساس علمي، فلا بد إذن من ضوابط تقوّم العلاقات، عملا بقول الرسول الكريم في وجيز عبارته، عندما توجه إلى الأعرابي الذي أراد أن يدع راحلته تسرح دون ربط أو قيد، مستكفيا بالتوكل على الله، عندها قال له الرسول : أعقلها وتوكل على الله..
أبدا لا يجوز التناسي من أن الموقع السياسي قد يغري واحدنا، ويدفعنا بالتالي باتجاه الأنانية والذاتية المفرطة، أعرف أن قائدا حزبيا ظل في أمانة الحزب نحو ستة عقود, أي من المهد إلى اللحد، وهو في عجز صحي، بسبب كبر سنه وشيخوخته، يحول هذا دون قيامه بمهامه الحزبية بشكل مرض، فهل عجزت النساء أن يلدن مثل هؤلاء.؟ أم أن هؤلاء استغلوا الظروف غير الطبيعية في أحزابهم، وفي مجتمعاتهم، كالجهل والتخلف والعقلية القبلية، وسخّروا كل ذلك في خدمة ذواتهم المتورمة، بل خدمتهم مثل هذه العوامل أو العناصر لاستبقائهم في سدة القيادة الحزبية، لما تمتعوا من تأييد جاهلي، طائفي، وبطانة متخمة فاسدة، مستفيدة..
فلم تردعهم الأخلاق كضابط اجتماعي، بل العديد من هؤلاء القادة السياسيين، والحزبيين، كثيرا ما خرّبوا أحزابهم ليستمروا في موقعهم السامي، ولو على رأس بضعة أنفار، المهم أن يبقى الشخص الأول يتصدر الجميع على المنصة..
لا أريد أن أثقل على القارئ بالأمثلة، فالأمثلة لا يمكن عدها ولا حصرها..
أحد القادة الحزبين قال لمنافسه المحاور، هذا الكرسي لي، ولن أتخلى عنه، فإن استطعت فانتزعه مني، فإذن، أين فاعلية المبادئ والقيم والأخلاق والنظام الداخلي، كل هذه العناصر يفصلها بنو البشر على مقاسهم، وكثير منها يبقى حبرا على ورق، لا يترجم على صعيد الواقع، إلا إذا ما مالت كف من يتشبث بتلك المبادئ، وبالتالي ينجم عبر هذا الصراع ما يشبه التوازن في المصالح، ومن ثم التهادن، والتوافق على صيغ أخرى، يرتضي بها الأفرقاء المتخاصمون، وفق المعادلة الجديدة، التي تفرزها موازين القوى..
أحد الأمناء العامين عندما أحسّ أن القوى التي تطالبه بالتنحي قادرة على إزاحته شاء أم أبى، فتنحى، وتظاهر بأنه تنحى طوعا..وكان يصح فيه هذا القول : (مكره أخاك لا بطل)
ربما أحدنا يثير تساؤلات مشروعة، من أن هناك أناسا يلتزمون بالقواعد الأخلاقية دون ضغط أو إكراه..
أقول نعم، لكنهم قلة ولكل قاعدة استثناءات، فضلا من أنه رأي لا يمكن أن يسود ولا أن يعتد به، بل أكثر من ذلك فقد تجد عالما ثوريا، ينحدر من طبقة ثرية، وفي انعطافات تاريخية (يخون) طبقته..
مثل هؤلاء، ربما يراقبون حركة التاريخ، ويدركون مساره، ثم يناصرون المآل المفضي إليه السيرورة التاريخية، عندما يقرؤون حلول أوان أفول الطبقة المسيطرة، لتفسح الطريق أمام طبقة جديدة واعدة، فيناصرها هذا المراقب الثوري بالتالي بفكره..
