العمل السياسي بين الممارسة والنفاق

  غربي حســــو

ثمة …
منطق لابد من الاحتكام به ، و معرفة لابد لنا من العودة إليه ، و التوغل بين خفاياه لندرك ما معنى ما أنتجه الأوائل من الشعوب في مضمار المعرفة الإنسانية من علوم و إيديولوجيات ، قد نحب بعضها لأنها تخدم نوايانا و أهدافنا ، وننعت  ما تبقى منها بأنها  بالية ، لا قيمة لها ..

فتتأسس بذلك ثقافة لدينا نتيجة الضعف الذي نعيشه، و العبثية التي ترافقنا ، ما اقرب ما تكون إلى ثقافة التخوين ، و التشكيك بالآخر مهما كان نتاجه قيما،  ذلك الآخر الذي مازال قابعا في نفس الخندق المقاوم.

كيف يمكن لنا أن نتجاوز عتبة الاستثمار في الحقل السياسي ؟
 هذا السؤال يطرح العديد من الإشكاليات القائمة في ممارستنا اليومية لما ندعوها بـ ” السياسية ” ، ولكن يبدو أن هناك تأويلات متباينة لمفهوم السياسة، فالبعض ينظر إليها على أساس أنها فن المراوغة والدجل والتلفيق، والبعض الآخر يعتبرها فن التكسب والارتزاق، والقلة الباقية هم من  يعدون الممارسة السياسية قضية شعب ووطن، وما يستلزم ذلك من تضحية وافتداء على صليب الحرية والكرامة الإنسانية.

