لسنا معنيين بخطاب الاستجداء وعرائض التسول.. من اوراق السجن (3 )

بقلم مشعل التمو

ثمة قواعد شبه جديدة تاسس للعبة السياسية, ويبدو ان هناك تغييرا في بنية تلك القواعد , ظاهريا على الاقل, بحكم انها لم تتجسد بصورتها المضمرة بعد, فالادارة الامريكية الجديدة, تحاول التمايز بخطابها وبعض من سياساتها, وهذا امر يمكن تفسيره في اتجاهين, الاول: العودة الى النهج الامريكي القديم, المتجدد, وفق توصيات بيكر هاملتون, في الاعتماد على الانظمة, بغض النظر عن تركيبتها, وعلى ماذا تستند في ادارتها لمجتمعاتها, وبشكل خاص الانظمة القائمة على ثنائية القمع والافساد, وبالتالي تصبح مسالة الحريات والديمقراطية والشعوب, ادوات لزوم اللعبة, وهو ما سيزيد من عداء الشعوب وثقافته وممارساته وسلوكياته ولعل هذا النهج هو ما انتج الارهاب وتفجيراته المتنقلة.
والثاني: التعامل السياسي المرن في اطار لعبة المقايضة السياسية, والتي ستصل في نهاية المطاف الى انجازات هنا واختناقات هناك, بحكم ان الانظمة الامنية وباذرعها الطفيلية غير قادرة على اصلاح اي قطاع مجتمعي, سواء كان اقتصاديا او اداريا او قضائيا او سياسيا الا بما يتوافق مع اعادة انتاج سيطرتها واحتكارها للمجتمع, ولعل الانفتاح الامريكي من جهة والاوربي من جهة ثانية, يبقى انفتاحا على الانظمة وليس على الشعوب وقضاياها ومتطلبات تغيير اوضاعها, الاوضاع التي ساهمت ذات السياسات الاوربية والامريكية عبر تشكيلها مظلة واقية للانظمة الامنية, في الوصول اليها.


على كل حال, لازالت الامور في بدايتها, خاصة واننا في سوريا مقبلون على مراحل مختلفة بعض الشيء حيث المطلوب حسم الكثير من الملفات المتشابكة وفصلها, وهنا تحديد المسار السياسي لا يتوقف فقط على الانفتاح الاوروبي والامريكي.
بل يرتبط بعوامل اخرى متعددة ومنها العلاقة مع ايران وحزب الله وحماس, والنتائج اليمينية التي افرزتها الانتخابات الاسرائيلية, وموضوعة المحكمة الدولية التي باتت على الابواب, ناهيك عن الحوارات التي يجريها النظام الامني مع بعض التيارات الاسلامية, والتي استجابت واعلنت وقف نشاطاتها المعارضة, ورغم اننا لم نلمس اي نضال عملي لهذه القوى وتحت اي مسمى كان, ولكن الدلالة السياسية تشير الى ديماغوجيا الشعارات التي طرحها هذا التيار مثل الدولة المدنية, والحريات العامة والديمقراطية, وبهذا الاتجاه نعتقد بان اي تيار سياسي, يمتلك تحديد خيار موقعه, وبالنسبة للنظام فهي خطوة في اتجاه امتلاك ورقة الاسلام السياسي لمقايضتها في البازار الانفتاحي القائم الان, وبغض النظر, فان اي اصطفاف داخلي, يستوجب اعادة النظر في السياسات وتقييم المرحلة واتخاذ خطوات ومواقف تنسجم مع المرحلة وتعبرعن مصلحة الشعب السوري في انتزاع حريته وحقه في الممارسة الديمقراطية, وبناء دولته المدنية, التعددية والتعاقدية والتشاركية .


