لمْ يدعُ هذا الرجل يوماً إلى بث التفرقة العنصرية بين أبناء الوطن الواحد، بل على العكس تماماً، فقد حاربَ الجهات والأفراد الذين يبثون هذه الأحقاد في المجتمع محاربة ضارية ولم يهادن أصحابَ الضمائر الميتة الذين يبحثون عن فتات على موائد الظالمين يوماً..
فلماذا إذاً يتمّ اعتقال رجالٍ يتمتعون بكل هذه الخصال والسجايا الطيبة التي تؤهله أن يتبوأ موقعاً قيادياً في مجتمعه لا سجيناً خلف القضبان؟!!
عبثاً تحاول الجهات الأمنية وبإيعاز مباشر من الجهات المتنفذة وأصحاب القرار أن تظهر الانتماء إلى الحركة الوطنية الكردية في سوريا جرماً قانونياً يجب أن يلقى العقاب، وشددت من قبضتها الأمنية في التعامل مع الشأن الكردي بشكل خاص بعد أحداث آذار الدامية عام 2004 والتي خططت لها وأدارتها جهات حاقدة على الشعب الكردي ولا تريد الخير لسوريا وشعبها، متجاهلة ومتناسية عن قصد، بأن الحركة الكردية في سوريا بكافة أحزابها هي حركة وطنية، تضع مصلحة البلاد والمصلحة الوطنية في مقدمة المصالح الأخرى، وليس هناك من لبس أو غبار على وطنيتها البتة.
فعلى الرغم من تعرض الشعب الكردي لمظالم وسياسات استثنائية مرفوضة إنسانياً وأخلاقياً، ورغم توفر الأجواء الإقليمية والدولية في كثير من الأحيان أن ترتبطْ هذه الحركة بالخارج وتحصل على الدعم المالي وكافة متطلبات إثارة الشغب والقلاقل في البلاد، إلا أنها أبتْ أن تقوم بهذا العمل يوماً، بل بقيت محافظة على هويتها الوطنية وانتمائها السوري، وتاريخها في هذا الشأن ناصع البياض، يشهد لها القريب والبعيد، وعملتْ كل ما بوسعها بالأساليب الديمقراطية السلمية من أجل التعريف بعدالة القضية الكردية في الوسط السياسي والثقافي العربي والدولي الديمقراطي، لضرورة إيجاد حلول وطنية لها من خلال الحوار المباشر والعلني على قاعدة الشراكة الوطنية، بعيداً عن التدخلات الأمنية التي عليها التفرغ لأعمالها وواجباتها الدستورية، وقد تمكنت الحركة الوطنية الكردية والمثقفون الكرد في السنوات الأخيرة من تحقيق بعض النجاح في كسب أصوات وتأييد جمعٍ من المثقفين والكتاب والمفكرين العرب بالإضافة إلى بعض التنظيمات السياسية وهيئات المجتمع المدني ولجان حقوق الإنسان التي أدركتْ أهمية حل القضية الكردية في البلاد حلاً منصفاً يضمن عودة الحقوق لأصحابها، كونها قضية وطنية تخصّ حياة ومستقبل ما يزيد عن الـ ثلاثة ملايين مواطن سوري يعيشون على هذه الأرض منذ مئات السنين في مناطق الجزيرة وكوباني وكرداغ وبعض المدن الكبرى مثل دمشق وحلب والرقة قبل تشكل الدولة السورية الحالية، وتعرضوا للظلم والتهميش والإنكار على أيدي أنظمة حكم توتاليتارية ردحاً طويلاً من الزمن.
إننا إذ نعتقد أن هذه الصحوة المشرفة من جانب أولئك الأخوة بقدر ما هي تعكس واجبهم الوطني حيال جزء من شعبهم السوري لم يُنصَف، تعتبر وساماً على صدورهم وموضع تقدير واعتزاز لدى شعبنا الكردي، الذي يتطلع إلى المزيد من التضامن مع قضيته الوطنية العادلة.
لقد آنَ الأوان أن تعيد السلطة في سوريا النظرَ في حساباتها وسياساتها التي تحتاج إلى التغيير، وتدرك جيداً أن الانتماء إلى الحركة الوطنية الكردية في سوريا ليس جرماً ولم تعدْ ترهب أحداً، بل أنه عمل نضالي خلاق يسعى إلى توحيد الطاقات وتوجيهها الوجهة الوطنية الواعية وبما يخدم مصالح الشعب الكردي والمصلحة الوطنية العليا التي نحرص عليها حرصنا على حدقات أعيننا.
كما ينبغي عليها أن تدرك بأن ممارسة القمع والإرهاب وممارسة سياسة السوط لا تجيد نفعاً ولا تصلح حلولاً لقضايا بمستوى القضية الكردية التي يتم حلها فقط عبر حوار وطني علني وشفاف، وأن المستفيد الوحيد من إبقاء هذه الحالة على وضعها، هي الجهات التي لا تريد الخير لسوريا ولشعبها، تلك الجهات التي خلقت من الكرد أعداءً وهميين للوطن، كي يتسنى لها نهب المزيد من ثروات الوطن وخيراته وحجبَ الديمقراطية عن شعب سوريا تحت يافطة (مواجهة الأخطار المحدقة بأمن الوطن)!!