سوريا بين المنعطف الداخلي والسياسة الخارجية

  صوت الكورد *

مما لا شك فيه أن أي انفتاح نحو الخارج, وأي تعزيز لموقف كسر الطوق, والخروج من حالة الوهن والعزلة والحصار عربيا ودوليا, وهو ما تحقق في الآونة الأخير رغم الثغرات والتلكؤات وهو ما ينبغي الوقوف عليه, وتملي أبعاده, وإعطائه البعد الحيوي الذي يستحقه في أي تحرك خارجي, ينحو إلى تحرك دبلوماسي نشط, ويخدم السياسة الخارجية في سوريا, وتتحقق بذلك المصالح الوطنية والمكاسب المطلوبة, بفك طوق العزلة, وهو ما يدعو إلى تحقيق توازن أكبر في السياسة الداخلية التي لا تقل أهمية عن التوجه الخارجي, بل تعد الركيزة الكبرى في الإصلاح والبناء, وقاعدة أساسية للازدهار والتقدم, وتحقيق المكاسب, والانتشال من حالة الترهل والبطالة والركود الاقتصادي, وحالة الفقر والدوافع المذهلة إلى الهجرة الداخلية والخارجية, في نزيف متواصل ومستمر للطاقات الشابة والعقول العلمية, والموارد البشرية والمالية.
ومن أجل ذلك كان لابد من تقوية جناحي التوازن , ومدهما بالطاقة والحيوية والقدرة على التحرك , كما كان لا بد من تحفيز الهمم والطاقات والموارد والإمكانات , ووضع الخطط والبرامج المطلوبة , لتحسين وترتيب هذه الحالة , وبخاصة ما يتعلق بالفساد المستشري , ومظاهره وآثاره الخطية إداريا واقتصاديا , وما يلعبه من ركود وتراجع في الأداء , وخطورة في مشاريع التنمية والتطوير , وتحديث الأداء ورفع سويته والارتقاء به إلى المعايير المطلوبة , والخروج من حالة تكبيل الاقتصاد الوطني , ووضع قيم وموازين تحقق الانطلاقة العلمية والمدروسة , وفق معايير أدائية تقترب من النظم والمقاييس والمواصفات الدولية , بما يحرر النطق الاقتصادية , ويضع معايير الكفاءة والاقتدار وحسن الإدارة والتوجيه في سلم الأولويات , لتكون الانطلاقة نحو تحقيق التوازن مبنية على أسس سليمة , وقادرة على التكيف , وحسن الأداء , والانطلاق غير المقيد إلا بمناهج وخطط وبرامج العمل , تحت دائرة الاختصاص , وضروراته الوظيفية , وقيمه المدروسة بعناية , بعيدا عن التكبيل والتعويق والتعطيل , مهما كانت المبررات .


ومن هنا كانت الحاجة ماسة أيضا إلى جملة من القوانين ومشاريع القوانين التي من شأنها أن تقوم وترشد وتنظم الواقع التعددي تكوينا واجتماعا واقتصادا , ومراجعة لجملة مشاريع وقوانين , وعلى رأس قوانين الطوارئ والأحكام العرفية , والتدابير والقوانين المعيقة , والمعرقلة لقيم التكافؤ والمواطنة الحقة , وما يتعلق بالحريات العامة وحرية التعبير والتنقل والملكية والتجمع والاحتشاد والاعتراض, وتشكيل الجمعيات والنوادي والأحزاب , ووضع سياسة عملية متوازنة , تتماشى مع ما يتحقق من انفراج خارجي , وانفتاح عليه , ينبغي أن يقابل انفتاحا على الداخل , واهتماما جديا وعمليا , بحياة المواطن السوري , وحريته ورفاهه وازدهار وتطور معالم هذه الحياة , في مختلف جوانب ومكونات النسيج السوري وأطيافه واتجاهاته , تحيقا لقيم ومعايير حياة عصرية رغيدة ومتكافئة مع طموحات وآمال الشعب , بعيدا عن معاناته وبؤسه  وحالات التردي والبطالة والفقر والهجرة والتمييز بين شرائحه ومكوناته , مما لم يعد يليق بمجتمع يشهد تطورات هائلة في القرن الواحد والعشرين في مختلف لأنحاء العالم, ليكون المشهد الداخلي متوازنا ومتكاملا , وداعيا إلى تحقيق النقلة المطلوبة والملحة , باتجاه أي تحرك خارجي ولو كان محدودا , بانتظار تحقيق طموحات الشعب وآماله العريضة مع حالة الحرمان الطارئة التي يحياها ويعاني آثارها , ولا يتوانى في ظل حركته الوطنية في طرح معايير التغيير والتطوير الملحة.

* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا / العدد (346) شباط 2010

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…