بدأت بوادر الصراع الفكري، والنقاشات العقيمة تطفوا الى السطح لدى المجتمع الكردي عامة بعد عملية ضرب روج ت ف، وتكالبت التهم من الإخوة قبل الأعداء ، وهذا مايؤسف له، ويحز في القلب، وكلنا نعلم إن دساتير الدول (التي تحمل على أكتافها الحضارة العالمية، التكنلوجية والثقافية معاً) تكاد تخلى من أية قوانين تحد من حرية الرأي والفكر، وتخلى من أية آثار عنصرية، عرقية أو دينية، وتفصل بشكل واضح وقوي بين السلطات الثلاث التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ولن تستطيع أية سلطة من هذه السلطات أن تتجاوز حدودها بسهولة ويسر، إلا إذا كانت هناك قوى أعظم منها، لها من الهيمنة على التجاوز دون أن تتأثر، عندها سنرى مثل هذه الخروقات الفاضحة للبنود الراسخة في الدساتير الديمقراطية لهذه الدول، منها البند الذي لا نقاش عليه والمتعلق بحرية الصحافة، أي كانت أتجاهاتها ، التجاوز يحدث فقط في حالة الحروب، فعلى سبيل المثال، يحتوي الدستور الأمريكي على بند هام جداً من مجموعة البنود العشرة الأوائل، البنود التي دونت بعد حصولها على أستقلالها مباشرة، وهو البند رقم واحد وكتب في 25من سبتمبر عام 1789، ولايزال يقدس، وهو حرية أختيار الدين أو المعتقد أي كان، حرية الكلمة والنقاش وإبداء الرأي والإعلام بكل أنواعه، حرية تأسيس المنظمات السلمية، حرية تقديم الإعتراضات أو الإلتماسات أو الطلبات …، هذا البند الذي لاتتجرأ أية جهة خرقه ولا حتى النقاش حوله من قبل أية سلطة، …ولا أظن بإن دساتير الدول الأوروبية تخلى من بند مثل هذا وبهذه القوة؟ رغم ذلك وعندما تقوم مجموعة من السلطة التنفيذية التابعة للدولة البلجيكية الحالية، المنتخبة، وبأمر من جهة مخفية، الحصول على مذكرة من محكمة استثنائية، ربما جانبية، تنوب عن السلطة القضائية، تسمح لهم بالبحث والتفتيش والإغلاق لمراكز إعلامية، دون محاكمة أو تنبيه مسبق للجهة المعنية، كل هذا يجبرنا على التعمق في البحث والتفكيرمعاً، ويرسخ من إعتقادنا، بإنه هناك قوى خفية أكبر من الحكومة البلجيكية الحالية وراء هذه التجاوزات، تجبرهذه الحكومة للرضوخ وذلك لإسباب واضحة للقيام بمثل هذه العمليات.
صراعنا وكلماتنا (التي يعتبرها البعض شديدة اللهجة ولا تلائم الحضارة الأوروبية) ليست موجهة للشعب البلجيكي أو ضده ولا إلى دستوره وقوانينه ولا إلى السلطتين التشريعية والقضائية ولا إلى جهات وأحزاب بلجيكية تحترم المبادئ الديمقراطية في المساواة والعدالة وأحترام حقوق الإنسان، هذه المبادئ التي كنا كشعب كردي نحلم بها في الأوطان التي هجرناها أو أجبرنا على الهجرة منها، إلا إن هذه الأحزاب والقوى من الشعب البلجيكي سوف تتأثر من قريب أو بعيد بمثل هذه الخروقات، أنها تحصل في دولتهم، من المحتمل أن يدخل هذا الخرق إلى دار أي مواطن بلجيكي، لذا ليس ببعيد أن تناقش هذه القضية في زوايا بيوتهم وضمن هيئات إعلامية وربما سياسية في بلجيكا ودول أوروبية اخرى.
