في مهزلة مثيرة للضحك والبكاء اقترفت مجاميع انفعالية من أعضاء مجلس النواب العراقي واحدة من المهازل التي لا تقل في مزايداتها وألاعيبها عما حصل في الثاني والعشرين من تموز الماضي في صفحة من صفحات تلك الثقافة البائسة التي ما زالت تعشش في زوايا ومفاصل كثير من مؤسسات عراقنا الجديد ومراكز قراره وتشريعاته.
لقد بدأ الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة اولى خطوات الحل العقلاني للقضية الفلسطينية بمشروعه الذي رفضته ذات الأصوات التي سمعناها في مجلس نوابنا والتي راحت اليوم تبحث على عشر ما حصل عليه في ذلك الوقت الحبيب بورقيبة، وكذا فعل الرئيس المصري أنور السادات برحلته التاريخية إلى إسرائيل بعد أن استأذن كل العرب وراح يخاطب العدو في عقر داره ليصنع السلام والنصر بدلا من الكذب والنفاق والمزايدات، ولو وافق هؤلاء في حينها وأشباههم لحصل الفلسطينيون ودول الجوار هناك على أكثر مما تحاول الحصول عليه اليوم.
واليوم وبعد سنوات من المهاترات والكذب على الجماهير فان العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل اليوم هي على أحسن ما يرام وبالذات مع الإخوة الفلسطينيين أصحاب الشأن والجرح سواء من كان منهم في إمارته بالقطاع أو في حكمه الذاتي برام الله، ولعل لقاءات الود بين الرئيس الفلسطيني والإسرائيلي تؤكد نفس الروحية في لقاءات الملك الأردني أو المصري مع أولاد العم في تل أبيب، وما شاهدناه قبل فترة من مشاهد الصداقة والود في زيارة المسؤول الإسرائيلي الرفيع ووزيرة الخارجية إلى قطر وقناتها المناضلة والمجاهدة تؤكد تطور العلاقة وتجعل الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات قرير العين في برزخه الأبدي مع الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة.
وليست بقية الدول العربية وأعضاء المؤتمر الإسلامي سواء ما كان منها في العلن أو ما كان منها بين أحضان الحليف الأكبر في بلاد العم سام وأشقائه في بريطانيا أفضل من هذه الدول التي تتمتع بعلاقات ودية جدا مع الكيان الصهيوني!.
وهنا دعونا نتوقف برهة عند إخوتنا في الدين وحزبهم المتدين الذي يقود البلاد في بقايا إمبراطورية بنو عثمان في آسيا الصغرى (تركيا) وعلاقتهم بإسرائيل منذ تأسيسها وحتى مبادراتها الإنسانية في الحوار السوري الصهيوني الأخير، كما نتذكر هنا للفائدة صفقات حزب حسن نصر الله مع إسرائيل والمسرحيات التي تلي كل لقاء واجتماع بالنصر المبين؟.
وإذا كان لابد من (تجريم) السيد مثال الالوسي فعلينا أن نكشف كما قال كل الأوراق والملفات لكثير من الذين يتبجحون بمزايداتهم الفهلوية وانفعالاتهم الساذجة وخطاباتهم العنترية ونتساءل هنا بكل حسن نية وحرص على الجميع:
حول العمالة وتعريفاتها:
هل للعمالة تعاريف عدة ومستويات عالية ومنخفضة وهل هناك عمالة سلبية وأخرى ايجابية؟ أم أن المبدأ واحد في العملية برمتها؟
ما الفرق في أن تكون عميلا لإسرائيل أو أمريكا أو إيران أو سوريا أو حتى بنكلاديش؟
حول الخيانة ومفهومها:
هل للخيانة معنى غير الذي ادركناه غريزيا منذ الأزل؟ وهل هناك كما في العمالة مستويات للخيانة؟
ما الفرق بين خيانة صدام حسين وازلامه للعهد مع الكورد وزعيمهم مصطفى البارزاني في محاولة اغتيال الزعيم بعد اتفاقية آذار بعدة أشهر، وبين خيانة نواف زيدان الحامد لأنجال صدام حسين عدي وقصي في الموصل؟
وأخيرا في موضوع زيارة السيد مثال الالوسي إلى إسرائيل:
هل الآخرين ممن رفعوا عنه الحصانة البرلمانية مؤهلين وطنيا في أن يتصدوا لزيارته ويسقطوا حصانته هكذا؟
وهل أن زيارة طهران وأجهزتها الخاصة وفيالقها القدسية والتنسيق معها في الصغيرة والكبيرة أكثر طهرا من زيارة الالوسي إلى إسرائيل، وخصوصا إن ما بيننا وبين الجارة إيران بحور من الدماء والقتلى وعشرات الآلاف من المعاقين ومليارات من الأموال والتعويضات مقارنة مع اسرائيل ؟
وكذا الحال مع الحكومة السورية ومخابراتها الضالعة في كل صغيرة وكبيرة منذ سقوط النظام السابق وحتى يومنا هذا، ومع الدولة التركية وتعاون العديد من أعضاء البرلمان بل والأحزاب السياسية معها ومع أجهزتها الخاصة كما يعرف الجميع في زياراتهم المكوكية حول الشؤون العراقية البحتة بما يعيق بناء العراق واستقراره؟
كنت أتمنى أن نسجل سابقة برلمانية متحضرة فنستدعي السيد مثال الالوسي إلى الحوار بهدوء وبروح وطنية أصيلة وبعيدة عن الإسقاطات والتهم الجاهزة ومناقشته كشخصية وطنية عراقية مرموقة عن سبب زيارته إلى إسرائيل وما فائدة تلك الزيارة للوطن العراقي وما جناه للعراق بحضوره ذلك المؤتمر، من خلال هيئة متخصصة من لجان الشؤون الخارجية في البرلمان والأمن والدفاع ومستشار الأمن القومي ومتخصصين في العلاقات السياسية والقانون الدولي ووزارة الخارجية لكي نظهر للعالم إننا قد تقدمنا أنملة باتجاه بناء دولة ديمقراطية متحضرة، كما أقترح الدكتور فؤاد معصوم عن قائمة التحالف الكوردستاني.
وأخيرا علينا أن نتذكر جيدا إن الدول الممنوعة من السفر في الجواز العراقي أيام النظام السابق ولعقود طويلة كانت: إسرائيل وإيران وسوريا، وقد تم إسقاط دولتين منهما لحد الآن وهذا يعني إننا نتجه إلى رفع المنع كليا عن كل دول العالم ما عدا المريخ!؟