نوشيروان مصطفى: خلافاتي مع الاتحاد الوطني وصلت نقطة اللاعودة..

  من قمة أعلى رابية، حيث مقره الرئيسي في مدينة السليمانية بإقليم كردستان، يتطلع هذه المرة نوشيروان مصطفى، السياسي الكردي المعروف والرجل الثاني سابقا في الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني، إلى تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في المجتمع الكردستاني، من خلال معركته الانتخابية القادمة التي لا شك أنها ستكون شرسة للغاية في ظل المعطيات الراهنة، بعد أن اخفق في تحقيقها عبر إجراء إصلاحات داخلية في حزبه الذي يعتبر أحد أبرز رواده ومؤسسيه الأوائل، وأحد أهم مفكريه ومنظريه إن لم يكن الوحيد قاطبة.
مصطفى الذي تجاوز العقد السادس كان قد استقال من موقعه نائبا للأمين العام في الحزب أواخر عام  2006، وتفرغ لإدارة مؤسسة إعلامية ضخمة تضم صحيفة يومية وموقعا إلكترونيا وإذاعة عالمية وقناة فضائية ومركزا للاستفتاء، تحمل اسم مؤسسة «وشه – الكلمة» وتلتف حوله الآن نخب مثقفة من كوادر وأعضاء الاتحاد الوطني السابقين وغيره من الأحزاب الكردية.

ومنذ انفصاله عن الاتحاد يمتنع مصطفى عن الإدلاء بالأحاديث الصحافية حتى أثناء الأزمات والمشاكل السياسية، إلا ما ندر، ومع ذلك فقد خص «الشرق الأوسط»، التي يحرص على قراءتها بحديث مفصل هو الأول من نوعه على مستوى الصحافة المحلية أو العربية أو العالمية منذ عام تقريبا، سلط من خلاله الأضواء على طبيعة مشاكله مع قيادة الاتحاد الوطني وما آلت إليه من نتائج.
 وفي ما يلي نص الحوار:

 بداية أين وصلت خلافاتكم مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وهل من أمل للوصول إلى حل نهائي لها قريبا؟

الخلافات بيننا وصلت إلى طريق اللاعودة، والخلافات في جوهرها تتمحور حول كيفية إدارة حكومة إقليم كردستان، والنقطة الأساسية فيها تتركز على كيفية فصل سلطة الحزب عن سلطة الحكومة، سيما وان هناك دمجا بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من جهة، وسلطة الحزب من جهة ثانية، كما أن هناك تدخلا كبيرا وواضحا من قبل الحزب في شؤون الجامعات وبدورنا نريد فصل سلطة الحزب عن سلطة الدولة ونسعى لجعل مؤسسات الدولة أو الحكومة حيادية وموالية للمجتمع الكردي لا الأحزاب أو الأشخاص.

 إذن نفهم من كلامكم أن لديكم تحفظات على أداء الحكومة؟

 لا استطيع وصفها بالتحفظات، فكما أشرت آنفا، هناك دمج بين السلطات الحزبية والحكومية، إذ بات المكتب السياسي للحزب بمثابة مجلس قيادة الثورة في العهد السابق ويمارس نفس دوره، لذلك نسعى لجعل البرلمان الكردستاني مؤسسة مستقلة ذات إرادة مستقلة، والسلطة القضائية مؤسسة مستقلة وغير حزبية ونزيهة وعادلة، وجعل السلطة التنفيذية مظلة لجميع أبناء الشعب الكردي وليست ملكا لحزب أو اثنين أو تحالف مجموعة أحزاب.

 تلقيتم في عيد نوروز المنصرم رسالة خطية من الرئيس طالباني، ما مضمونها وماذا كان ردكم عليها؟

 عذرا لا أود التعليق على هذا الأمر.

كان مقررا أن يعقد لقاء ثنائي وصف بالحاسم بينكم وبين الرئيس طالباني في نوروز أيضا ولكن لم يتم..

لماذا؟

 تربطني علاقة قديمة ونضالية وشخصية بجلال طالباني، السكرتير العام للاتحاد الوطني الكردستاني تمتد إلى 40 عاما، لذا من الطبيعي جدا أن نلتقي ونتحاور ونتفاهم ونختلف أيضا.

