مابين تحولات «أوباما» وثوابت «بوش»

صلاح بدرالدين

قد يتفهم العالم طموحات الرئيس الأمريكي وقادة حزبه الديموقراطي المشروعة في الوفاء لشعاراتهم الانتخابية صوب التغيير الذي كان شعارهم الوحيد في مواجهة خصومهم من الحزب الجمهوري وادارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش وقد تتوسم شعوب العالم التي مازالت تناضل في سبيل الحرية والسيادة والعيش الكريم خيرا من قدوم رجل أسود محسوب أصلا وفصلا على خندق المعذبين في الأرض ليقود الدولة الأعظم في العالم ولكن مالم يكن في حسبان المتفائلين والمراهنين وهم يشكلون نسبة كبرى في سائر أصقاع الدنيا وتيارا واسعا من النخب الثقافية والسياسية والرأي العام لايمكن الاستهانة به اقدام ادارة اوباما على خطوات تفسر على أنها ايذان بتبديد الآمال التي وفرتها الادارة السابقة رغم كل المآخذ والملاحظات والشكوك عليها
ومن بينها على سبيل المثال مساهمتها في اسقاط كل من نظام الظلامية والتخلف الطالباني في أفغانستان والنظامين الشموليين الدكتاتوريين الأرعنين في يوغسلافيا والعراق واعتبار التغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط واصلاح الأنظمة الفاسدة والحرب على الارهاب من الأولويات والتسليم بحق الفلسطيين بدولة مستقلة الى جانب دولة اسرائيل (خيار الدولتين الذي أعلنه بوش في اجتماع الجمعية العمومية) وتفهم واسناد وحماية العملية السياسية الديموقراطية في العراق الجديد الفدرالي بما في ذلك دعم التجربة الفدرالية الكردستانية والتدخل المباشر في المفاوضات والحوارات لصالح السلم والاستقرار في السودان على قاعدة تقرير مصير الجنوب ونصرة شعب دارفور والوقوف الى جانب قوى الرابع عشر من آذار الديموقراطية في لبنان وتقديم الدعم السياسي لقوى الاعتدال والسلام في فلسطين ممثلة بالرئيس – أبو مازن – رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب ووضع أموال المنظمات الارهابية والشخصيات العاملة في مجال الارهاب والقمع الداخلي في أنظمة المنطقة تحت بند التجميد والعقوبات والتعاطف مع شعوب القوقاز وروسيا الاتحادية الباحثة عن السيادة والاستقلال والحريات ومواجهة الأنظمة المارقة وخاصة في طهران ودمشق وتوفير المستلزمات القانونية والاشتراعية لتقديم العون السياسي والمادي للمعارضة الوطنية في البلدين.
  اشكالية الداخل والخارج
  يلحظ المتابع لتطورات السياسة الأمريكية في ظل الادارة الراهنة جنوحها الكامل نحو مواصلة معركة – كسر العظم – ضد مؤسسات ومسؤولي ادارة بوش السابقة الى درجة رفض كل ما كان قائما ومتبعا الصالح منها والطالح لافرق على الصعيدين الوطني والخارجي مما تدفع متطلبات تلك المعركة الداخلية التي تسعرها أصحاب المصالح وكارتيلات الصناعات الحربية والنفطية ومراكز القوى وقد تكون الصهيونية من بينها التي تجد مصلحتها مع أنظمة وحكام العالم وليس مع شعوبه الى بروز اشكالية متعددة الأوجه وفي المقدمة معادلتي الداخل الانتخابي الحزبي والخارج الانفتاحي التصالحي والأخير ما يهمنا الذي يشهد تحولات مثيرة ومقلقة في الوقت ذاته :
– بدايات القفز فوق اعتبارات السياسات الداخلية للأنظمة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها أو اغماض العين بما يتعلق بمعايير الديموقراطية وحقوق الانسان وحرية المرأة ومعاناة – الأقليات – والغلو في البراغماتية بما يتعلق بالحوار والتواصل والتصادق مع أنظمة قمعية ظلامية متورطة في الارهاب والجرائم ضد الانسانية وذلك سيرا وبشيء من المغالاة على النهج الذي رسمه تقرير بيكر – هاملتون بخصوص الانفتاح على نظامي دمشق وطهران واجراء الحوار معهما بحجة تخفيف الضغط على العراق وحل الأزمات بأقل الخسائر والتي تفاقمت وازدادت بعكس المأمول .
