علي الدبَّاغ يحارب كرد العراق حتى في أحلامهم

عمر كوجري

بزغ نجم علي الدباغ المتحدث باسم رئاسة الحكومة العراقية الحالية والحائز على شهادة الدكتوراه عبر الانترنيت عام 2003 من بريطانيا، والخبير مدة 30 سنة – كما تقول سيرته الذاتية- في إدارة وتطوير مؤسسات كبرى وشركات مقاولات وأعمال حرة في دولة الإمارات العربية المتحدة والدول الأوربية وكندا والصين وشرق أسيا مع انهيار النظام العراقي السابق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة ودول التحالف.
  يبدو أن الرجل يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة في العراق ابتداء من جلسات رئاسة الوزراء وانتهاء بالرياضة والصحة والسلامة المرورية وشؤون العشائر والقبائل والطوائف والمِلل والنِّحل باعتباره ناطقاً باسم رئاسة الحكومة العراقية، كما يبدو أن ابتساماته وفكاهاته مع وسائل الإعلام التي تتصل به وحده، لا تشفع له نواياه المبيتة تجاه حقيقة الأوضاع القائمة في العراق، وكأن السياسيين والمحللين الاستراتيجيين قد انقرضوا في العراق، وتحوَّلوا إلى مستحاثات على ذمة ورفوف التاريخ.

 

لقد جنَّ جنون الدبَّاغ حين صرّح رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني لبعض وكالات الأنباء عن أمله في تشكيل جيش موحد خاص بالإقليم نواته قوات البيشمركة الحالية معتبراً ذلك بمثابة تحقيق أمنية قديمة له، وقد افتقد ردّ الدباغ للموضوعية والدبلوماسية المعهودة عنه، فقد خرج الرجل عن طوره، وكأن مساً أصابه، فقال بذعر:  لا بد أن نفصل بين الحلم الذي يراود البعض ” لاحظ يعتبر رئيس الإقليم بعضاً” بتشكيل دولة كردية حرمت اتفاقية سايكس بيكو من وجودها، وبين واقع قبلنا به، وتعاهدنا عليه من خلال الاتفاق على الدستور العراقي، وأضاف “سيادته” إن  الدستور العراقي لا يسمح بوجود جيشين، وهذا متفق عليه، ويجب العمل والسعي من أجل تقوية المؤسسات الاتحادية التي هي ضمانة للجميع ولا نسمح بوجود قوات محلية تهدد أمن العراق  مشيراً إلى أن السيد مسعود بارزاني هو جزء من الدولة، ويعرف أن الدستور لا يسمح بوجود جيش ثان في العراق، ولا أتصور أنه بارزاني  يريد أن يفرض أمرا واقعاً.


ومن خلال عرض رأيه يتبين للمتابع السياسي أن الدباغ المتحجج والمستقوي بالدستور أكَّد في لا شعوره الجمعي أن تطورات موضوع كردستان العراق التي حصلت بفعل أنهار من دماء الشهداء هي تطورات أمر واقع، بمعنى أنه ليس راضياً عن الواقع الحالي، لكن الظروف تتحتم عليه على بلع الشفرة كرهاً أو طوعاً.
فلم يقدّم له رئيس الإقليم مسوغات الخوف حتى يشعر وكأن طامة كبرى قد وقعت على رأس الدبّاغ عندما تحدث عن تأسيس جيش نظامي، وبرَّر بارزاني قراره بأنه نابع من صميم الدستور الذي أقرّ بأن يكون للإقليم قواه الأمنية وحرس الإقليم الذي يعمل على حماية حدود العراق وبضمنها حدود الإقليم.

ولم يُلمِّح بارزاني عن استقلال هذا الجيش عن جيش الدولة المركزية، ولم يتحدث عن هذا الجيش الذي سيدافع عن كرامة كردستان عند إعلانها، وليس هناك ما يشي من خلال حديثه بالخوف والرد الانفعالي، والاستعانة بالتاريخ وتصفح أوراق الماضي وظلم الكرد من قبل السيدين وزير الخارجية الانكليزي مارك سايكس ووزير الخارجية الفرنسي جورج بيكو، وتُشكر ذاكرة الدباغ على إسعاف صاحبها بأن وطن الكرد تقطّعت أوصاله بفعل تلك الاتفاقية التي صعبت مهمة الكرد الذين تناثروا بين هنا وهناك.


