أي مدخل للإصلاح والتغيير في سوريا ؟

بقلم:فيصل يوسف *

لم يعد مقنعا في أوساط الرأي العام معالجة المعضلات التي تواجه سبل الإصلاح في البلدان العربية من خلال بعض المنطلقات النظرية القديمة والتي كانت ولا تزال تحدد مسار عمل الحكومات المتعاقبة في هذه البلدان منذ فجر الاستقلال و حتى الآن.
 فالنظريات الأيديولوجية والذرائع السياسية التي اعتمدت سابقا في بعض هذه البلدان والتي تركزت بشكل رئيسي حول قيادة الحزب الواحد للدولة والمجتمع سبيلا لتحقيق التنمية الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية و السياسية قد أثبتت فشلها على ارض الواقع وانتفت مقومات العمل بها لاحقا بعد أفول عصر الحرب الباردة وانهيار منظومة الدول الاشتراكية في العالم وانعكاس ذلك على جميع البلدان التي كانت تسير في فلكها (بشكل أو بآخر)
حيث بات من الصعوبة جدا الاستمرار بالنمط الاقتصادي – السياسي والذي كان يعتمد آليات النظام السوفيتي و إيديولوجيته السياسية, وشهد مسألة الصراع العربي الإسرائيلي أيضا فهما جديدا في تناولها من قبل تلك الدول باعتماد استرتيجية الحل السلمي لاسترجاع الأراضي المحتلة بدلا من الخيار العسكري لاختلال الموازين العسكرية والأحلاف العالمية .
لقد واكب الوضع العالمي الجديد انتشار ظاهرة العولمة وثورة المعلوماتية والتي كانت من نتائجها السعي والبحث عن مقومات ديمومة واستتباب الأمن والاستقرار في العالم على صعيد الدول والمجتمعات والإفراد وحصل شبه إجماع بان ذلك يكمن بشكل رئيسي في القبول بالآخر المختلف والتعددية الثقافية والسياسية والمجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان والأقليات والاحتكام للشرعية الدولية بديلا عن ثقافة الإلغاء و الإقصاء و الحرب الباردة ……
وسوريا كغيرها من الدول العربية التي عايشت أحداث المرحلة الماضية من عمر العالم تأثرت بهذه الأوضاع وأصبح الإصلاح والتغيير حاجة ضرورية لها لمواكبة هذه المستجدات العالمية ومواجهة الكثير من الصعاب و التحديات الداخلية وقد بدا ذلك واضحا و طاغيا في خطاب القسم الاول للرئيس بشار الأسد لابل أصبح شعارالإصلاح عنوانا رئيسيا  لبرامج الحكومات المتعاقبة لكن ومع مرور السنوات وتعاقب العديد من التعديلات والتغييرات الحكومية فأن  الخطط الحكومية لم تسفر عن نتائج ملموسة حقيقية  نحو الأفضل لابل إن المشهد الحالي على صعيد المجتمع لا يؤشر لتفاعلات حقيقية من شأنها احداث نقلة نوعية لتحقيق ما يصبو اليه الشعب السوري لتحسين أوضاعه الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية .

فمسألة الأحكام العرفية و الطوارئ المطبقة على البلاد  منذ عام 1963 تلغي العمل حتى بالقوانين النافذة والتي أصبحت هي الأخرى بحاجة لتعديلات جوهرية لتتوافق والمعطيات الجديدة في المجتمع السوري فدعاة الرأي الآخر (المعارضة) إما أنهم يقبعون في السجون أوهم في حالة قمع دائم والأوضاع المعيشية للمواطنين جميعا و ذوي الدخل المحدود منهم تسيرمن سيء إلى أسوء و دائرة الفساد في اتساع مضطرد تنهش بنيان الدولة ولازال الشعب الكردي في سوريا يرزح تحت وطأة السياسات التميزية البغيضة دون إيجاد حل عادل ووطني لقضيته القومية,إضافة للظروف المناخية القاسية التي تمر بها البلاد وما نتج عنها من عواقب أدت الى اضطرار الآلاف من العوائل للهجرة داخليا و خارجيا…….


إن الحديث عن تعديلات على حكومة السيد العطري أو تغييرها اوعن إجراءات إدارية هنا وهناك بغية تخفيف معاناة المواطنين ستكون بدون جدوى استنادا لتجربة السنوات السابقة من عمل هذه الحكومة وغيرها إن لم يتم تجاوز المنهج الوحيد الذي تعمل به الحكومة بقيادة حزب البعث ومنطلقاته النظرية  والإيديولوجية و البدء في معالجة الأوضاع الداخلية وفق أسس حضارية المنطلق فيها الفرد والمجتمع السوري والثقة بطاقاته الخلاقة بعيدا عن عقلية الوصاية والاستئثار بالحكم وتعديل الدستور وكل أنظمة الدولة تبعا لذلك وبما يفضي لقوننة الحياة العامة وإصدار قانون لعمل الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و تنظيم انتخابات حرة وإلغاء السياسات التميزية بحق أبناء القومية الكردية في سوريا ومساواتهم بباقي المواطنين في الحقوق و الواجبات .
إن الخطوة الأولى والصحيحة في هذا الاتجاه تكمن في تشكيل حكومة تعبرعن الوحدة الوطنية  وتشترك فيها جميع الأطياف السياسية السورية ومختلف الشخصيات التي تتميز بالكفاءة وحس المسؤولية الوطنية و تكون من مهمة هذه الحكومة وضع برامج و خطط لمعالجة كافة المشاكل و القضايا التي تواجه الوطن داخليا و خارجيا وعلى إن يسبق ذلك الإفراج عن كافة معتقلي الرأي في البلاد و في المقدمة منهم معتقلوا إعلان دمشق وحل قضية الإحصاء لاستثنائي بمحافظة الحسكة بإعادة الجنسية للكرد الذين سلخت منهم بموجب الإحصاء المذكور في عام 1962 وإلغاء المرسوم التشريعي رقم 49 الخاص بالتملك بما له آثار سلبية على أوضاع المواطنين جميعا و الكرد منهم خصوصا .
إننا نعتقد بان تشكيل مثل هذه  الحكومة دون استثناء القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة في البلاد هو المدخل للإصلاح والتغيير الديمقراطي السلمي وهي مهمة وطنية نبيلة وستكون ذو مردود ايجابي في مواجهة كل القضايا التي بقيت دون حل حتى الآن و يكتوي بنارها المواطنون جميعا دون استثناء إلا من له مصلحة في الإبقاء على الأوضاع بسلبياتها التي ترخي بظلالها على حياة الوطن والمواطنين  ومن نافلة القول التذكير بان كل القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد تتفق على الخيار الديمقراطي السلمي التدرجي والابتعاد عن كل مامن شانه إثارة الفتن والشقاق داخل الوطن السوري ولم يعد لائقا أن يكون العالم ممثلا ببعثاته الدبلوماسية ومراسلي وكالات أخباره شهودا على محاكمة الوطنيين السوريين المطالبين بالتغيير والإصلاح وتصدر البيانات عن ممثلي منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان في أصقاع العالم استنكارا وتنديدا للأحكام التي تصدر بحقهم
    
*كاتب كردي سوري

5-2-2009    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…