الحركة الكردية بين إرادة الوحدة ووحدة الإرادة

 

الوحدة – يكيتي- العدد 155*
بالعودة إلى للأجواء والظروف التي أحاطت بالإعلان عن أول تنظيم سياسي كردي في عام 1957، يتأكد أن سنوات ما بعد الاستقلال التي كان يفترض بها أن تشهد ترجمة وتجسيد الشراكة الوطنية التي وقفت وراء تلاحم جميع مكونات الشعب السوري في نضالها لتحقيق الجلاء، وبناء دولة المواطنة، التي يجد فيها كل طرف ذاته ويتمتع بحقوقه ويؤدي بالتالي واجباته، فإن الشوفينية أخلّت بالعقد الوطني الذي كان يفترض بموجبه أن يجعل من سوريا وطناً للجميع، لتعمل على تزوير سندات تمليكها للون واحد، ثم لحزب واحد فيما بعد.
ومن هنا، كان على الجانب الكردي الدفاع عن ذاته وممارسة حقه في اختيار ممثل لإرادته ومعبّر عن طموحاته ومدافع عن حقوقه، فكان الإعلان عن هذا التنظيم في 14 حزيران 1957م، والتفاف الجماهير الكردية حول هذا الوليد الجديد، تعبيراً حقيقياً عن وحدة الصف الوطني الكردي في مواجهة التعبيرات الأولى للممارسات الشوفينية التي تعمّدت إنكار الوجود الكردي والتنكر لحقوقه القومية ولشرعية التمثيل السياسي الكردي.
ومع تصعيد السياسة الشوفينية لحملتها المسعورة وتعبيراتها المقيتة من قمع واضطهاد وتمييز ومشاريع عنصرية وقوانين استثنائية، وما تركته، هذه وتلك على الجانب الكردي، من تشوهات وما خلفته من عراقيل أعاقت تطوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، فإن الحركة السياسية المنظمة أصابتها تصدعات خطيرة بدأت في عام 1965 ولم تنتهِ حتى الآن، لا تستند معظمها لمبررات سياسية أو اجتماعية، باعتبار أن أي تنظيم يفترض به أن يعبّر عن وجود تيار سياسي متميز أو عن مصالح فئة أو طبقة اجتماعية معينة، وكان من بين الأسباب التي ساهمت في تلك التصدعات، هو المبالغة في مسؤولية العامل الذاتي عن تأخر الحركة وعدم قدرتها على تحقق بعض أهدافها، وتجاهل العامل الموضوعي والظروف التي أحاطت بالنضال الوطني الكردي وما اعترضته من صعوبات تمثلت في مواصلة سياسة الاضطهاد بشراسة، في ظل وضع داخلي سوري تميز بضعف المعارضة الوطنية وتفككها، وانعزال النضال الوطني الكردي عن النضال الديمقراطي العام، إضافة لظروف إقليمية جعلت القضية الكردية عموماً مستهدفة من جانب الدول التي تقاسمت كردستان، ووضعت في مقدمة أهدافها الحيلولة دون تطور الحركة الكردية، والإبقاء على حرمان الشعب الكردي في أي جزء منها من أي دعم إقليمي أو دولي.
أمام هذا الواقع المتميز بالتشتت وتزايد عدد الأحزاب الكردية إلى أرقام لا يقبلها أي تنوع فكري أو سياسي، كان لا بد من إيلاء قضية الوحدة اهتماماً خاصاً، لأنها تعني وحدة الصف الوطني الكردي، وحشد كل الطاقات الوطنية، وترميم أواصر الثقة بين الحركة وجماهيرها، كما تعني توحيد الموقف الكردي الذي يسهّل مهمة إيجاد مرجعية كردية تزداد الحاجة لها الآن أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد ارتفع مستوى القضية الكردية في سوريا إلى مستوى أهمية غيرها من القضايا الوطنية التي تستدعي حلاً عادلاً وعاجلاً.
من هنا، يسعى حزبنا لتحقيق هذه المهمة بالتعاون مع غيره من القوى والفعاليات الوطنية الكردية، انطلاقاَ من إحساسنا بالمسؤولية ومن إيماننا بأن جسامة هذه المسؤولية تستدعي حشد كل الطاقات الوطنية التي لا يمكن تأمينها إلا من خلال الوحدة بكل أشكالها، بما فيها الوحدة التنظيمية التي يملك فيها حزبنا رصيداً جيداً وخبرة مقبولة، حققنا في مجالها تقدماً ملحوظاً واعترضتنا على طريقها بعض الصعوبات، وأصبح حزبنا بوضعه الحالي وبإمكاناته الجيدة وانتشاره الواسع وسياسته الموضوعية وريثاً شرعياً لأكثر من عملية وحدوية.

