صلاح بدرالدين
خصوصية يسارنا
من المتعارف عليه على الصعيد الكوني أن مصطلح اليسار يقتصر على الصراع الطبقي والقضية الاجتماعية وهذا صحيح كقاعدة عامة مع استثناءات حدثت في أكثر من مكان ومع أكثر من حركة وحزب وتجسدت في تجربتنا بخصوصيته المميزة الى أبعد الحدود : مثقفون من معلمين وطلبة متحدرون من الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة وأفراد من نخب الريف الفلاحي وكسبة المدن والبلدات مكتوون باضطهاد مزدوج قومي من السلطة واجتماعي من بني جلدتهم أخذوا على عاتقهم التصدي لمهام انجاز انقاذ الحركة القومية الكردية واعادة بنائها مسترشدين في تحركهم بالنظرية العلمية وخبرة الحركة الثورية العالمية وتجارب شعوب المنطقة
فقد حمل اليسار القومي الديموقراطي الكردي مشروعه المتقدم المتمحور حول القضية الكردية في مواجهة مشروع السلطة الدكتاتورية الشوفينية حول المسألتين الوطنية والقومية ووضع في أولويات مهامه التصدي العملي لمخطط الحزام العربي عبر العديد من الاجراءات ومنها سرية لم تكشف عنها حتى الآن والبدائل الأخرى الممكنة من بينها المشاركة في تحركات الفلاحين الكرد في مقاومة المخطط التي حصلت في عدة مناطق (علي فرو وكري بري …) مقدمة الشهداء والجرحى والمعتقلين وتوزيع البيانات والمنشورات في كافة مناطق وبلدات الجزيرة في وقت واحد وفضح وتعرية المخطط العنصري على المستويات الوطنية والاقليمية والعربية والعالمية وسجل تفوقا بارزا في روحية الابتكار وطرح المبادرات والتحليل السليم سوريا وكرديا وقد تمكنت القيادة في وقت قصير من صياغة برامج متعددة حول التحالفات والعمل المشترك في الساحتين القومية الكردية والوطنية السورية والكردستانية والتغيير الديموقراطي في البلاد أقرها المؤتمر الثالث المنعقد بالقامشلي شتاء العام 1973 اضافة الى نشر أبحاث علمية حول معنى اليسار ومسألة الشعب والأقلية, كما أعاد تصحيح وصياغة العلاقات القومية السليمة من جديد وخاصة مع ثورة ايلول باللقاء مع قائدها الخالد مصطفى البارزاني في ربيع العام 1967 وكان وفدنا برئاسة كاتب هذه السطور والخطوات اللاحقة كانت باتجاه الحركة الكردية في الجزئين الآخرين حيث أرسيت علاقات التعاون مع الحركة القومية الكردية اليسارية الفتية في تركيا بقيادة الدكتور – شفان – الذي اتخذ المناطق المحررة في ثورة ايلول قاعدة لنشاطه السياسي والاجتماعي كطبيب ووضع اللبنة الأولى لقيام “حزب عمال كردستان تركيا” فيما بعد الذي كان أمين عامه الأول المناضل – عمر جتن – كما تم التواصل مع قيادة “حزبي ديموقراطي كردستاني ايران” المتواجدة في المناطق ذاتها وسكرتيره الراحل “أحمد توفيق” هذا بالاضافة الى الانفتاح على الأقليات الكردية في المنطقة وخصوصا في لبنان والأردن وتقديم الدعم الثقافي اللازم لبناء المؤسسات مثل “رابطة كاوا” و”الجمعية الثقافية الاجتماعية الكردية في بيروت “وجمعية صلاح الدين الخيرية في عمان” وتعزيز الوعي القومي الديموقراطي بين صفوف الجالية في البلدين العربيين , ومن خلال تصفحي لبعض محاضر المؤتمرات والكونفرانسات