حقبة « الفدرالية الثانية » في كردستان ( 1 )

صلاح بدرالدين
       

        للمرة الأولى في تاريخ شعب كردستان العراق يحصل التنافس على رئاسة الاقليم عبر الاستفتاء الشعبي المباشر حيث أكثر من نصف عدد من يحق لهم الانتخاب من الشباب  بعد طرح البرامج السياسية من جانب المرشحين الخمسة وتجري المواجهة بين هذا العدد الكبير من القوائم الحزبية والكتل السياسية التي بلغت ( 20 كيان سياسي و5 ائتلافات  ) وبذلك يتحول مجتمع كردستان نهائيا من الأحادية ثم الثنائية الحزبية الى النظام السياسي التعددي ومن هيمنة الاتجاه السياسي التحالفي الواحد بين حزبين قوميين رئيسيين ( انفراديا أو ثنائيا ) على السلطتين التشريعية والتنفيذية الى ولادة برلمان حسب مواصفات ديموقراطية معهودة متعدد المكونات القومية والسياسية  بمعارضة مؤثرة أمام غالبية فقدت الكثير من مواقعها السابقة مما سيجعل تداول السلطة أكثر سلاسة في المستقبل ويؤسس للانتقال الى حقبة ” الفدرالية الثانية ” المعززة بضمانات دستور العراق الاتحادي الجديد ودعم العملية السياسية الديموقراطية الجارية على مستوى البلاد وشرعنة التوافق الوطني والالتزام المسؤول من المجتمع الدولي بعد سبعة عشر عاما من انبثاق الفدرالية التي تمت بداية من طرف واحد بكردستان العراق  .
      مسألة اختيار الرئيس تختلف عن انتخاب القوائم الحزبية فرئيس الاقليم الحالي السيد مسعود بارزاني الفائز لدورة ثانية سيكون رئيس جميع مكونات كردستان القومية والدينية والمذهبية ورمز وحدتها والمؤتمن على مصيرها بعد أن جددت له الثقة مباشرة وليس عبر البرلمان واذا كان الفرد ومازال يقوم بدور حاسم في حالات عديدة كما يظهر لنا التاريخ القديم والحديث للشعوب والمجتمعات اذا ما اجتمعت الشروط والأسباب فان السيد البارزاني الذي نال الشرعية بثقة غالبية شعب كردستان الساحقة وبحكم تجربته الثرية ومكانته التي حصنتها الشرعية القومية التاريخية والثورية الكفاحية والسياسية الواقعية تتوفر فيه في اللحظة الراهنة مؤهلات الرئاسة وقيادة الاقليم للسير قدما واستنادا الى صلاحياته المنصوصة عليها في الدستور وبالتعاون مع الحكومة والبرلمان نحو مواصلة تحقيق الانجازات لشعب كردستان من قومية ومصيرية وسياسية وحياتية وتعزيز وحدته الوطنية وتفعيل الفدرالية وحل المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية حسب نصوص الدستور العراقي والمضي في سبيل ادامة الاستقرار والعيش الكريم للمواطن .

      ان اعادة اختيار السيد البارزاني رئيسا الى جانب سير العملية الانتخابية البرلمانية في أجواء الحرية والسلم وتحت أنظار المجتمع الدولي عبر المراقبين وممثلي الهيئات والمنظمات المحلية والعالمية ومواكبة وسائل الاعلام الكردستانية والعراقية والعربية والدولية ( 370 مراقب من الخارج و16250 مراقب محلي و27228 وكلاء قوائم و1300 صحافي ومراسل ) حسب معلومات المفوضية العليا للانتخابات ستكون انتصارا لتجربة الاقليم وتعزيزا لمضمونها الديموقراطي بشهادة ممثل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في لجان المراقبة وموضع فخر واعتزاز حركة التحرر الكردية في كل مكان وصفحة رائعة تضاف الى سجل حركات تحرر الشعوب المناضلة في المنطقة والعالم ولايعود هذا الاختيار الى العامل العاطفي المشروع فحسب بل هو خيار سياسي مصيري يضمن سلامة الوحدة القومية والكردستانية والتمسك بالثوابت ويرسخ حقوق القوميات الكردستانية ( تركمان – كلدان – عرب – ارمن – آشور ) ويردع النزعات المغامرة في مجتمع كردستان التي تدعمها الأيدي الخارجية ويقطع الطريق على التوجهات الأصولية الدينية الأممية منها والمحلية حتى لاتتكرر كوارث على غرار ما حصل في – غزة – على أرض كردستان وهو استفتاء على خيار تعزيز علاقات الصداقة ومبادىء العيش المشترك بين الشعبين الكردي والعربي في العراق والانفتاح على العالمين العربي والاسلامي وقوى الحرية والعدل والسلم في العالم .

     انجازات صياغة مشروع الدستور وخوض الانتخابات التشريعية وتجديد الثقة لرئيس الاقليم والتي تمت في ظل أجواء المصالحة القومية والتحالف الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين بعد صراعات دامية امتدت لعقود أمام التحديات الماثلة داخليا واقليميا وفي ظروف باتت فيها المهام السياسية والاجتماعية والتنموية والديموقراطية أكثر وضوحا في معالمها الأساسية  خاصة في مجال تنامي وعي ثقافي دستوري قانوني في الأعوام الأخيرة بين أوساط أساتذة الجامعات والمختصين  ممزوج بتجارب ودروس عالمية متعمقة بشأن التطبيق الفدرالي وخصوصيتها الكردستانية بعد سنوات من البناء واعادة هيكلة البنى التحتية وتنشيط الاستثمارات والاعتماد على الذات والتعاطي الاقتصادي مع الجوار والخارج  وفي بعدها العراقي بعد وضوح رؤى المكونات الوطنية بشأن مستقبل العلاقات بين المركز والاقليم ومصير العملية الديموقراطية في العراق الجديد التي لم تكتمل بعد وتبلور قضايا الخلاف ذات الطابع القومي والجغرافي والمصيري بأشكالها المختلفة والمستوى المتقدم لشفافية الطرح الكردستاني حول سبل حل الاشكاليات من منطلق التعدد والاختلاف في اطار الوحدة ومرجعية الدستور وما ظهرت في الآونة الأخيرة من أبحاث ومقالات جادة ومسؤولة وحريصة على العيش المشترك بأقلام شخصيات ثقافية وسياسية عربية عراقية مرموقة من على بعض المنابر الاعلامية حول قضايا الخلاف تؤشر الى تقدم واضح بشأن تفهم ارادة شعب كردستان والتعاطي الايجابي معها نقول أن هذا التطور النوعي وتلك الانجازات السالفة عبر مساراتها المتكاملة ايذان بانتهاء مرحلة والانتقال الى حقبة جديدة يمكن تسميتها بعهد ” الفدرالية الثانية ” التي ستشكل عنوان المستقبل في الحياة السياسية لشعب كردستان وللعراقيين جميعا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…