في الأيديولوجية الألمانية يقول ماركس وإنجلز : (إن تبدل الشخص نفسه، يترافق في النشاط الثوري مع تحول الظروف) أي إن تغير الظروف ينجم عنه تبدل الشخص نفسه…
كثيرا ما تكلمنا عن الضوابط وكأنها أمر نتفق حول مفهومه أو تعريفه، أو كأنها شيء ملموس نتحسسه، وفي الحقيقة أنها غير ذلك، فترى كيف تتكون تلك الضوابط في الميدان السياسي أو الحزبي.؟ ومتى تصبح لها تلك القوة التي تفرض مفاهيمها على الآخرين.؟ بالحقيقة، لا تظهر تلك الضوابط إلا في ميدان الصراع، أي بين الأفرقاء المتنازعين، أو فلنقل هنا صراع الأضداد، استئناسا بالديالكتيك إن صح التعبير؛ أي أن تلك الضوابط والقواعد وليدة الصراع، فالذي يمتلك القوة يهيمن ويفرض أجندته على الآخر، رغم الغبن الذي يحسه هذا الآخر، وفي مرحلة لاحقة تتوازن القوى لدرجة ما، ويشعر ذلك القوي أنه صار يفقد سطوته تدريجيا، رغم إحساسه بأن الحق غير مما كان يفرضه على الآخر، وعبر هذا الصراع، وبعد أن تتعادل نسبيا موازين القوى، ولم يعد للهيمنة الفردية أساس مادي، ويستمر مثل هذا التوازن في رجحان وثبات لن يتوقف، وخلال هذا يتثقف الناس، وتعود العنوة والاضطهاد من الماضي غير محبذين، ولم يعد الناس يسكتون عن الخطأ، بل صاروا يدعون إلى محاسبة المسيء، لتتحول تلك الضوابط بعد تهذيبها إلى قوانين وشرائع لها النفوذ الأدبي والقانوني لدى الناس بمختلف أطيافهم، وتملك بالتالي من القوة المادية، مما يجعل الجميع يرضخ لها، وربما ارتضى بها الجميع عن قناعة بعد تقبّل وتفهّم، عند مضي فترة من القسر والإرغام، عندها تأخذ تلك الضوابط طريقها إلى التنفيذ، كقواعد يتفهمها الناس، ويتقبلها الجميع، رغبوا أم لم يرغبوا، لأن تجاوز ما اتفق عليه، يعرض صاحبه إلى تحمل المسؤولية والمحاسبة، وتشكل تلك الضوابط بالتالي إطارا محددا من العلاقات المتطورة إنسانيا يتفهمها الجميع، وتسري على الجميع، كقانون ملزم، وهي سوف تتهذب أكثر بمضي الأيام، فالناس يضفون عليها من تجاربهم ما هو أفضل وأكثر اتساقا مع الظرف المتجدد أبدا.
· نقلا عن منبر الحرية بشيء من
إن الدراسات العلمية، أوضحت لنا من أن الإنسان بشكله المكون أو المتبلور، ليس إلا مجموعة من العلاقات الاجتماعية، وبتغير تلك العلاقات لا بد للإنسان نفسه أن يتغير، فمثلا إنسان أكمل تعليمه الأكاديمي، لم تتح له فرص العمل، فلزم بيته مضطرا..
ترى مثل هذا الإنسان كيف يعيش، وكيف يفكر، وبماذا.؟ ثم فجأة يبتسم له الحظ ، فيصبح مديرا لشركة ما، وأعطيت له من الصلاحيات والتسهيلات ما تجيز له الاغتناء المشروع، وحتى غير المشروع، لكن ضمن صلاحيات تمده بحيل شرعية وقانونية، فهل يتعفف.!؟ (والماء ينساب أمامي زلال)، كما يقول عمر الخيام في رباعياته، طالما ليس هناك من رقيب أو حسيب، وبالتالي، وما هو دور الأخلاق هنا.!؟
لا أعتقد إن الأخلاق ضابط وضامن لسلوك الفرد، ويمكن بالتالي الاكتفاء به والركون إليه، في اختيارنا أو خياراتنا، وهذا لا ينفي أبدا الوازع الأدبي الذي تملكه الأخلاق في الإنسان، وبما له من سلطة، لكن السلطة تبقى أدبية خلقية، فرغم التمايز بين بني البشر أساسا، وتمسك بعضهم بخصلة الأخلاق، لكن هذا غير كاف، ولن تكون رادعا للاكتفاء به، هذا إذا لم تتجسد تلك الضوابط بقوة مادية قادرة على إرغام المتنصل أو المتنكر لتلك الضوابط بالتقيد بها..
لا بد إذن من ضوابط تتحكم بكل هؤلاء، ويمتثل لها الجميع بلا استثناء، وهذه الضوابط تملك من القوة المادية ما تتيح لها فرض قوانينها على الجميع ، بحيث يمتثل لها الجميع دون استثناء ووفق شكل ما من الالتزام..