بطبيعة الحال، واضح من خلال تصريحه المتشنج أن الدباغ تكلَّم بكل وضوح وبلغة التهديد والوعيد، ويبدو أن الحكومة العراقية حثت الخطى لخلق المزيد من التوتر في حدود العلاقة بين حكومة كردستان العراق والحكومة المركزية فسارعت – غير مصدقة –  بعد موافقة القوات المسلحة وبتوقيع نوري المالكي إلى إلغاء كليتين عسكريتين في كردستان العراق بدعوى عدم حاجة وزارة الدفاع العراقية لكل هذه الكليات العسكرية، وإن هناك زيادة في عدد الضباط العراقيين، ونسيَ المالكي أن الكليات العسكرية في كردستان خرّجت عدداً مهماً من الضباط العراقيين بمختلف مشاربهم وطوائفهم وأصولهم وفصولهم الذين تولوا مناصب حساسة وهامة في الجيش العراقي.


إذاً: بارزاني لم يخرج من نص وروح الدستور فكيف يحتمي الدبّاغ بالدستور الذي يدَّعي أنه لا يقبل وجود جيشين في دولة واحدة.
ويظهر أن اليأس والحنق لدى حكومة كردستان العراق بلغ أوجَهُ مما حدا برئيس ديوان الإقليم فؤاد حسين للقول بأن الحكومة الاتحادية لا تتعاون أو تنسق بين قوات حرس الإقليم والقوات العراقية، إذ يفترض بوزارة الدفاع في الحكومة الاتحادية أن تجتمع وتنسق مع حرس الإقليم التي نسميها نحن في اللغة الكردية البيشمركة، ويجب أن يكون التنسيق على مستويات التدريب والتجهيز والتسليح والخطط العسكرية، لكن الحكومة الاتحادية للأسف لا تنسق لا في المجالات الأمنية ولا في بقية المجالات»، منوهاً إلى أن الدستور العراقي أقر بأن تكون رواتب ومخصصات المالية لقوات حرس الإقليم من ميزانية الحكومة الاتحادية وليس من ميزانية الإقليم، وفي كل عام ومنذ 2007 وحتى اليوم تضع الحكومة الاتحادية أرقام ومخصصات قوات حرس الإقليم في ميزانيتها، لكنها لا تصرفها ولم تمنح الإقليم أي مخصصات مالية مع أنها مقرة قانونيا وفعليا، ولكنها بلا تطبيق عملي.
وفي هذا المقام لا بدَّ للحكومة في كرستان العراق إعادة ترتيب البيت الكردي هناك وتنظيفه من كل الشوائب التي تعيق تطور المجتمع الكردستاني بجميع الأطياف التي تتعايش مع الكرد من عرب وآشوريين وكلدان وتركمان وغيرهم، وفتح قنوات التواصل مع أطياف المعارضة في البرلمان والتعامل معها ليس بعقلية الإقصاء والمحاصرة بل بعقلية الانفتاح عليها والاستماع إليها، وتفعيل مؤسسات القضاء والتعليم وغيرها، وزيادة عدد البيشمركة من 200 ألف إلى أكثر ما يقارب النصف مليون، ومنحهم رواتب جيدة، وتحسين مستويات عيشهم وعيش أسرهم لتشجيع المواطنين الكردستانيين للانخراط في صفوف البيشمركة، وطرد القيادات التي ” سمنت واغتنت ” في الفترة الماضية على حساب اختلافات وخلافات الحزبين الرئيسيين، والذين دخلوا هذا السلك من باب الطمع لا من باب الرغبة في حماية كردستان.

   ولم يكن مبرراً إطلاقاً بقاء وزارتين للبيشمركة لكلا الحزبين الرئيسيين طيلة هذه السنوات من بداية التسعينيات إلى قبل فترة قريبة حيث تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة التكنوقراط القدير برهم صالح والذي عدَّ تعيينه في المكان الصحيح واستجابة لمتطلبات المرحلة واستحقاقاتها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…