التقـرير السيــاسي الشهري لحزب الوحدة (يكيتي)

   كثرت في الفترة الأخيرة إشارات التقارب الأمريكي السوري، لتعبّر مع إشارات أخرى، عن بداية مرحلة جديدة من التعامل مع القضايا الإقليمية ذات الأولوية، ومنها موضوع الانسحاب من العراق، والملف الفلسطيني، والمفاوضات السورية الإسرائيلية، وكذلك الملف النووي الإيراني، وحماية استقلال لبنان.

وتضم قائمة المطالب الأمريكية من الجانب السوري ضرورة المساعدة في إحداث تقارب بين حركتي فتح وحماس لتشكيل حكومة وطنية فلسطينية مخوّلة بالتفاوض مع إسرائيل، وفك الارتباط مع إيران، والتوقف عن مساندة حماس وحزب الله، إضافة للتعاون من أجل دعم استقرار العراق، في حين تأمل فيه سوريا من هذا التقارب الخروج من دائرة الحصار الدولي، والمساعدة في دفع عجلة المفاوضات مع إسرائيل بإشراف أمريكي..

لكن رغم تفاؤل الجانبين فإن عملية التقارب لا تزال في بدايتها، وهي تواجه بعقبات عديدة، وتتوقف نتائجها على طبيعة وسياسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، وعلى نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، وعلى العلاقة بين النظام السوري وأنظمة الاعتدال العربية، التي تلتقي مع التوجه الأمريكي عند هدف إنهاء التحالف مع إيران، التي يصعب أن تتخلى سوريا عنها دون ضمانات أمريكية، وكذلك عربية، يمكن أن يتمخض عنها مؤتمر قمة الدوحة، لكن المؤشرات الإقليمية على أكثر من صعيد تدعم إمكانية أن يزداد هذا التقارب لأن الإدارة الأمريكية معنية بمشروع الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وأن هذا المشروع يصطدم بعقبتين: الأولى بروز حكومة يمينية برئاسة نتنياهو المعروف بعدم الاهتمام بالمسار الفلسطيني ومعارضة قيام دولة فلسطينية، والاكتفاء بمعالجة اقتصادية للقضية الفلسطينية، والاهتمام بتحقيق إنجاز على المسار السوري وحده..