ولذلك نعتقد أن ليس بإمكان أي أحد أن يشكّك في إرادة الوحدة لدى رفاقنا، لأن تلك الإرادة التي وقفت وراء تلك العمليات الوحدوية الغنية بما لها وما عليها، أكسبتنا بالمقابل معرفة أعمق بشروط ومستلزمات النجاح، التي تأتي الإرادة في مقدمتها، وكذلك بأسباب الفشل في أي عمل وحدوي، ولذلك، فمن الخطأ خوض تجربة فاشلة تؤثر سلباً على إرادة الوحدة مستقبلاً، مثلما هو من الخطأ التردد في الإقدام على وحدة استكملت شروط نجاحها.
وعلى الطريق الآخر للوحدة – أي وحدة الموقف وتأطير نضال الحركة- فإننا، ورغم كوننا جزء من التحالف الديمقراطي الكردي الذي لا نتعامل معه كهدف بحد ذاته، إنما كإطار يجب أن يكون مفتوحاً للجميع، أو بمعنى آخر، نتعامل معه كمحطة على طريق إطار أوسع، ومن هنا، فإننا نعتقد بأن التفريط به دون بديل أفضل لا يعتبر تصرفاً حكيماً، ولذلك، وفي إطار العمل على أكثر من خط نضالي تلتقي عند هدف وحدة الإرادة الوطنية الكردية، فإننا نعمل على تفعيل دور التحالف وتنشيط هيئاته من جهة، ونعمل من جهة ثانية على وضع الترتيبات اللازمة لبناء المرجعية السياسية الكردية المطلوبة، ولا ننسى أن سياسة الممكنات, لا سياسة النوايا والطموحات، هي التي تحكم تحركاتنا على هذا الطريق.

فالهيئة العامة ، كنا ولا نزال نريد لها أن تكون إطاراً أوسع وأفضل من التحالف والجبهة معاً، والرؤية المشتركة للحل الديمقراطي العادل للقضية الكردية، كنا نتمنى لها، ونعمل أن تكون أن تكون برنامج الحد الأدنى لذلك الإطار المنشود.

وبنفس الروحية نريد للأطراف الكردية الأخرى خارج الإطارين أن تساهم في تعديل وتطوير هذه الرؤية لتتوحد عند بنودها الإرادة الوطنية الكردية ومواقف الأطراف المشاركة، وتبنى على أساسها هيئة العمل الكردي المشترك التي يمكن أن تكون إضافة لمهام تنسيق المواقف وتنظيم العمل المشترك، بمثابة لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني كردي في سوريا، الذي طال الانتظار لعقده وحان الوقت للتعجيل في إنجازه، خاصة في هذه الظروف المرشحة لتطورات هامة قد تداهم الوضع الكردي في غياب مركز لقراره ومرجعية تمثل الشعب الكردي تتناطح بعض الجهات والأفراد من أجل بنائها بعيداً عن مناخها الطبيعي وموقعها الحقيقي في الداخل، مثلما تجهد لسحب المبادرة والقيادة من الحركة الكردية المنظمة تحت حجج ومسميات لا تنطلي على أحد، لكنها بالمقابل تدفع أطراف هذه الحركة ليس فقط للدفاع عن دورها، إنما كذلك حماية القضية الكردية التي يتصاعد الخط البياني لمستوى الاهتمام بها، من الاستغلال والاستثمار الخاطئ، وكذلك من الانعزالية التي تنتعش في المجتمع الكردي كردّ فعل سلبي على سياسة القمع والإنكار والتجاهل التي تمارسها السلطة، والتي-أي الانعزالية- تهدد بحرمان شعبنا الكردي ونضالنا الديمقراطي من طاقات قوى وطنية حليفة وقعت بعضها حتى عهد قريب تحت تأثير التفسيرات المضللة التي شوهت القضية الكردية من قبل السياسة الشوفينية بين أوساط الرأي العام الوطني السوري، لكن التقاء الجانب الكردي مع ما يقابله من شركاء وطنيين في إطار إعلان دمشق، من شأنه فتح أبواب المجتمع السوري أمام الحقيقة الكردية التي لن تبقى رهينة الإنكار والتضليل، بقدر ما يجب أن تبقى بعيدة عن هيمنة الخطاب الانعزالي الذي لا يميز كثيراً بين العرب كقومية وبين الأنظمة وممارساتها القمعية، والذي يخاطب العواطف البدائية، ويدفع أحياناً بالأصدقاء من النخب العربية الأكثر انفتاحاً على القضية الكردية إلى اصطفاف البعض منها إلى جانب أنظمتها، ويضعف دور البعض الآخر في التضامن مع قضية شعبنا المضطهد.
ومن هنا ، فإن الحركة الكردية مطالبة ، في سعيها لبناء علاقات شراكة وطنية سليمة، وبناء تحالفات متينة تدخل في إطار بناء تحالف وطني مع تلك النخب والقوى الديمقراطية السورية، بالبحث عن القواسم المشتركة في إطار ممكنات العمل السياسي، فالتاريخ لا يملي حقائقه دائماً على البرامج السياسية، بل تتدخل عوامل أخرى منها طبيعة المرحلة وتوازنات القوى وإمكانات التطبيق وحسابات الربح والخسارة في القاموس السياسي، لتبني ما هو ممكن ومفيد وترك ما يتبقى لخصوصية الطرف المعني.
________________________________

* الجريدة المركزية الشهرية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا – يكيتي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…