وبعيداً عن الإشارة إلى الكم الهائل ممن يمارسون السياسة “في الوسط الكردي” فإننا نميز بين الحزبية الضيقة، وبين العمل السياسي، ولذلك فإن في حالتنا ، كان المبدأ هو تجاوز الراهن والتفكير في المأمول والممكن، والخروج من النمطية المستهلكة التي أثقلت التاريخ الكردي المعاصر بمقدسات جوفاء خادعة، توحي بالبراءة والعمل البطولي، وتبطن النفاق والفردية والتسلط، فاستملكت بعضاً من السذج، واستلبت إرادتهم، فاستأثرت بالقرار، واستبعدت مبدأ التحاور، واستشرت التراتبية الحزبية التي خدمت قلة من الناس فيمن تربعوا على عروش منخورة ، و تعلو أصواتهم  على المنابر وهم ينفخون و يتبججون ، بينما كانت أبصارهم  و ما زالت معلقة بالأفق  لا يتكلمون في أمور الواقع  إلا همساً، وإذا أرادوا أن يخطوا في قراطيس النميمة والفساد، كلمات من أسفار التخوين والطعن والتلفيق،هؤلاء من يعملون بجد لانهيار الأحلاف ،  فتواروا خلف أقنعة الأسماء المستعارة، وهويتهم المطرزة  بزخرفة الأكاذيب بادية للعيان، هؤلاء اتخذوا السياسة حقلاً يستثمرون فيه بذورهم العقيمة،  فأين لنا مفاتيح الأبواب الموصدة بشمع الحزبية المدججة بالشعارات، وأين ننتهي والأجناد قد ارتحلوا، وها نحن في وليمة اللئام ننتظر العشاء الأخير.
إن  الواقع الكردي المتردي ، لم يعد يتسع لمثل هكذا أقاويل ، و الترهات ، و باتت الساحة السياسية الكردية مكتظة بأشخاص هم غرباء عن عالم السياسة ، فكرا و ممارسة ، و حملة التعرية التي أطالت الكثيرين ، وضعتهم في مواضع  لم يعد أمامهم ما ينادون به ، أو العمل من اجله سوى الصيد في الماء العكر .
لقد نطق علينا المفلسون بالأباطيل، وقالوا: عصبة تجمعهم خيمة، وتقلهم دابة جرباء، وما ضرنا أنا قليل عديدنا، لكن قوة فكرية ، و أيمان بالتغيير يجمعنا،و يشهد لنا هجاؤهم، فإن كنا كما يدعون، تحملنا جناح بعوضة، ما ذكرونا في محافلهم السرية، ولا شهروا بنا بأبواقهم الصدئة، والحق الحق نقول لكم، الحقيقة ترهب الضعفاء، وتقلق جفون الجبناء،وها نحن نعرض بضاعتنا في الأسواق، وننشرها في الهواء الطلق، ونرفقها بنشرة المعلومات والترجمة وطريقة الاستشفاء، ولا نترك للمرضى النفسيين منفذاً للوسوسة والتأويلات،و نفتح قلوبنا و أبوابنا للحوارات البناءة و المكاشفات الودية لقطع الطريق أمام  (اللذين يحاولون بشتى السبل الإيقاع بين الحلفاء للتنافر و التناحر)، لأننا هكذا تعلمنا من مدرسة تيارنا المستقبل ،  فمن آمن بجودة بضاعتنا فليحمل صليبه وليرافقنا درب الافتداء، فليس لدينا ما نخبئه عن أعين الرقباء والعسس، وليس لدينا رفيق أعلى يصادر قوتنا وقوتنا وبصيرتنا، لقد بدأنا من حيث انتهى الآخرون في سراديب مغلقة، ووضعنا أمام أعيننا هدفا (مقاومة الاستبداد) و نحن سائرون له معتمدين على الشفافية المطلقة (كل الحقيقة للجماهير) وقد أدركنا أن الحزبية وأطرها الاستبدادية غير مجدية، لذلك أردنا أن نبني حالة مؤسساتية، تقوم على عمل الفريق، والقرار هو قرار الجماعة وليس لدينا شيخ عشيرة أو قبيلة، ولا  فيتو لأحد، وما دمنا قد تجاوزنا حالة الاستبداد الفردي، فلا قيمة للشخص – سياسياً – في ذاته أو منصبه، وإنما تتحدد قيمته من خلال عمله وأدائه، من هنا لا تبقى أي اعتبارات لنسج المكائد والمؤامرات، ولا فائدة من التكتلات، وذلك أمر واضح من خلال محافظتنا على سياسة منسجمة، وعمل متناغم، دون العودة إلى مرجعية شخصانية، وإنما مرجعيتنا هو الحوار والنقاش والمحاججة والإقناع، فالعمل المؤسساتي ينفي أي بروز للشخصية الفردية، لذلك فإن أباطيل المقنعين بوجوه مستعارة، لا معنى لها، ولكن كل ذلك لا يمنعنا من الاحتفاظ  بسر القداسة لمناضلينا،  والحرص على مكانتهم وحضورهم المبجل بيننا، فلا ننكر الجميل، ولا نجحد رفاقنا ما قدموه من جهد، و لا نبخس من حقهم شيئاً.فلا احد ذو بصيرة سينسى خليل حسين و الذي قبع في زنازين الاستبداد و من ثم ابعد قسريا ، أو عمران السيد الذي عانى ما عاناه في تلك الأقبية المظلمة إلا بقعة ضوء……، و لابد إن الأجيال السورية المتلاحقة ستتذكر و بخشوع  المناضل مشعل تمو و الذي واجه القضاة و أبى أن يتنازل عما يريده كل السوريين.

 فما نحاول التأكيد عليه هو الممارسة السياسية الفاعلة، بعيداً عن الأطر الحزبية التي تشكل عزم عطالة تكبح الاندفاع والعمل الجاد، ولكننا رغم ذلك نحافظ على التنظيم والترتيب، ونقدس الالتزام، ونفعّل جهد الفريق، ونتجه إلى الهدف دون مواربة أو مراوغة، ومن هذا المنطلق كانت مشاركاتنا في كل النقاشات التي دارت حول إنتاج منهجية جديدة في ممارسة العمل السياسي بشكل عام بين معظم الفعاليات السياسية على الساحة، و سنعمل مع الخيرين من الأشقاء على لملمة ما بدده الاستبداد من قدرات شعبنا ، لنضعها على المسار الصحيح ، خدمة لنا و لقضيتنا العادلة ،و التي آن الأوان لها انو تطفو على السطح ، لتغير قواعد اللعبة السياسية في البلاد .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…