كرديا, يوم بعد اخر تتجلى المواقف السياسية وتتوضح الاساليب البدائية المستخدمة من لدن اغلبية فصائل العمل القومي الكوردي, التي تنتج ذات العاهات في المجتمع الكوردي اتباع ذات السياسة والاشد ايلاما هو اكتسابها لقدرة التسويف والتسويغ واظهار فعلها المتسق مع العقل الامني الرسمي, على انه فعل نضالي, ولعل العريضة الاخيرة التي زعموا انهم سيقدمونها لمن اهدر القرار, على ارضية الثقافة التساومية التي تجعل من الحكم الجائر, قاضيا في ذات الوقت, واذا كان عدم مشاركة رفاقي في تيار المستقبل بمثل هذه المهزلة, اشعرني بالفخر, على ارضية تمايزنا بالوضوح والجذرية والانسجام والتوافق الكامل والتام مع مصلحة شعبنا الكوردي ومقتضيات الدفاع عن وجوده القومي, فاسلوب تقديم العرائض يطفو على السطح في كل فعل عنصري تقوم به السلطة الامنية تجاه شعبنا, بات يفرض على مجموع الشباب الكورد, المثقف منه والسياسي, سؤالا مهما, هو سؤال المصير, المصير الذي يسعى اليه اصحاب العرائض, سؤال الوجود الجمعي قي ظل سياق العمل المتضافر البعيد عن سؤال الحاضر وماذا يفترض المستقبل, وماذا يستوجب.
 وبالتالي عن الصيرورة التاريخية لهكذا تسول وتسوق, ينتجها الوعي الكليم القروي في اسسه والفقير في سلوكياته, ومدى انعكاسه على الذات الجماعية لشعب كوردي غير معترف بوجوده وتمارس عليه سياسية عنصرية متجددة اعتقد بان العقل المنتج لهكذا مسارات (فقر الحال) السياسي والثقافي منه تنطلق من زاوية الدفاع التراجعي المحشور بين النظام الامني وقبح سياساته, والمجتمع ومتطلباته, وبالتالي الانحشار بين معصرتين, والخيار الاسلم لهم كحماية لذاتهم المتداعية, وذر للرماد في عيون المجتمع الكوردي, لابد من وسيلة عرائضية, تسوغ بثقافة الخوف العام في المجتمع السوري وبالتالي يحق لنا نحن نتاج الانتفاضة الكوردية ان نسمي الكثير من هؤلاء المتسولين, والحاملين لثقافة الترجي والممالئة بمخاصمي التاريخ, الذين يخلطون وعن سابق تصور وتصميم بين المنجز القائم, بين الوهم وتراجيديا الواقع, بين حقيقة الاوابد وتجلياتها وتشظياتها وبين اسئلة الهوية والوجود .
ويحق لنا ان نعلن باننا نبحث عن صياغة جديدة لوجودنا, نهجا وفكرا وعقلا يعيد صياغة الذات الفردية باستلهام قيم الذات الجماعية في اقتناص فرص التاريخ, بالتعامل العقلاني الناقد والباحث عن التجديد والفعل المكرس على الارض, بديلا عن هوس الاستجداء وعرائض الخروج من دائرة القروية ومتطلبات تكريسها , حيث ليس فقط نحاول تجسيد وتكريس نهج سياسي مواجه للاستبداد والقمع والإلغاء الانساني بل إرساء قواعد ثقافية تعيد صياغة الفكر والمفاهيم السياسية التي زرعت في الثقافة السياسية للمجتمع, وجعلتها سطحية الرؤيا, معناها معاكس لشكلها, وهدفها المضمر مختلف عن ظاهرها المعلن وتفسيرها مزدوج بين النظام وحواشيه والمجتمع ومعاناته, وبالتالي نعتبر فعلنا السياسي هو ارساء ونواة لتاصيل ثقافي وسياسي جديد, يعيد المفاهيم السياسية الى جقلها المعرفي والموضوعي والمجتمعي, ويخرجها من دائرة القروية الثقافية والبداوة السياسية.
اننا نعتبر ان ما فعله وما يفعله النظام الأمني ، يستند إلى فهم ثقافي عنصري يلغي الاخر المختلف والمتمايز قوميا, وبالتالي يسعى الى اخماد وصهر واذابة اي تعدد ثقافي يكون قاعدة انطلاق سياسية, تكرس حالة قومية موجودة فوق ارضها التاريخية, واعتقد بانها حالة تصادم ثقافي وان كانت ضمن حدود معينة وليست دولية, نظرا لان ما نراه ونلمسه هو حالة تصادمية, هوية عروبية عنصرية التكوين- تحاول صهر غيرها, وطبيعي نعتقد هنا بان اسلوب المهادنة العرائضية يصب في خانة تسويف الهوية الكوردية لا اكثر.
اننا لسنا معنيين بخطاب الاستجداء وعرائض التسول, لاننا نجسد هوية قومية, لها ركائزها المعرفية والقانونية والسياسية والثقافية, ونمتلك خطابا توحيديا, يقر بالاختلاف في اطار الوطن التشاركي وبالتالي ننطلق من الاستنطاق الموضوعي للاحداث والمعطيات وتجلياتها لنصل الى صوابية الفعل المواجه لها.
واذا كنا نحترم الاختلاف وقواعد ممارساته ونعتبره توجها سياسيا حتى وان كان عرائضيا وتسوليا, فلاننا نستند الى وعي الشباب الكورد وادراكهم حجم وكارثية المسار التساومي مع نظام امني فعل وعمل وساهم في تعريب الحجر والبشر, ولم يعلمنا التاريخ بان الفاعل يستطيع اصلاح او تغيير ما افسده, وبالتالي فسلوك العرائض وعبارات الاستجداء, يبقى الحكم عليها مرهونا بقدرة الشباب الكورد ومدى وعيهم وقدرتهم على نبذ هذه السلوكيات القروية ولنا في انتفاضة اذار عبرة ومنارة!

سجن عدرا المركزي بدمشق بتاريخ 17-2-2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…