موقف صائب رغم نفيه

زيور العمر

كان وقع البيان الذي نشر على موقع ولاتي مه الإلكتروني بإسم اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا و الذي تضمن قراراً بالإنسحاب من الحوارات الدائرة بين الأحزاب الكردية في سوريا من أجل تأسيس مجلس سياسي كوردي يمثل تسع أحزاب كردية , علينا مدويا ً و مفاجئا ً في آن واحد , و السبب في ذلك هو أننا  كنا قد توصلنا الى قناعة راسخة بأن حزب يكيتي الذي زعم في وقت من الأوقات أنه يقود إتجاها ً و نهجا ً جديدا ومغايرا ً لتجربة الحركة الكردية لعقود من الزمن, بات في خبر كان , وأن أي تغيير في أحواله و شؤونه بات أمر في حكم المستحيل, و استعنا في قراءتنا هذه , بجملة من التجارت المتراكمة في السنوات القريبة الماضية , و التي كانت تشير في أغلبها الى إنحدار الآداء السياسي و التنظيمي للحزب الى مستويات خطيرة , بحيث أضحى أية محاولة أو مسعى لتمييز يكيتي عن باقي الأحزاب الكردية, مجرد عمل عبثي لا قيمة و لا معنى له, في ظل تشابه و تطابق الممارسات و السلوكيات و تلاقي المواقف السياسية مع تلك الأحزاب.
قلنا , أننا تفاجئنا , لأن من شأن موقف كهذا , و هو الإنسحاب من الحوارات العبثية , و النقاشات البيزنطية التي تدار من قبل قيادات الأحزاب الكردية التسعة , أن تضعنا أمام مسؤولية إعادة النظر في بعض القراءات التي عبرنا عنها, و التي كانت من الممكن أن تسبب بعض الإحراج , و تخدش حياء المصداقية لدى أي كاتب يحاول أن يراقب عن كثب مجريات الأمور و تطورات الأحداث , و يستخلص منها مواقف و رؤى سياسية و أخلاقية و وجدانية منها.


و لكن بعد الإستدراك السريع و الصاروخي من سكرتير حزب يكيتي الكردي في سوريا , فؤاد عليكو , و مطالبته لموقع ولاتي مه , بحذف المادة الخبرية التي شكلها البيان الصادر بإسم قيادة يكيتي, و نفي الخير جملة و تفصيلاً ً, و الـتأكيد على أن الحزب مستمر في تلك الحوارات , و يعمل على إنجاحها , رغم بعض التباينات التي لم يفصح عنها , نقول شكرا ً لسكرتير يكيتي , لأنه وفر علينا وطأة التفكير في الموقف المفاجئ الذي سرعان ما تبين عدم صحته , الأمر الذي يعني إستمرار يكيتي في الموقف و الموقع الجديد الذي إختاره منذ عدة سنوات, و المتمثل في العودة الى المربع الصفري , الخالي و الخاوي , الذي يتقوقع فيه باقي الأحزاب الكردية الأخرى.


نعم , كان موقفا ً صائبا ً و في الوقت المناسب , و كان من شأنه أن يلقى الرضى و الإستحسان من الجماهير الكردية , التي ضاقت ذرعا ً بإستهتار قيادات الأحزاب الكردية , و محاولاتها لإلهاء الشعب الكردي عن القضايا الجوهرية و التي تتمثل في إستمرار النظام في جرائمه العنصرية بحقه , و عجز و تقاعس أحزابه السياسية عن القيام بدورها في الدفاع عنه , و التخفيف عن كاهله من خلال مواقف جريئة , و سياسات ناجعة , تأخذ مصلحته العليا فوق كل الإعتبارات .
إلا أن التراجع , و نفي ما تم نشره , يؤكد من جديد , أن الخيمة التي تجتمع تحتها الأحزاب الكردية , هي خيمة مباركة , مصانة و محمية و تقي أصحابها من غضب السلطة و أجهزتها القمعية , التي ترى في إستمرار النقاشات الماراثونية بين تلك الأحزاب من دون نتيجة خدمة لمصالحها و ضمانا ً لإستمرار سياساتها المعادية للشعب الكردي في سوريا .
و ليست صدفة , أن يتزامن إعلان حزب يكيتي عن قيامه بتنظيم تجمع إحتجاجي في القامشلي في 12 من الشهر الجاري , مع نفيه لأي إنسحاب من حوارات تشكيل المجلس السياسي .

فهي رسالة واضحة للسلطة , مفادها أن التصعيد الإستعراضي في 12 /10 لا يتعارض مع دور يكيتي في ضمان إستمرار إلهاء الشعب الكردي بالتفاصيل الهامشية الجارية بين تلك الأحزاب .


لذلك نؤكد من جديد , أن الأحزاب الكردية الحالية في سوريا , حسمت أمرها , في التواطئ و التآمر على شعبها , من خلال إنتهاجها سياسة الإنبطاح , و تنكيس الرؤوس, و الرضوخ , من دون أن تحرك ساكنا ً , أمام إستمرار سياسة النظام الشمولي و العنصري بحق شعبها , و ما موقف يكيتي الأخير من البيان الذي نشر بإسمها , إلا مظهر من مظاهر الإنحدار السياسي و النكوص الأخلاقي و التقاعس التاريخي من قبل الأحزاب الكردية , في مرحلة تشهد , أشرس و أخطر حملة عدائية يتعرض لها الشعب الكردي في سوريا.

07/10/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…