أما العقبة الثانية فهي المصالحة الفلسطينية، وتعثّر جهود توحيد الفصائل الفلسطينية، وبالتالي غياب الشريك الفلسطيني المفاوض، مما يقدم ذرائع إضافية لحكومة نتنياهو للتهرّب من استحقاقات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، ويفسح المجال أمام تقدّم المسار السوري إلى واجهة الاهتمامات، ولذلك فإن استئناف المفاوضات السورية الإسرائيلية بات ممكناً لأكثر من سبب، بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تحقّقها، خاصة مع حكومة نتنياهو الذي يختلف جدول أولوياته مع سوريا  عن سلفه أولمرت، حيث يشترط وقف تزويد حماس وحزب الله بالسلاح والمساعدات قبل الشروع في أية مفاوضات قادمة، لأنها – أي المفاوضات – تعني للجانب السوري مدخلاً  للعلاقات مع إدارة اوباما التي ترمي من ورائها تحقيق أهداف أخرى، غير التي تتعلق بفك الارتباط مع إيران، ومن هذه الأهداف:  إجراء الانتخابات البرلمانية اللبنانية في حزيران دون أعمال عنف، وإضعاف موقع حزب الله فيها، والتوقف عن دعم حركة حماس التي تعتبر، هي وحزب الله، أذرع عسكرية  تستفيد منها إيران أكثر، لأنها أقدر مالياً وعقائدياً، ولأنها صاحبة مشروع سياسي تبحث من خلاله عن دور إقليمي أكبر.
   ومن هنا، فإن ما تقدم قد يدفع تركيا من جديد، وبضوء اخضر أمريكي، إلى محاولة إعادة الحياة للمفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، وذلك في إطار محاولة استعادة أردوغان لدوره ومواصلة سياسته المتمثلة بتوجيه رسائل إلى الأوربيين أيضا حول ضرورة وأهمية تركيا كحليف لهم في الشرق الأوسط ودورها في استقرار هذه المنطقة الحيوية، وخاصة بعد أن أثبتت حياديتها تجاه قضاياها الحساسة، بما في ذلك الملف الإيراني الذي تتعامل معه من منطلق ابتزاز أوربا في حالة استمرارها في ممانعة ورفض المسعى التركي في الانضمام لاتحادها، وكذلك من منطلق التنسيق والتعاون التاريخي مع إيران في مواجهة ما تعتبره الخطر الكردي المشترك، في حين تستخدم شروط ذلك الانضمام كوسيلة للإصلاح الداخلي، وتحجيم المؤسسة العسكرية، وإبعادها عن الشأن السياسي، مثلما تستثمر علاقاتها مع إيران لإقناعها باستحالة الخروج من العزلة الدولية بدون التفاهم مع تركيا، خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها حالياً، حيث تشير الإحصائيات لتفاقم التضخم المالي إلى حدود 26% وعجز الميزانية الإيرانية الذي قد يبلغ 44 مليار دولار في العام الجاري، ومما يؤكّد أهمية الدور التركي هو أن أوباما يراهن على أنقرة وعلى إمكانية تحويلها إلى حليفة محورية في المنطقة، ومن أجل ذلك سوف يزورها في السادس من نيسان للتباحث في مواضيع إستراتيجية، ومنها العراق لتمهّد لانسحاب أمريكي آمن ومسؤول، خاصة بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية إلى درجة كبيرة تؤشّر لعهد عراقي جديد سوف تكون له انعكاسات كبيرة على الجوار الإقليمي، وهو ما يتجلّى بوضوح في توالي زيارات الوفود الرسمية مؤخراً من جوار العراق، الذي استقبل في هذه الفترة العديد من المسؤولين الإيرانيين، ومنهم رفسنجاني ولاريجاني ومتكي، كما استقبل للمرة الثانية خلال شهور وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع مسؤولين أمنيين كبار، مما يوحي بأهمية وخصوصية هذه الزيارة.

لكن تبقى أهم الزيارات تأثيراً وانطباعاً هي زيارة الرئيس التركي عبدالله غول، التي جاءت تتويجاً لترتيبات عديدة، وبعد عهد طويل من الشد والجذب والتوتر، بسبب تداخل وتعقّد قضايا الخلاف التي حمل غول ملفاتها إلى بغداد، ومنها قضية حزب العمال الكردستاني، ومسائل الحدود وتقاسم المياه والقضايا التجارية.

وتزامنت تلك الزيارة مع استعدادات الانسحاب الأمريكي من العراق واحتمالات بدء الحوار السوري والإيراني مع الأمريكان، وما يمكن أن ينجم، عن هذا وذاك، من تقاسم جديد للمصالح لا تريد تركيا أن تحرم منها، وخاصة في العراق الذي تتمتع فيه إيران بنفوذ كبير، إضافة لاستشفاف الوضع الكردي فيه ومحاولة ضبطه.