عندما نطالب الدولة البلجيكية بالعدل والإنصاف، ونهاجم سلطتها التنفيذية لخروقاتها لمبادئ دستورها الديمقراطي، لا نخلق صراع بين الشعب البلجيكي والشعب الكردي، علينا أن ندرك ونتفهم السوية الثقافية العالية التي وصلت إليها شعوب أوروبا عامة من الوعي والإدراك وتحليل الأمور إن كانت سياسية أواجتماعية أو غيرها، لو كانت هذه في الشرق الأوسط لإقتنعنا بواقعية الفكرة، وأدركنا إن مثل هذه الكلمات الإستنكارية ستحدث شرخاً بين الشعبين، إلا إننا نتكلم ونناقش قضية ليست في الشرق الأوسط، إنها في إحدى مراكز حضارة الإنسان الأوروبي، الذي يتفهم النقد والنقاش والدفاع عن المبادئ حتى ولو كانت خارج نطاق مفاهيمه، لا يتقبل الخطأ حتى لو كان من دولته ، أليس هو الذي يقف بالمرصاد لسياسات حكوماته في حروبها الخارجية، معظمها دفاعاً عن الشعوب الضعيفة، شعوب العالم الثالث، ولنستطيع فهم هذه السوية لدى الأوروبي، علينا أن نتمعن عن مدى تحملهم، ولو على مضض أحياناً، لهذا الكم الهائل من المهاجرين، وتصديقهم لمعظم ما نقوله، هل ياترى تستطيع شعوب الشرق الأوسط تحمل جزء بسيط مما يتحملونه؟ مع ذلك فإن معظم المنظمات الإنسانية والمدافعة عن حقوق الإنسان خلقها ذلك الإنسان الأوروبي، لهذا، فالوقوف بقوة وبمنطق في وجه مثل هذه الخروقات الجارية ضد الكلمة والصوت الكردي الذي يطالب بالحرية والعدالة، لن يخلق حالة من البغضاء الذي تتوجسه بعض القوى الكردية، أو ربما تتدعي ذلك، لتبرير سبب صمتها تجاه هذه الهجمة المسعورة على الإعلام الذي أعتبره صوتاً كردياً وبإمتياز قبل أن يكون صوتاً لمنظومة المجتمع الكردستاني.
جميع الإعلام العالمي والكردي خاصة، يحتوي من البرامج والطروحات التي لا نتفق معها، و قد نكون ضدها فكرياً، ومنها التي تؤذي السمع بمنطقها، وبعضها الآخر التي لا نستطيع الإنزياح عنه، أنه إعلام، يود عادة شمل جميع شرائح المجتمع وجلب إنتباهه، وهكذا كانت روج ت ف، لكن مهما كان منطقها ومناهجها، سأكرر مقولتي، فهو إعلام كردي وبإمتياز، كما إنها تخطت حدود اللغة الكردية واستطاعت وبقوة أن تحتضن معظم لغات الشرق الأوسط وفعالياتهم، كما تجاوزتهم إلى اللغات الأوربية أيضاً، هل هناك مركز إعلامي آخر في الشرق له مثل هذا التأثير على الساحة الكردية؟ ألا يحق للكردي الدفاع عن إعلامه؟ في الوقت الذي كنا حتى البارحة نرفع أيادينا إلى الخالق ليخلق للكرد إذاعة أو تلفاز، وها نحن نقف في صمت مقيت أمام هذه الهجمة الأبعد من الطورانية.
القضية ليست قضية منظومة المجتمع الكرستاني، أو ب ك ك، ومحاولات إسكاتهم أو القضاء عليهم، كما ذكرت إنها هجمة موجهة إلى الشعب الكردي عامة، وهؤلاء هم القوة الأضخم على الساحة الكردستانية التي تطالب بحقوق أمة، سلبت الحرية منها منذ قرون، ولا أحد يعترف، كم من المرات أحضرت هذا المثال ، موقع كميا كردا ، الذي أصبح يخترق مرات عديدة ولاتزال سوريا تحجبه في الداخل وبقوة، وتحاول تدميره بشتى الوسائل، هل هو من منظومة المجتمع الكردستاني؟ أم إنه إعلام كردي ديمقراطي حتى العمق، ولذلك يحارب وبدون هوادة، لذا يجب أن ندرك إن الهجوم ليس على إعلام ب ك ك، بل على معظم الإعلام الكردي الذي له تأثير على الساحة السياسية الشرق الأوسطية أولاً والأوروبية ثانية، لهذا ومن خلال المنطق الإنساني عامة والكردي خاصة، لا يوجد أي تبرير لهذا الصمت من معظم القوى الكردية وفي الجهات الأربعة والمتواجدة منهم على الساحة الأوروبية والأمريكية، كم هو مؤلم قبل أن يكون مخزياً, هذا التشتت الكردي.
