حول خلفيّات قرار حظر حزب المجتمع الديمقراطي الكردي «DTP» في تركيا

  اسطنبول _ هوشنك أوسي

كل المؤشّرات الداخليّة والإقليميّة والدوليّة كانت تشير إلى ذلك.

فمنذ انتخابات تموز 2007 البرلمانيّة في تركيا، حقق حزب المجتمع الديمقراطي DTP فوزاً معقولاً، بحصوله على 21 معقد في البرلمان التركي.

ولعلّ غلاله من المقاعد، كانت أكثر، لولا حاجز الـ10 بالمئة من إجمالي عدد الأصوات المقترعة على مستوى تركيا، الذي وقف حائلاً دون تحقيق ذلك.

ما أجبر مرشّحي الحزب الكردي على دخول هذه الانتخابات على انّهم مستقلّين.

وهنا، تنبّهت أحزاب الدولة التركيّة، ومراكز القوى التقليديّة في الدولة، وأقطاب ما يسمّى بـ”الدولة الخفيّة” في تركيا
 أنّ حزب المجتمع الديمقراطي، ومن ورائه حزب العمال الكردستاني، جادّون على الخيار السلمي الديمقراطي، وأنّ الاصداء السياسيّة لبنادق الثوّار الأكراد، صارت في قلب أنقرة، وضمن البرلمان التركي!.

وعليه، لو كان أردوغان ذو نوايا حقيقيّة وصميميّة في حلّ القضيّة الكرديّة، ولا يتحرّك في هذا السياق بلؤم وخبث، لكان جلس مع زملائه من نوّاب الحزب الكردي، على اعتبار أنّهم من ثمار اللعبة الديمقراطيّة في تركيا.

وأنّهم سياسيون وليسوا مقاتلين.

لكن أردوغان، “الإسلامي المعتدل”، لم يجالس زملاءه الأكراد، النوّاب في حزب المجتمع الديمقراطي، إلاّ بعد زيارة أوباما لتركيا، ولقائه بزعيم الحزب الكردي.

ويبدو أن موافقة أردوغان على اللقاء بأحمد تورك، كان لذرّ الرماد في العيون، ولتخفيف الضغط الأورو_أمريكي في هذا السياق.

ولقد حقق حزب المجتمع الديمقراطي، ومن خلفه حزب العمال الكردستاني، نجاحات، لا تخطر على البال، في انتخابات 2007 البرلمانيّة، سيكشف عنها التاريخ، في السنين المقبلة، وأقلَّها، إيصال 8 نساء إلى البرلمان.

وهذا ما لم يحققه أي حزب تركي في تاريخ الجمهوريّة التركيّة.

وإحدى هذه النسوة، هي البرلمانيّة، “صباحت تونجل” التي أتى بها الكردستاني من السجن الى البرلمان.

حيث كانت تونجل معتقلة على خلفيّة سياسيّة.

وهذا مؤشّر على تحطيم العمال الكردستاني لوثن الدولة _ الأمّة في تركيا.

ليس هذا وحسب، بل أن تونجل، ونظراً لصِغَر سنِّها، جعلها هي التي تفتتح الجلسة الأولى للبرلمان إلى جانب أكبر الاعضاء سنّاً!.

وهنا، ثار وفار وهاج وماج، العنصريون الاتراك، من اسلاميين وعلمانيين، إذ رأوا فتاة كرديّة، ومعتقلة سياسيّة، تفتتح جلستهم!!.

هذه الحادثة، تلخّص ما فعله أوجالان في كيان الدولة التركيّة من خلخلة واختراق، وما سيفعله لاحقاً.


وأتت الانتخابات المحليّة في تركيا، يوم 29/3/2009.

ورغم استثمار أردوغان للدين، وتوزيعه للمواد التموينيّة على الاحياء الفقيرة في المناطق الكرديّة في جنوب شرق تركيا، ورغم تصويت الاحزاب القوميّة، والجيش والموظفين في المؤسسات الأمنيّة والخدميّة لحزب اردوغان في المناطق الكرديّة، ورغم ضغوط الجيش على المدنيين الاكراد كي لا يصوّتوا للحزب الكردي…، رغم كل ما سلف، تلقّى أردوغان صفعة قويّة من الحزب الكردي DTP.

وحيث زاد الاخير أصواته، وعدد البلديّات التي كان يسيطر عليها من 56 الى 99 بلديّة.

وأخذ من حزب أردوغان بلديات ثلاثة محافظات، هي “سيرت”، )التي ينوب أردوغان عنها في البرلمان، وهي مدينة زوجته امينة(، ومحافظة “وان” ومحافظة “باطمان”.

 وهنا أيضاً، تنبّه أردوغان لخطورة موقفه، إذ لم يعتبر حزبي الشعب الجمهوري CHP والحركة القوميّة MHP خصمين له، بقدر ما اعتبر حزب المجتمع الديمقراطي عدوّاً لدوداً له.