هل ستخوضون الانتخابات النيابية القادمة في الإقليم بقائمة منفصلة فعلا عن قائمة الاتحاد الوطني، كما أشيع مؤخرا، وكيف ستكون طبيعة مشاركتكم وما هي هوية الشخصيات المرشحة على قائمتكم؟

 بالنسبة للقائمة المغلقة أو المفتوحة فإن البرلمان الكردستاني قال كلمته وقرر أن تكون على أساس القوائم المغلقة، لذا فلا خيار أمامنا غير ذلك، أما بالنسبة للمشاركة، نعم سنخوض الانتخابات بقائمة مستقلة ومنفصلة عن الأحزاب الموجودة في إقليم كردستان العراق، وسنعمل على ضم شخصيات مستقلة ووجوه جديدة وفق أسس منتظمة من حيث التوزيع الجغرافي والمهني والعمري، بمعنى أننا نسعى لضم مجموعة من الشباب من ذوي المهن والاختصاصات المختلفة ومن فئات عمرية متباينة، كي نفتح أبواب حكومة الإقليم أمام الجيل أو النشء الجديد، أي وجوه جديدة ودماء شابة وبرنامج جديد.

 وهل يجوز قانونا أن تخوضوا الانتخابات بقائمة منفصلة عن الاتحاد الوطني وما زلتم أحد أعضائه البارزين، وألا يتعارض ذلك والمنهاج الداخلي للحزب؟
 من الناحية القانونية يحق لنا خوض الانتخابات بقائمة منفصلة كما ومن حق أعضاء الأحزاب تشكيل قوائم انتخابية مختلفة عن قوائم أحزابهم.

استراتيجيا ألا ترون أنكم بذلك تشقون الصف الكردي إلى أكثر من صفين؟

هذه منافسة انتخابية برلمانية وليست دعوة إلى الانشقاقات، فنحن لا نطالب ولا نطلب من أي عضو في الأحزاب الكردستانية الموجودة على الساحة بالانفصال أو الاستقالة من أحزابهم، بل ندعوهم إلى التصويت لصالح قائمتنا الانتخابية، أي أننا لا نسعى إطلاقا إلى شق صف أي من الأحزاب الموجودة.

بغض النظر عن نتائج الانتخابات القادمة، هل يمكن أن تنضم كتلتكم إلى كتلة الاتحاد الوطني لاحقا؟

 كلا مطلقا، فقد تجاوزنا الخلافات الداخلية للاتحاد الوطني وسنعمل على التعاطي مع مشاكل المجتمع الكردستاني القائمة حاليا، وليس مع مشاكل الاتحاد الداخلية أو أي من الأحزاب الأخرى.

 الرأي العام في كردستان يقرأ مواقفكم الحالية على أنها صراع شخصي مع الرئيس طالباني على زعامة الحزب، هل تتصور أن تكون شخصيا أفضل أداء من طالباني في قيادة الحزب؟

 هذه قراءة غير صحيحة إطلاقا، فنحن مختلفان في توجهاتنا السياسية وليس على زعامة الحزب.

 لو افترضنا جدلا أن طالباني تنحى عن زعامة الحزب هل أنت مستعد لتحل محله وهل هناك مشروع بهذا المعنى من وراء الكواليس؟

 طبقا للمنهاج الداخلي للاتحاد الوطني الكردستاني فإن الأمين العام للحزب ينبغي انتخابه من خلال المؤتمر الموسع للحزب وليس من قبل اللجنة المركزية أو من قبل أشخاص، لذا فالأمر متروك للمؤتمر القادم.

 وهل ستشارك في المؤتمر القادم أو ترشح نفسك لزعامة الحزب؟

 إطلاقا لن أشارك ولن أرشح نفسي
يقال إن القياديين الأربعة في الاتحاد الوطني المصنفين ضمن التيار الإصلاحي، استقالوا مؤخرا من عضوية الحزب بناء على طلب منكم وقد يلتحقون بكم لاحقا، ما مدى صحة هذه الأقوال؟

 بوسعكم توجيه السؤال إليهم، فأنا لم أوجه طلبا بهذا المعنى إلى أي شخص، والقياديون الأربعة المستقيلون أحرار في اتخاذ مواقفهم السياسية، وأنا شخصيا لا أتدخل مطلقا في خلافات الاتحاد الوطني الداخلية.

 هناك من يصفكم الآن بمهندس تفكيك الاتحاد الوطني لا سيما بعد إخفاقكم في جعله حزبا مؤسساتيا كما أوضحتم ذلك في لقاء سابق مع «الشرق الاوسط»، ما تعليقكم؟

 في مرحلة من المراحل الماضية حاولت جاهدا تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية داخل المجتمع الكردستاني من خلال الإصلاحات الداخلية في الحزب، لكني أخفقت، لذا أسعى الآن إلى تحقيق تلك الإصلاحات من خلال الانتخابات البرلمانية وليس عن طريق الإصلاحات الحزبية.

