سوريا بين الانفراج الخارجي والتصعيد الداخلي

افتتاحية صوت الأكراد *

إن سوريا والتي باتت دولة في قلب الأحداث والقضايا الإقليمية بحكم العديد من الملفات العالقة والمتعلقة بها والتي شهدت تصعيداً خطيراً في السنة المنصرمة وسط توقعات العديد من المحللين والمراقبين السياسيين باحتمال تعرضها لضربة عسكرية مؤلمة من قبل إسرائيل وأمريكا.

إلا أن العام الجديد وخاصة الشهرين المنصرمين شهد انفراجات سريعة وعلى مسارات متعددة كانت معقدة جداً ومحتقنة بشدة ومنها المسار السوري الإسرائيلي والذي انتقل من التلويح بضربة عسكرية ضد سوريا واحتمال نشوب حرب بين الطرفين إلى غارات عسكرية جوية فعلية في أعماق سوريا وقصف مواقع في دير الزور عبر الأراضي التركية إلى مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بوساطة ورعاية تركية .

 

وكذلك الملف اللبناني الذي تصاعدت حدته وشدته حتى كاد يعيد البلد ( أي لبنان ) إلى اتون حرب أهلية حقيقية خاصة بعد لجوء حزب الله إلى استخدام السلاح ضد الأغلبية في بيروت وسيطرته على أجزاء واسعة من العاصمة والذي حصلت فيه انفراجات بعد اتفاقية الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للبنان وتكليف السنيورة برئاسة الحكومة والاتفاق على تشكيل حكومة والبيان الوزاري ، هذه التطورات اللبنانية وإن لم تلامس جوهر القضايا الخلافية الحقيقية والتي تعد بمثابة هدنة قابلة للتطور بمختلف الاتجاهات ، وقابلة للانتكاس ، فكل الخيارات والاحتمالات لاتزال قائمة ، ولكن حالياً يعتبر هناك انفراج نسبي وفسحة من الأمل والعمل لتحقيق تحولات إيجابية .

وكذلك الصراع بين حماس وفتح والذي وصل إلى طريق مسدود ورغم الأزمة الأخيرة بين الطرفين ولكن تبدو في الأفق بوادر احتمال فتح حوار بين الطرفين وحصول انفراج بينهما وكذلك فإن احتمالات التهدئة بين إسرائيل وحماس باتت قائمة وممكنة في ظل الأجواء السائدة ، وكذلك قد يذوب الجليد بين سوريا وبعض الدول الأوربية المهمة خاصة فرنسا ، والملف الوحيد الذي يتجه نحوالتصعيد هو البرنامج النووي الإيراني .