الإنسان كثيرا ما تحركه غرائزه باتجاه فرض هيمنته على الآخر، سواء أكان هذا الآخر مؤسسات حكومية، أو حزبا سياسيا أو قطاعا اجتماعيا، فإذا لم تكن هناك من قوة رادعة له، فهو لن يرتدع أخلاقيا، ولن يتورع عن الإيغال في الخطيئة، هذا، إذا لم يلجمه ضابط مادي رادع له، وقد اختبرنا ذلك في حياتنا الاجتماعية، وفي الواقع الاجتماعي حالات كثيرة، ففي كثير من مناطقنا الريفية حيث كان المالك يتمادى في إلحاق الأذى بفلاحي الريف بمختلف صنوف الإيذاء, ولم يكن ضميره يوما وازعا له يردعه، أو حتى يؤنبه، وإن بدا ذلك عند فرد ما، فيعد حالات خاصة استثنائية، لا تنفي القاعدة…
يحضرني هنا قول المرأة المسلمة التي نادت بوجه الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق : (والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا) ردا على قول الخليفة، بعد أن ولي أمر المسلمين..ــ إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.ـ ، أي أن لديها من القوة ما تمكنّها الجهر بهكذا قول، وبمثل هذا العنفوان، الذي تجسد بقوة ما دية رادعة، ومثل هذه القوة تمكّن الرعية من أن تجعل أولي الأمر من أن يستقيموا مختارين أو مرغمين، أي لن نسمح لأولي الأمر، ولن ندعهم أن يتصرفوا جريا وراء أهوائهم وكما يحلو لهم، بل سنكون لهم بالمرصاد، وسنحاسبهم، ولن نبقي العلاقة على التواكل، أو على الثقة فقط..
أما المثالية في التناول، فغير محبّذ وغير مجد ألبتة، كقولنا، فلان جيد، فليته شغل الموقع الفلاني، بديلا عن الفلان السيء..مثل هذا التفكير يفتقد للحجة والإقناع، وهو ضرب من التواكل، وإفراط في الثقة غير جائز، ولا يستند إلى أي أساس علمي، فلا بد إذن من ضوابط تقوّم العلاقات، عملا بقول الرسول الكريم في وجيز عبارته، عندما توجه إلى الأعرابي الذي أراد أن يدع راحلته تسرح دون ربط أو قيد، مستكفيا بالتوكل على الله، عندها قال له الرسول : أعقلها وتوكل على الله..
أبدا لا يجوز التناسي من أن الموقع السياسي قد يغري واحدنا، ويدفعنا بالتالي باتجاه الأنانية والذاتية المفرطة، أعرف أن قائدا حزبيا ظل في أمانة الحزب نحو ستة عقود, أي من المهد إلى اللحد، وهو في عجز صحي، بسبب كبر سنه وشيخوخته، يحول هذا دون قيامه بمهامه الحزبية بشكل مرض، فهل عجزت النساء أن يلدن مثل هؤلاء.؟ أم أن هؤلاء استغلوا الظروف غير الطبيعية في أحزابهم، وفي مجتمعاتهم، كالجهل والتخلف والعقلية القبلية، وسخّروا كل ذلك في خدمة ذواتهم المتورمة، بل خدمتهم مثل هذه العوامل أو العناصر لاستبقائهم في سدة القيادة الحزبية، لما تمتعوا من تأييد جاهلي، طائفي، وبطانة متخمة فاسدة، مستفيدة..
فلم تردعهم الأخلاق كضابط اجتماعي، بل العديد من هؤلاء القادة السياسيين، والحزبيين، كثيرا ما خرّبوا أحزابهم ليستمروا في موقعهم السامي، ولو على رأس بضعة أنفار، المهم أن يبقى الشخص الأول يتصدر الجميع على المنصة..
لا أريد أن أثقل على القارئ بالأمثلة، فالأمثلة لا يمكن عدها ولا حصرها..
أحد القادة الحزبين قال لمنافسه المحاور، هذا الكرسي لي، ولن أتخلى عنه، فإن استطعت فانتزعه مني، فإذن، أين فاعلية المبادئ والقيم والأخلاق والنظام الداخلي، كل هذه العناصر يفصلها بنو البشر على مقاسهم، وكثير منها يبقى حبرا على ورق، لا يترجم على صعيد الواقع، إلا إذا ما مالت كف من يتشبث بتلك المبادئ، وبالتالي ينجم عبر هذا الصراع ما يشبه التوازن في المصالح، ومن ثم التهادن، والتوافق على صيغ أخرى، يرتضي بها الأفرقاء المتخاصمون، وفق المعادلة الجديدة، التي تفرزها موازين القوى..