 هل تتوقع أن تكون الانتخابات القادمة نزيهة وما هو مضمون برنامجكم الانتخابي؟

 أتمنى أن تكون نزيهة وشفافة، وقطعا لا استطيع شخصيا أن اضمن نزاهة أي انتخابات لا في إقليم كردستان ولا في أي منطقة من العراق ، أما بالنسبة لبرنامجنا الانتخابي فسنعلنه على الملأ عندما يتم تحديد موعد الانتخابات.

 كيف تقرأون الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وقرارهما خوض الانتخابات بقائمة موحدة ومغلقة؟

 اعتقد أن صفوف الشعب الكردي يمكن توحيدها من خلال البرلمان الكردستاني والتعددية السياسية والاتفاق على خطاب سياسي مشترك، لا عن طريق تحالف ثنائي بين حزبين، وطبعا هذا أمر متروك للحزبين وقيادتيهما اللتين تقرران طبيعة الخطاب السياسي لهما.

 هل تعتقد أن الحزبين سيواصلان العمل بهذا الاتفاق طويلا أم أن مفعوله سينتهي مع انتهاء الانتخابات؟

 لا أريد استباق الأحداث، فعند ذاك سيكون لكل حادث حديث كما يقال.
 النخبة المثقفة في إقليم كردستان تضغط على المسؤولين الحزبيين والحكوميين باتجاه الكشف عن ممتلكاتهم، كيف تقيم الأمر، وهل أنت مستعد للكشف عن ممتلكاتك؟

 نعم أنا مستعد، لكني اعتقد أن إجراء الكشف عن الممتلكات غير عملي، لأن العراق عموما وإقليم كردستان خصوصا يفتقر إلى نظام مصرفي أو حسابات علنية، ما يجعل من عملية متابعة الأرصدة المالية للأشخاص أمرا عسيرا، لكني اعتقد أنه من الممكن إحياء مبدأ «من أين لك هذا؟» الذي من خلاله يمكننا معرفة ممتلكات الأشخاص.

 وماذا لو جاء الرد على ذلك بـ«أن هذا من فضل ربي»؟

 إذا وجد برلمان فعال يؤدي مهامه بشكل فاعل وكامل، وأقصد بالكامل، أن يكون قادرا على إخضاع الوزراء للمساءلة حول أداء مهامهم وممتلكاتهم الشخصية وأرصدتهم وثرواتهم، بمعنى أن يكون البرلمان ذا أداء فاعل في منح أو سحب الثقة من الوزراء، إلى جانب الإفصاح عن الموازنة المالية السنوية لحكومة الإقليم بشكل شفاف وعلني فضلا عن خلق سلطة قضائية نزيهة ومستقلة، عندها ومن خلال هذه الجهات مجتمعة يمكن التوصل إلى الحقائق كما هي.

 كثيرا ما يجري الحديث عن الفساد المالي والإداري في حكومة الإقليم هل تؤيد ذلك؟
نعم أؤيد ذلك، لكن معالجة الفساد أو مكافحته لا تتم عبر البرلمان وحسب، بل عبر مجموعة من الأجهزة والمؤسسات مثل السلطات القضائية المستقلة وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة التي غير موجودة في كردستان حتى الآن، ولا شك أن الهيئة المذكورة فاعلة إذا كانت تابعة للوزارة في بغداد وليست تابعة للإقليم، فضلا عن تشكيل مفتشيات عامة في الوزارات على غرار نظيراتها في بغداد، إلى جانب وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، فبجهود كل هذه المؤسسات والجهات يمكن التوصل إلى نتائج ايجابية في ميدان مكافحة الفساد المالي.


كيف ترى مستقبل الاتحاد الوطني الكردستاني بعد رحيل طالباني، بعد عمر طويل، في ظل استمرار صراعات أقطابه الداخلية من جهة وصراعات تلك الأقطاب معكم شخصيا من جهة أخرى؟

 شخصيا لا أتوقع انتهاء أو اضمحلال الاتحاد الوطني برحيل أي شخص، واعتقد أنه سيبقى كحزب سياسي وقد يضعف أحيانا في بعض المراحل ويقوى في أخرى، لكنه لن يتلاشى.

 تقدمتم مؤخرا بطلب قرض مالي بقيمة 20 مليون دولار إلى رئيس حكومة الإقليم، لكنه اشترط عرض المسألة أولا على الرئيس طالباني، هل حصلتم على ذلك القرض؟

 بالفعل طلبنا قرضا، لكن ليس مؤخرا، بل قبل أكثر من عام مضى، وعبر القنوات القانونية للحكومة، وإلى الآن لم تأت الموافقة أو الرد على طلبنا.

 وكيف هي أوضاعكم المالية حاليا في مؤسسة وشه؟

– الحمد لله أنها بخير.

المصدر: الشرق الأوسط

هيوا عزيز

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…