وتحسُّباً للآتي، وكنوع من التلاعب والخداع، أطلق فقّاعة صابون، سمّاها “الانفتاح على الاكراد”.

وتجاوب الحزب الكردي في تركيا مع هذا الامر، وتجاوب حزب العمال الكردستاني ايضاً.

وأبدى الجانب الكردي، كل ما يعق على عاتقه من حساسيّة ومسؤوليّة، وبوادر حسن نيّة، لربما يكون أردوغان صادقاً، بغية إفساح المجال أمامه.

لكنّ، تبيّن للعمال الكردستاني، بأنّه تعرَّض لخدعة سينمائيّة من خدع الاتراك مجدداً.

حتّى أن العمال الكردستاني، أعلن هدنة، وأرسل مجموعتي سلام من جيال قنديل ومن مخيّم مخمور إلى تركيا.

لكن لم ينفع ذلك بشيء، سوى انكشاف الوجه الحقيقي للحكومة التركيّة.
كان ولا زال، بعض المنبهرين بأردوغان، يطبِّلون ويزمِّرون ويسوّقون له، بخاصّة فريق جلال طالباني، الرئيس العراقي، وزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني!.

يمدحون اردوغان، ويزيدون تشويهاً لحزب العمال وزعيمه أوجالان!.

يتحدّثون عن ضرورة أن يذهب حزب العمال والقضيّة الكرديّة في تركيا الى الجحيم، حفاظاً على مصالح قادة كردستان العراق!.

وإلى ذلك، ما كتبه، كامران قره داغي، المستشار الاعلامي السابق لطالباني، والمسؤول عن إذاعة كانت تبثّ من براغ، على نفقة الـCİA!.

فقد كتب هذا العقلاني البراغماتي، وهو من أبرز أبواق طالباني، ومن مقتنياته الصحفيّة، كتب في صحيفة “الحياة” اللندنيّة، كلاما،ً يخجل الكتّاب المتطرّفون الاتراك كتابته.

لكن، المسألة لا تتوقّف فيما كتبه قره داغي، بل في مَن يقف وارءه؟.

وما هي مؤشّراته.

لعلّ أبرز هذه المؤشّرات، أنّ هنالك ثمّة حملة عسكريّة أو اجتياح عسكري قادم لكردستان العراق، ويُراد من قره داغي، ومن لفّ لفَّه، ان يمهّد لذلك إعلاميّاً، لدى الشارع الكردي في العراق، عبر إعطاء المبررات والمسوّغات لأيّة ضغوطات وتطوّرات محتملة، من قبيل تفعيل تنسيق جديد _ قديم بين قادة كردستان العراق ضدّ العمال الكردستاني.

لنعدْ إلى مؤشّرات إغلاق حزب المجتمع الديمقراطي.
داخليّاً: حملات الاعتقال التي طالت قياداته وكواده وعناصر، وصلت لاعتقال 800 شخص منذ شهر آذار المنصرم وحتّى الآن.

التضييق على المؤسسات الاعلاميّة الكرديّة، ومنع صحف كرديّة من الصدور لمدّة شهر، كصحيفة “آزاديا ولات”.

حملات الحزب الحاكم، في البرلمان وخارجه، التي كانت تستهدف الحزب الكردي.

ناهيكم عن حملات الاحزاب القوميّة المتطرّفة.

حملات التضييق على أوجالان في سجنه، ونقله من مكان سيّئ لأسوأ.
إقليميّاً: الانفتاح التركي على كردستان العراق، بديهي أنّ سيكون من كيس أكراد تركيا.

فهكذا عوّدنا قادة كردستان العراق، عبر علاقاتهم بأنقرة وطهران ودمشق.

وخاصّة “معاوية الاكراد” المام جلال طالباني!.


دمشق أيضاً، وبضراوة، تقف وراء قرار حظر حزب المجتمع الديمقراطي.

وهذه النقطة، يتمّ تجاهلها.

فزيارات بشّار الأسد لأنقرة، وتصريحاته الممانعة لانفتاح تركي الأكراد، وخوفه، وبل رعبه، من أيّ حلّ جدّي وحقيقي للملفّ الكردي في تركيا، يضمن الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، ومنهم حقوقهم السياسيّة والثقافيّة، كلها تشير، أن الأسد، يقف وراء حظر الحزب الكردي.

بخاصّة، أن حزب المجتمع الديمقراطي DTP، والمقرّب من حزب العمال الكردستاني، كان قد صرّح بأنّه ينوي فتح مكتبين له في مدينة حلب، والعاصمة السوريّة دمشق.

وإذا قدّم الحزب الكردي هذا الطلب للسلطات السوريّة، لا تستطيع السلطات السوريّة الرفض!.