أحد الأمناء العامين عندما أحسّ أن القوى التي تطالبه بالتنحي قادرة على إزاحته شاء أم أبى، فتنحى، وتظاهر بأنه تنحى طوعا..وكان يصح فيه هذا القول : (مكره أخاك لا بطل)
ربما أحدنا يثير تساؤلات مشروعة، من أن هناك أناسا يلتزمون بالقواعد الأخلاقية دون ضغط أو إكراه..
أقول نعم، لكنهم قلة ولكل قاعدة استثناءات، فضلا من أنه رأي لا يمكن أن يسود ولا أن يعتد به، بل أكثر من ذلك فقد تجد عالما ثوريا، ينحدر من طبقة ثرية، وفي انعطافات تاريخية (يخون) طبقته..
مثل هؤلاء، ربما يراقبون حركة التاريخ، ويدركون مساره، ثم يناصرون المآل المفضي إليه السيرورة التاريخية، عندما يقرؤون حلول أوان أفول الطبقة المسيطرة، لتفسح الطريق أمام طبقة جديدة واعدة، فيناصرها هذا المراقب الثوري بالتالي بفكره..
في الأيديولوجية الألمانية يقول ماركس وإنجلز : (إن تبدل الشخص نفسه، يترافق في النشاط الثوري مع تحول الظروف) أي إن تغير الظروف ينجم عنه تبدل الشخص نفسه…
كثيرا ما تكلمنا عن الضوابط وكأنها أمر نتفق حول مفهومه أو تعريفه، أو كأنها شيء ملموس نتحسسه، وفي الحقيقة أنها غير ذلك، فترى كيف تتكون تلك الضوابط في الميدان السياسي أو الحزبي.؟ ومتى تصبح لها تلك القوة التي تفرض مفاهيمها على الآخرين.؟ بالحقيقة، لا تظهر تلك الضوابط إلا في ميدان الصراع، أي بين الأفرقاء المتنازعين، أو فلنقل هنا صراع الأضداد، استئناسا بالديالكتيك إن صح التعبير؛ أي أن تلك الضوابط والقواعد وليدة الصراع، فالذي يمتلك القوة يهيمن ويفرض أجندته على الآخر، رغم الغبن الذي يحسه هذا الآخر، وفي مرحلة لاحقة تتوازن القوى لدرجة ما، ويشعر ذلك القوي أنه صار يفقد سطوته تدريجيا، رغم إحساسه بأن الحق غير مما كان يفرضه على الآخر، وعبر هذا الصراع، وبعد أن تتعادل نسبيا موازين القوى، ولم يعد للهيمنة الفردية أساس مادي، ويستمر مثل هذا التوازن في رجحان وثبات لن يتوقف، وخلال هذا يتثقف الناس، وتعود العنوة والاضطهاد من الماضي غير محبذين، ولم يعد الناس يسكتون عن الخطأ، بل صاروا يدعون إلى محاسبة المسيء، لتتحول تلك الضوابط بعد تهذيبها إلى قوانين وشرائع لها النفوذ الأدبي والقانوني لدى الناس بمختلف أطيافهم، وتملك بالتالي من القوة المادية، مما يجعل الجميع يرضخ لها، وربما ارتضى بها الجميع عن قناعة بعد تقبّل وتفهّم، عند مضي فترة من القسر والإرغام، عندها تأخذ تلك الضوابط طريقها إلى التنفيذ، كقواعد يتفهمها الناس، ويتقبلها الجميع، رغبوا أم لم يرغبوا، لأن تجاوز ما اتفق عليه، يعرض صاحبه إلى تحمل المسؤولية والمحاسبة، وتشكل تلك الضوابط بالتالي إطارا محددا من العلاقات المتطورة إنسانيا يتفهمها الجميع، وتسري على الجميع، كقانون ملزم، وهي سوف تتهذب أكثر بمضي الأيام، فالناس يضفون عليها من تجاربهم ما هو أفضل وأكثر اتساقا مع الظرف المتجدد أبدا.
· نقلا عن منبر الحرية بشيء من
التصرف من الكاتب..