– بوادر التراجع عن الالتزامات المبدئية حيال القضية الفلسطينية داخليا بالتوجه نحو التواصل الذي يفسر كاعادة اعتبار لحركة حماس عبر قنوات خلفية استخباراتية امريكية وبريطانية وألمانية وسويسرية وخارجية أخرى والتراجع أمام جموح الحكومة الاسرائيلية الجديدة برئاسة المتطرفين من نتانياهو الى ليبرمان خاصة في مسألة وقف الاستيطان والمفاوضات النهائية وتحويل الضغط الى بعض البلدان العربية لنسج العلاقات المسبقة مع اسرائل قبل الحل النهائي مما يؤدي بالتالي الى اضعاف واحراج الحركة الوطنية الفلسطينية والسلطة ومنظمة التحرير.
– علائم تشي بالرضوخ أمام شروط النظام الايراني حول قضايا الديموقراطية والمفاعل النووي ولبنان والخليج وفلسطين والعراق واليمن (وقد يكون لمواقف الحليف الأوروبي المترددة والمائعة بخصوص الملف الايراني أثر سلبي) والأخطر عدم التعاطف مع الحركات الاصلاحية والمعارضة في الازمة الانتخابية الأخيرة التي كادت أن تتحول ثورة شعبية شاملة ومازالت ذيولها تتفاقم والسكوت المريب على تصفية منظمة مجاهدين خلق في معسكر أشرف بالعراق.
– شكوك حول موقف الادارة الجديدة من تطورات لبنان والقوى الديموقراطية والمعارضة واتهامات – مازالت غير مثبتة – بضلوع الادارة في عقد صفقة مع النظام السوري حول المحكمة الخاصة باغتيال الحريري وسائر الجرائم الأخرى التي تورط فيها نظام الأسد الأب والابن منذ ثلاثة عقود وحتى الآن.
– الموقف المحايد المثير للجدل بشأن تفجيرات – الأربعاء الأسود – في بغداد وكان من ذيولها بث اعترافات على الهواء بتورط النظام السوري عبر مجموعة بعثية مقيمة بدمشق واستدعاء السفير العراقي بدمشق احتجاجا على رفض الحكومة السورية تسليم المتهمين وسبق ذلك مشاركة وفد من الادارة الأمريكية الى جانب الوفد التركي في الحوار بتركيا مع وفد يمثل منظمات ” المقاومة ” العراقية بمعزل عن الحكومة العراقية الشرعية المرتبطة مع هذه الادارة بمعاهدة استراتيجية أمنية.
– منح ممثل الرئيس أوباما الى السودان صك براءة للنظام الحاكم حول جرائم دارفور وذلك خلافا لكل الحقائق والوثائق المحلية والافريقية والأوروبية والعالمية بما في ذلك ارادة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

ان ما يتراءى ويستشف الآن في عناوين وأجندة سياسات الادارة الأمريكية الجديدة وما يتم رصده من مؤشرات وعلائم لن يظل جامدا بل قابلا للتبديل واعادة النظر ويبقى خاضعا لمؤثرات موازين القوى المحلية والدولية على أرض الواقع ولفعل ارادة الشعوب وتجربة الادارة أيضا ويبقى العامل الحاسم أولا وأخيرا رهن مدى امكانية شعوبنا وقواها الحية في بلورة أهدافها القريبة والبعيدة واعادة بناء هياكلها ومؤسساتها ووسائلها وترسيخ وحدتها على قاعد المصالح الوطنية العليا المصيرية وبالتالي الاعتماد الرئيسي على الذات مع الانفتاح والتفاعل الايجابي مع العوامل الاقليمية والعالمية بغية تجييرها لمتطلبات مصالح السلم والاستقرار والتقدم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد.   الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…