ثمة …
منطق لابد من الاحتكام به ، و معرفة لابد لنا من العودة إليه ، و التوغل بين خفاياه لندرك ما معنى ما أنتجه الأوائل من الشعوب في مضمار المعرفة الإنسانية من علوم و إيديولوجيات ، قد نحب بعضها لأنها تخدم نوايانا و أهدافنا ، وننعت ما تبقى منها بأنها بالية ، لا قيمة لها ..
فتتأسس بذلك ثقافة لدينا نتيجة الضعف الذي نعيشه، و العبثية التي ترافقنا ، ما اقرب ما تكون إلى ثقافة التخوين ، و التشكيك بالآخر مهما كان نتاجه قيما، ذلك الآخر الذي مازال قابعا في نفس الخندق المقاوم.
وبعيداً عن الإشارة إلى الكم الهائل ممن يمارسون السياسة “في الوسط الكردي” فإننا نميز بين الحزبية الضيقة، وبين العمل السياسي، ولذلك فإن في حالتنا ، كان المبدأ هو تجاوز الراهن والتفكير في المأمول والممكن، والخروج من النمطية المستهلكة التي أثقلت التاريخ الكردي المعاصر بمقدسات جوفاء خادعة، توحي بالبراءة والعمل البطولي، وتبطن النفاق والفردية والتسلط، فاستملكت بعضاً من السذج، واستلبت إرادتهم، فاستأثرت بالقرار، واستبعدت مبدأ التحاور، واستشرت التراتبية الحزبية التي خدمت قلة من الناس فيمن تربعوا على عروش منخورة ، و تعلو أصواتهم على المنابر وهم ينفخون و يتبججون ، بينما كانت أبصارهم و ما زالت معلقة بالأفق لا يتكلمون في أمور الواقع إلا همساً، وإذا أرادوا أن يخطوا في قراطيس النميمة والفساد، كلمات من أسفار التخوين والطعن والتلفيق،هؤلاء من يعملون بجد لانهيار الأحلاف ، فتواروا خلف أقنعة الأسماء المستعارة، وهويتهم المطرزة بزخرفة الأكاذيب بادية للعيان، هؤلاء اتخذوا السياسة حقلاً يستثمرون فيه بذورهم العقيمة، فأين لنا مفاتيح الأبواب الموصدة بشمع الحزبية المدججة بالشعارات، وأين ننتهي والأجناد قد ارتحلوا، وها نحن في وليمة اللئام ننتظر العشاء الأخير.
إن الواقع الكردي المتردي ، لم يعد يتسع لمثل هكذا أقاويل ، و الترهات ، و باتت الساحة السياسية الكردية مكتظة بأشخاص هم غرباء عن عالم السياسة ، فكرا و ممارسة ، و حملة التعرية التي أطالت الكثيرين ، وضعتهم في مواضع لم يعد أمامهم ما ينادون به ، أو العمل من اجله سوى الصيد في الماء العكر .
لقد نطق علينا المفلسون بالأباطيل، وقالوا: عصبة تجمعهم خيمة، وتقلهم دابة جرباء، وما ضرنا أنا قليل عديدنا، لكن قوة فكرية ، و أيمان بالتغيير يجمعنا،و يشهد لنا هجاؤهم، فإن كنا كما يدعون، تحملنا جناح بعوضة، ما ذكرونا في محافلهم السرية، ولا شهروا بنا بأبواقهم الصدئة، والحق الحق نقول لكم، الحقيقة ترهب الضعفاء، وتقلق جفون الجبناء،وها نحن نعرض بضاعتنا في الأسواق، وننشرها في الهواء الطلق، ونرفقها بنشرة المعلومات والترجمة وطريقة الاستشفاء، ولا نترك للمرضى النفسيين منفذاً للوسوسة والتأويلات،و نفتح قلوبنا و أبوابنا للحوارات البناءة و المكاشفات الودية لقطع الطريق أمام (اللذين يحاولون بشتى السبل الإيقاع بين الحلفاء للتنافر و التناحر)، لأننا هكذا تعلمنا من مدرسة تيارنا المستقبل ، فمن آمن بجودة بضاعتنا فليحمل صليبه وليرافقنا درب الافتداء، فليس لدينا ما نخبئه عن أعين الرقباء والعسس، وليس لدينا رفيق أعلى يصادر قوتنا وقوتنا وبصيرتنا، لقد بدأنا من حيث انتهى الآخرون في سراديب مغلقة، ووضعنا أمام أعيننا هدفا (مقاومة الاستبداد) و نحن سائرون له معتمدين على الشفافية المطلقة (كل الحقيقة للجماهير) وقد أدركنا أن الحزبية وأطرها الاستبدادية غير مجدية، لذلك أردنا أن نبني حالة مؤسساتية، تقوم على عمل الفريق، والقرار هو قرار الجماعة وليس لدينا شيخ عشيرة أو قبيلة، ولا فيتو لأحد، وما دمنا قد تجاوزنا حالة الاستبداد الفردي، فلا قيمة للشخص – سياسياً – في ذاته أو منصبه، وإنما تتحدد قيمته من خلال عمله وأدائه، من هنا لا تبقى أي اعتبارات لنسج المكائد والمؤامرات، ولا فائدة من التكتلات، وذلك أمر واضح من خلال محافظتنا على سياسة منسجمة، وعمل متناغم، دون العودة إلى مرجعية شخصانية، وإنما مرجعيتنا هو الحوار والنقاش والمحاججة والإقناع، فالعمل المؤسساتي ينفي أي بروز للشخصية الفردية، لذلك فإن أباطيل المقنعين بوجوه مستعارة، لا معنى لها، ولكن كل ذلك لا يمنعنا من الاحتفاظ بسر القداسة لمناضلينا، والحرص على مكانتهم وحضورهم المبجل بيننا، فلا ننكر الجميل، ولا نجحد رفاقنا ما قدموه من جهد، و لا نبخس من حقهم شيئاً.فلا احد ذو بصيرة سينسى خليل حسين و الذي قبع في زنازين الاستبداد و من ثم ابعد قسريا ، أو عمران السيد الذي عانى ما عاناه في تلك الأقبية المظلمة إلا بقعة ضوء……، و لابد إن الأجيال السورية المتلاحقة ستتذكر و بخشوع المناضل مشعل تمو و الذي واجه القضاة و أبى أن يتنازل عما يريده كل السوريين.