لكن الهدف الذي احتل الصدارة كان موضوع معسكرات PKK في جبال إقليم كردستان، حيث نجحت تلك الزيارة على ما يبدو في الحصول على موافقة حكومة الإقليم بالتعاون لاعتبارات لا تخلو من تبادل المصالح، ومن الالتزام بعلاقات حسن الجوار، وهي- أي الزيارة – استهدفت بالتالي تأليب الرأي العام الكردستاني ضد الحزب المذكور، ليتسنى للنظام التركي التهرّب من استحقاقات حل القضية الكردية في كردستان تركيا، واستثمارها في الدعاية لمرشحي حزب العدالة في الانتخابات البلدية التي جرت يوم 29 آذار المنصرم التي تمكن فيها DTP من إستلام رئاسة ما يزيد عن 90 بلدية، مما يعزز من ضرورة فتح الحوار مع الممثلين المنتخبين للشعب الكردي من إيجاد حل سلمي للقضية الكردية هناك.
    وبالعودة إلى العراق فإن التوجّه الأمريكي نحو تسريع الانسحاب، يحرّك العديد من الملفات ويرتّب تحالفات جديدة على ضوء الفراغ الذي يمكن أن ينجم عنه، ويدفع حكومة إقليم كردستان لحسم قضايا الخلاف مع الحكومة المركزية، وترتيب الوضع الداخلي في الإقليم على ضوء نتائج الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات فيه، كما أن الإدارة الأمريكية التي بدأت ترتّب أولوياتها باتجاه أفغانستان، باعتبارها الساحة الرئيسية للحرب ضد الإرهاب، خاصة بعد التطورات التي شهدت اتساع نفوذ حركة طالبان، ودعوة مجلس العلماء فيها إلى عقد مؤتمر وطني للمصالحة برعاية سعودية، تستعد لرسم إستراتيجية جديدة، تقوم على تدمير ملاذات آمنة للقاعدة وطالبان في أفغانستان وباكستان، إضافة لنشر 17 ألف جندي وأربعة آلاف مدرب عسكري في أفغانستان بحلول خريف العام الحالي لتعزيز كفاءة القوات المسلحة الأفغانية إلى الحد الذي تصبح فيه قادرة على القيام بالدور الرئيسي في العمليات العسكرية، وهي تقوم بنفس الوقت بإرسال إشارات الحوار مع طالبان في محاولة لتفكيك صفوفها، وعزل التيارات المتطرّفة منها، وتوجيه رسالة للضغط على إيران التي تخشى عودة حركة طالبان السنية إلى حدودها الشرقية بشكل من الأشكال .
   وفي الداخل الوطني، فإن العناوين التي تحكمه موزّعة بين تدهور الوضع الاقتصادي المترافق مع تراجع الزراعة، التي أصبحت ضحية للجفاف والإهمال وفشل الخطط، وبين تدمير الصناعة الوطنية، وانتشار البطالة، واتساع رقعة  الفقر، وتآكل الطبقة الوسطى في المجتمع السوري، وانتشار الفساد، وتصاعد موجات الهجرة، وتخلّف الوضع الصحي، وذلك في ظل حالة الطوارئ السائدة، والتي فشل مشرّعوها في تبرير عمرها الطويل باعتبارات تتعلق بحماية الوطن من الخطر الخارجي المزعوم .
   وتأتي الذكرى السنوية لهذه الحالة الإستثنائية في 8 آذار في ظل أحوال طارئة تؤكّد أن السلطة هي بحاجة للأحكام العرفية، وليس الوطن، لتبرير القمع والإرهاب الرسمي، وكانت المناطق الكردية في هذه الذكرى نموذجاً صارخاً لتطبيقات تلك الأحكام الجائرة وللسياسة الشوفينية، حيث تحوّل شهر آذار إلى أوقات عصيبة عاشتها المناطق الكردية، لتشهد مختلف أشكال الملاحقة والإرهاب والاعتقالات التي طالت مختلف النشاطات، اعتباراً من احتفالات عيد المرأة التي اعتقل على خلفيتها بعض الكوادر الكردية، مروراً بمعاقبة المهتمين باللغة الكردية بموجب أحكام جائرة بالسجن والغرامة المالية، مما يعني أن السلطة أعلنت حالة عداء مع الشأن الكردي عموماً، ودليلاً على ذلك فقد أقدمت على ضم معتقلين آخرين لقائمة الاعتقال الطويلة ومنهم: المهندس سليمان أوسو والسيدين نصر الدين برهك وفيصل نعسو وخمسة طلاب أكراد من جامعة حلب وآخرين تم تقديم بعضهم إلى محاكم شكلية تتلقى أحكامها وتعليماتها من جهات أمنية …..
   ولكن رغم القمع والاعتقالات فإن شعبنا أكّد من جديد وفاءه للشهداء من أبنائه، وحرصه على التمسّك باحتفالات عيده القومي نوروز، وإدانته للمؤامرة التي أشعلت أحداث آذار 2004 ومطالبته بمحاسبة مرتكبيها، تحقيقاً للعدالة، وإنصافاً للضحايا الذين أرادت بهم السياسة الشوفينية إرهاب المجتمع السوري، وتحطيم إرادة النضال الكردي من أجل حلٍ ديمقراطي عادل لقضيته القومية والديمقراطية في البلاد
  4-4-2009
 اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…