في ظل هذه الأجواء ( اجواء الانفراج النسبي ) والذي لم تتحدد ملامحه ولم تنظم مساراته الحقيقية وإن الأوضاع مفتوحة على كل الخيارات ولكن الاحتمالات المتقاطعة والمتعاكسة من إمكانية حصول سلام بين سوريا وإسرائيل وتهدئة وترتيبات إقليمية إلى احتمال نشوب حرب بين الطرفين وأوضاع إقليمية اكثر تصعيداً من ذي قبل .
إزاء هذه الأوضاع والاحتمالات المتعددة والخيارات المفتوحة فلابد لكل طرف أن يسعى إلى تقوية مركزه في هذه الترتيبات للتعامل مع مختلف المسارات والخيارات ، وسوريا كدولة معنية بكل ذلك يتوجب عليها إعادة ترتيب أدواتها وفق صياغة تمنحها القوة الحقيقية المستندة على ذاتها وشعبها للتعامل مع القضايا على أرضية صلبة ومستقرة غير خاضعة للتحالفات الإقليمية والدولية وتبدلاتها ومصالحها الوقتية ، وهذا يتطلب انفتاحاً شاملاً وعميقاً على الشعب السوري بمختلف مكوناته القومية وتياراته الفكرية والسياسية عبر حوار شامل على قاعدة الشراكة في الوطن والتكافؤ في الحقوق والواجبات بعيداً عن الهيمنة والوصاية والاستئثار ، انفتاحاً داخلياً يتماشى مع الانفراجات الخارجية ويعزز من دورها ، ولكن الذي يجري على أرض الواقع ( في الداخل السوري ) هو عكس المطلوب ، فلايزال القمع والتنكيل هو الأساس في التعامل ، ولاتزال جميع السياسات والإجراءات المنافية لأبسط القواعد الديمقراطية المناقضة لحقوق الإنسان ، وكذلك المناقضة للمصلحة الوطنية العليا والمتمثلة في الأحكام العرفية وحالة الطوارئ وإلغاء الحياة السياسية الحقيقية من إلغاء للتعددية السياسية ، واستمرار المادة الثامنة من الدستور ، وغياب أي قانون عصري للأحزاب وآخر للمطبوعات ينظمان الحياة السياسية والإعلامية في البلاد واستمرار الاعتقالات الكيفية خاصة لمناضلي إعلان دمشق والحركة الكردية في سوريا ومنهم محمد موسى ومشعل التمو والأستاذ شكري حسن رئيس الجالية الكردية في السعودية ، ونشطاء حقوق الإنسان والرأي واتساع الحظر على سفر أعداد متزايدة من الساسة السوريين (منع المغادرة ) والاستجوابات الأمنية المتكررة والمتزايدة باضطراد .
ثم جاء قرار مكتب الأمن القومي مؤخراً في أواخر أيار بمنع التجمعات والاحتفالات ليشكل عنواناً لمرحلة جديدة من التعامل مع الداخل السوري قوامها المزيد من الضغط على القوى الوطنية الديمقراطية وعلى نشطاء الرأي والفكر والمزيد من القمع والتنكيل بقوى المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية ، وبقاء جميع القضايا الوطنية والتي بحاجة إلى حلول سريعة وتشكل دعامة أساسية للوحدة الوطنية الحقيقية الراسخة ، وحدة قائمة على الأرض وليس على صفحات الجرائد إن وجدت طريقها إلى الحل ومن بينها قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي الحقيقي في سوريا ، وكذلك الإصلاح الاقتصادي وقضايا حقوق الإنسان والقوميات ومن بينها قضية الشعب الكردي ، وإن استمرار جميع هذه القضايا عالقة دون حل او حتى بدون حوار حقيقي لإيجاد الحلول المناسبة يعني هناك عزوف واستنكاف حقيقي من قبل السلطة للبحث عن وحدة وطنية حقيقية تشكل الأرضية والقوة الذاتية لسوريا في تصديها لجملة التحديات التي تواجهها ، وإن التصعيد الداخلي بات يشكل عنوان المرحلة بعكس الانفراجات النسبية الحاصلة خارجياً .
———
* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد (405) آب 2008

لقراءة مواد العدد انقر هنا  denge.kurd_405

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بالرغم من أنَّ التصرف الأخير للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي تمثل في حرصه الشديد على خلاص ذاته وأسرته القريبة فقط، وعدم إخبار حتى أقرب الناس إليه من محيطه العائلي أو السياسي بما سيُقدم عليه في اللحظات المصيرية، يظهر بوضوحٍ تام أنه شخص أناني وانتهازي ومريض نفسياً وغير معني أصلاً بمصير بالطائفة التي يدّعي الاِنتماء…

صلاح بدرالدين ملاحظة برسم شركاء الوطن باالإدارة الانتقالية واذا كان من حق الإدارة العسكرية ذات اللون الواحد تسييرشؤون البلاد بعد نيلها شرف اسقاط نظام الاستبداد – وهو عمل يحظى بكل التقدير – من جانب معظم السوريين الذين ناضلوايضا منذ عقود، وساهموا في اضعاف النظام، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام، ولاشك انهم يتاملون ان يتم تنظيم الحوارات الداخلية…

فرحان كلش الملاحظ أن هناك تكالب دولي واقليمي مثير للريبة على المساهمة في تثبيت أقدام الإدارة الجديدة في دمشق، هذا الإندفاع ربما له أسبابه بالنسبة لكل دولة، فالدول الغربية تنطلق من الخطورة التي تشكلها الأحزاب اليمينية المعادية لللاجئين والتي تهدد الحكومات اليسارية واليمين الوسط الأوربي، لذلك نشهد أن هذه الحكومات تتقاطر إلى دمشق والمؤتمرات الخاصة بها بهدف التخلص من ملف…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* يتجلّى الحل الحقيقي لمشكلة الاستقرار والأمن والتعايش في إيران والشرق الأوسط بشكل أوضح، يوماً بعد يوم. وهذا الحل هو “إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه الحاكم في إيران”. فلماذا؟ قبل التطرق إلى الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإقرار بحقيقة جلية وهي أن القوة الوحيدة التي وقفت منذ البداية موقفًا راسخًا ضد دكتاتورية ولاية الفقيه،…