أحلام ساذجة

  افتتاحية نشرة يكيتي *

بعد مرحلة من الهلع والخوف عاشتها الأنظمة الدكتاتورية قلقاً حقيقياً على وجودها وبقائها، تنفست الصعداء بعد التحرك العسكري الروسي في القوقاز، وتدخل قواتها داخل الأراضي الجورجية، وتهديدها أمنَ واستقرارَ هذا البلد (رغم عدالة القضية الأوسيتية والأبخازية)، لترتفع أصوات كانت قد خبت منذ سنوات “خاصة أصوات العروبيين” لتبشر بفصل جديد من الحرب الباردة السيئة الصيت، وأن روسيا بعودتها إلى ساحة الصراع الدولي ستعيد الحيوية إلى المشاريع والسياسات التي كانت قد باتت من الماضي وصارت ميؤوسة منها.

وكأن روسيا، إن عادت إلى الصراع، فهي ستعود لا لاعتباراتها الخاصة، بل لتدعم الأنظمة والعروش المتأرجحة، والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من السقوط

 

أو كأن مشكلة المواطن العربي أو الشرق أوسطي، هي مشكلة وجود أو عدم وجود ثنائية قطبية، وأن لا علاقة لمعاناته بالنظام العربي الفاسد، وأنظمة الحكم الدكتاتورية التي استغلت الفجوة بين المعسكرين طيلة الحرب الباردة، لتتغول على شعوبها، وتمتهن كرامة مواطنيها.

من جانب آخر، هذه الأصوات وهؤلاء الحالمون المراهنون على دور روسي في إعادة إقامة مظلة آمنة لنظام إقليمي تعفن عبر عقود مضت، كأنما هم على قناعة بأن روسيا لا يمكنها أن تتخلص من إرثها القيصري أو السوفيتي في دعم الدكتاتوريات في العالم! وهذا اتهام للشعب الروسي الذي عانى الكثير وعمل الكثير للتخلص من دكتاتورية أنظمته البائدة.

وهؤلاء لا يريدون أن يدركوا أن الشعب الروسي بدأ، منذ إسقاطه النظام السوفيتي البائد، يعيد النظر في ثقافته السياسية، ويعي ترتيب ذاته بما يتلاءم والطبيعة المتجددة للعالم، وهم يصمون آذانهم عن سماع الأصوات القوية التي تصدر عن تيارات ومؤسسات المجتمع المدني الروسي، والتي تعمل على وضع حد لعلاقات بلدهم بالنظم الشمولية والدكتاتورية، والمارقة، والخارجة عن القانون، وهم لا يعلمون أيضاً أن رجال فكر روس كباراً ورجال أعمال ذوي تأثير، يعملون مع البرلمان على تصحيح المسار التاريخي للدور الروسي في العالم، معلنين رفضهم لأية علاقة لبلدهم بأنظمة الحكم الفاسدة عبر العالم، ويعملون من أجل أن تتبوأ روسيا مكاناً لائقاً بشعبها، في مواجهة الاستبداد، ودعم حقوق الإنسان.
إن رهان الأنظمة، على حرب باردة جديدة، مقامرة بمصالح شعوبها، وهدر للوقت والإمكانات، ويكشف حقيقة الأنظمة المستعدة دوماً للتضحية بشعوبها، من أجل بقائها، وتعمل أي شيء سوى احترام شعوبها، وصيانة كرامة مواطنيها.

في هذا السياق جاء الموقف الرسمي السوري من الحرب في القوقاز، حيث أعلنت على لسان رئيسها، ومن العاصمة الروسية، دعمها للعدوان الروسي على جورجيا وفي السياق ذاته تأتي الرحلات المكوكية بين دمشق وطهران وأنقرة، وبالتنسيق مع تيارات عنصرية عراقية (من أيتام صدام) والإصرار على الاتفاقات الأمنية، والتآمر التاريخي على الأمة الكردية وتطلعاتها التحررية، ومحاولات وضع العصي، في عجلة الديمقراطية العراقية الناشئة، والخروج على الدستور والتنصل من تطبيق المادة 140 المتعلقة بتطبيع الأوضاع في محافظة كركوك.

لم يكتف التحالف التركي الإيراني السوري، بالتآمر على الديمقراطية والقضية الكردية في هذه البلدان، بل عملت على احتضان ودعم الدكتاتوريات الإفريقية من خلال مؤتمر اسطنبول للتعاون التركي الأفريقي، الذي حضره الخارج عن القانون، والمطلوب للقضاء الجنائي الدولي <عمر حسن البشير > ليتحدى العلام من هناك،  ويعلن رفضه لأي قرار دولي، يتعلق بمحاكمته، أو محاكمة أي مجرم من مجرمي حربه الدارفورية، ومن الممكن أن يتبين فيما بعد، أن الرهانات ذاتها، والحلف ذاته، يقف خلف الانقلاب على الديمقراطية الناشئة في موريتانية.

ولكن الذي غاب عن بال هؤلاء الحالمين المراهنين، هو أن العالم من أقصاه إلى أقصاه، قد مل وسئم الحروب الباردة والساخنة، وهو أكثر مللاً وقرفاًَ من الأنظمة الدكتاتورية الناكرة لحقوق الشعوب، وغاب عنهم  أن روسيا فعلت ما فعلت بداعي مصالحها الإقليمية, وهي لا تعدو عن كونها زوبعة تهدف روسيا من ورائها الابتزاز وتحقيق بعض المكاسب, وهي غير قادرة على تغيير مسار التاريخ, الذي بدأ يتكون من جديد, ويكون معه، نظاماًَ عالمياًَ جديداًَ متلائماًَ مع ظاهرة العولمة وإفرازاتها، ولو فرضنا أن روسيا راغبة في سباق تسلح جديد، فلا يمكن أن تكون هذه الرغبة مستمدة من رغبة أنظمة حكم راغبة في إطالة بقائها، والقارئ الحصيف للوضع العالمي والروسي يكتشف بسهولة أن لا إمكانية لعودة الحرب الباردة من جديد، ولكن هناك رغبة روسية في استثمار الفجوة الحاصلة عن السباق إلى البيت الأبيض، وقرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لتعزيز بعض المواقع والمصالح.
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: ماذا حققت هذه الأنظمة في ظل الحرب الباردة السابقة، لتبتهج لحرب باردة جديدة؟ والجواب مكتوب في سجل معاناة شعوبنا وعذاباتهم، محفوظ على جدران المعتقلات وزنزانات السجون!
——

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد /160/ آب /2008 م/

 

لقراءة مواد العدد انقر هنا  yekiti_160

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…