لأن حزب المجتمع الديمقراطي حزب رسمي وقانوني، وله كتلة نيابيّة في البرلماني التركي.

وإذا رفضت دمشق طلب الحزب الكردي، هذا يعني أنها كشفت عن بطانتها العنصريّة، وأنّ هذا الامر، يخالف ما يتحدّثون عنه من علاقات استراتيجيّة، وانفتاح كبير بين سورية وتركيا.

إذ لا يوجد مبرر قانوني للرفض.

وعليه، قبل أن يتقدّم الحزب الكردي بطلبه للسلطات السوريّة، طلب الأسد من أردوغان، حظر هذا الحزب.

لأن لو افتتح الحزب الكردي مكتب له في حلب ودمشق، سيكون موئل ومقصد كل الاحزاب الكرديّة السوريّة، والمثقفين الاكراد والعرب، ونشطاء المجتمع المدني، على اعتبار أن هذين المكتبين سيكونان أنموذج، تتطالب به الأحزاب الكرديّة أيضاً، بافتتاح مكاتب لهم، أسوة بالحزب الكردي الآتي من وراء الحدود!.

وبالتالي، سارع الأسد الى زيارة أنقرة، ووضع طلب حظر الحزب الكردي في تركيا، على طاولة اردوغان.

لو تحقق فتح مكتب للحزب الكردي في دمشق وحلب، لكان بمثابة حصان طروادة قانوني وشرعي لحزب العمال الكردستاني في سورية.

ولكانت خطوة اختراق تلك، استراتيجيّة، أراد العمال الكردستاني ان يقول للنظام السوري من جلالها، من قبيل: “ها انا ذا عائد إليكم، يا من بعتموني للنظام التركي بثمن بخس.

لن أترك أكراد سورية دون تنظيم، وإعادة تهيأة”.

لكن السوريين تنبّهوا لذلك، وطلبوا من الاتراك حظر الحزب الكردي!.
زيارة اردوغان الاخيرة لواشنطن، ولقائه بأوباما، لا تختلف عن زيارته لواشنطن في يوم 5/11/2007، حين التقى بجورج بوش، واعطاه الاخير، الضوء الأخضر، حتى يجتاح الجيش التركي كردستان العراق في 20/2/2008، وعاد مهزوماً في 29/2/2008.

وعليه، فأنّ قرار حظر الحزب الكردي، صادق عليه باراك أوباما، قبل أن يعلنه هاشم كيليج في مساء 11/12/2009.

والذي يؤكّد ذلك، تصريحات المسؤولين الامريكيين حول حظر الحزب الكردي، واعتبارهم لهذا الامر بأنه “شأن داخلي تركي”.

لقد طلب أوباما من اردوغان، ارسال المزيد من الجنود الاتراك.

وطالبه بالانفتاح على كردستان العراق.

فوافق أردوغان، شريطة أن يكون الثمن من كيس اكراد تركيا.

وهو حظر حزب DTP، والمزيد من الدعم والمساندة من أجل تصفية PKK.

ويبدو ان ما كتبه قره داغي، وما سكيتبه لاحقاً، وغيره أيضاً، هو لتسليس وشرعنة المزيد من تخندق قادة كردستان العراق الى جانب الاتراك في حربهم ضدّ حزب العمال الكردستاني!.
نقطة مهمّة، لا مناص من ذكرها هنا.

وهي سعي بعض مراسلي الصحف وقنوات التلفزة العربيّة، تبرئة ذمّة اردوغان، وتبييض وجهه كفّيه من قرار حظر الحزب الكردي!.

يعني، التسويق لاردوغان، عربيّاً وإسلاميّاً، وحتّى كرديّاً، بات عمليّة مكشوفة، ومخزية!.

اردوغان، من قمّة رأسه وحتّى أخمص قدميه، متورّط في قرار حظر حزب المجتمع الديمقراطي.

ورئيس المحكمة الدستوريّة، هاشم كيليج، قبل أعلان قرار الحظر بأيّام، كان مجتمعاً ببعض قيادات حزب اردوغان في مدينة ميرسين التركيّة!.
حاصل القول: قرار حظر حزب المجتمع الديمقراطي، على افتضاح الواقفين وراءه، تركيّاً وكرديّاً وإقليميّاً ودوليّاً، إنْ دلّ على شيء، إنما يدلّ على حجم المأزق الجاد، والتخوّف الكبير الذي بات يشكله حزب العمال الكردستاني، وكل من مال ميله، على هؤلاء المتكالبين على تصفيته.

وخاتمة المطاف، سيعرف كل المتواطئين والمتآمرين على قضيّة الشعب الكردي في تركيا وسورية والعراق وإيران، بأنّهم واهمون.

لكن، كم هي الضريبة التي سيدفعونها، حتّى يستقظوا من هذه الأوهام، هذا ما لا يمكن التكهُّن به

كاتب كردي سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…