لا زلنا نفتخر ونعتز، نحن الشعب الكردي، بالوقفة الجماعية التي وقفناه يوم حدثت الهجمة الدولية المشتركة لألقاء القبض على احد قادة الكرد عبدالله أوجلان، وكم رفعت من شأن القوة الكردية في أعين الإعلام العالمي وعلى الساحة السياسية الدولية، تلك الإنتفاضة التي فجرت الثقة الكردية بنفسها ثانية، علماً بإن الكثيرين الذين شاركوا كانوا من مخاصمي ب ك ك وأفكار السيد أوجلان، إلا إنها كانت إنتفاضة كردية بحتة، في وجه المؤامرة الدولية الداعمة للفاشية الطورانية.
ولنا مثال آخر ساطع، ليس ببعيد، إنتفاضة آذار في القسم الغربي من كوردستان، ألم تخلق لدى الكردي بل وحتى لدى المعارضة العربية عزاً وكرامة ، ومن ثم هيبة لدى السلطة الدكتاتورية أيضاً.
المثقف الكردي الذي لايزال في صمته، والآخر الذي لايزال يلقي على نفسه سؤال بعد آخر عن أسباب هذه الهجمة، وهناك الذي يردد الشائعات التي روجتها تلك القوة المهاجمة والمخترقة لقوانين دستورها، أو الشائعات التي بثتها القوى الطورانية والبعثية ونظام الملالي، ورددها للأسف بعض الكرد من على ساحات بعض الإعلام الكردي، والتي لا أود أن اذكرها، لمدى دونية هذه الشائعات، والتي أخجل حتى من ذكرها أو دحضها.
كما إن البعض يعتبر هذه الكلمات الإستنكارية خالية من المنطق الديمقراطي، وتحوي على المفاهيم المتدنية المستوردة من نوعية الصراع الذي يجري عادة في ساحات الدول التي تقتسم كردستان، وهنا لا أعرف المنطق والإسلوب الذي يجب أن نجابه به هذه القوى، التي هي نفسها قد خرقت قوانينها وبنود دستورها وبنود دساتير هيئات حقوق الإنسان، أرجو من الإخوة توجيهي أن كنت لا أرى.
لكنني متأكد بإنه، أي كانت نوعية الأساليب التي تستعمل والشعارات أو الكلمات التي تستخدم في وقف هذه الهجمة، أفضل من الصمت الذي نشاهده لدى مثقفينا، هذا الصمت الذي يتمناه أعداء الكرد،
لا داعي لأن تتفق مع برامج تلفزيون روج، ولنبقى على خلافات فكرية ولنناقش على سوية عالية تناقضاتنا المنهجية بيننا، لكن لنقف معاً ضد أعداء لا يعرفون معناً للإنسانية وحقوق الأمم، وأكرر هنا ثانية، بإنني لا أقصد الشعب البلجيكي والقوى والأحزاب التي ذكرتها سابقاً.
أين الإعلام الكردي؟… وهنا سوف ندخل متاهات أروقة متشعبة نبحث فيها عن اسباب هذا التعتيم، والذي لا داعي لها الأن ، لكن مختصراً إنه صمت وتعتيم لا يرفع من قدرة الإنسان الكردي بقدر ما ينزل من هيبته، أمام العدو أولاً وعلى الساحة السياسية العالمية ثانياً.
الولايات المتحدة الأمريكية