واجتماعات لجنتنا المركزية ومكتبنا السياسي ولقاءاتنا الثنائية وأكثر على المستوى القيادي في الداخل ولبنان وأوروبا منذ هذا المؤتمر وحتى عام 2002 أي ما يقارب الثلاثين عاما والتي أحتفظ بها مررت على عشرات القرارات والتوصيات حول تجديد أساليب النضال في الداخل واتباعها على أرض الواقع ومن بينها : (المظاهرات السلمية والاعتصامات واقامة تجمعات تضرب عن الطعام ومسيرات نسائية في المناطق الكردية والمدن الرئيسية مثل دمشق وحلب وخاصة في المناسبات التاريخية ذات الصلة بالقضيتين الوطنية والقومية مثل عيد الجلاء وعيد نوروز وقيام الحزب وكونفرانس آب والاحصاء والحزام …) متضمنة أيضا محاسبات وتوجيه اللوم إلى من تقاعس ولم يلتزم بتنفيذ تلك القرارات خاصة من جانب بعض أعضاء اللجنة المركزية ومسؤولي المناطق والجزيرة – الساحة المكتوية بنتائج الاحصاء والحزام – منها على وجه الخصوص هكذا اذا لم تكن العلة في الموقف السياسي وابتكار أساليب النضال بل في العامل القيادي الذاتي بالداخل أما بشأن حصول تطورات – مفاجئة ! – في هذا المجال بعد ذلك فرغم تقديري اللامحدود لمن سجن وتشرد وعمل بتفان وبمنتهى الاخلاص أرى أن المسألة تحتاج الى أكثر من وقفة بانتظار تقييم ومتابعة المعاصرين والمتابعين , خاصة في مجال تزامن بعض التحركات مع عملية الانشقاق الشهيرة في الجسم اليساري التي صفق لها مكتب الملف الكردي في الأجهزة الأمنية السورية الهادف أصلا الى تصفية اليسار القومي خاصة وتفتيت الحركة الكردية عامة وزرع الموالين لها في قيادات ما تبقى من الأحزاب بواسطة العصا والجزرة قد نأتي في يوم ما على كشف المستور عندما تقضي مصلحة الحركة بذلك , وانطلاقا من فهمنا لطبيعة ودوافع الانشقاقات تلك واطلاعنا على بعض مداخلات السلطات في احداثها لم نسجل على أنفسنا ولو لمرة واحدة أي تشجيع من جانبنا لتلك الظاهرة حتى مع خصومنا .
الخطوط الحمر
أربعة مسائل اعتبرتها السلطة تجاوزا للخطوط الحمر وتهديدا لأمنها القومي : تمسك اليسار بالحقوق القومية لشعب غرب كردستان الذي يعيش على أرضه التاريخية في اطار مبدأ حق تقرير المصير والارتهان للحل الوطني الديموقراطي عبر التلاحم مع المعارضة العربية السورية والتوازن بين الجانبين الوطني والقومي وما استدعى ذلك من انفتاح وتفاعل مع الحركة القومية الكردستانية وتحديدا مع ثورة ايلول وقائدها البارزاني وماتطلب ذلك من جرأة وتضحية في ذلك الزمان ومد جسور علاقات التعاون مع قوى حركة التحرر العربية خارج سورية والفلسطينية واللبنانية على وجه الخصوص وكان ذلك الاختراق الأول لتدشين وتعميق البعد الخارجي والدعم العربي للحركة الكردية في سورية وهذا ما أدى الى اقتصار الصراع السياسي على الساحة الكردية لعدة عقود على المواجهة الفكرية والثقافية والميدانية بين مشروعي كل من اليسار من جهة والسلطة من الجهة الأخرى مع دور هامشي تابع ومعرقل أحيانا لنهج اليمين الكردي خاصة في مجال تزويد السلطة بالمعلومات منذ أواسط سبعينات القرن الماضي حول مشاريع اليسار في مواجهة المخططات العنصرية مثل – الحزام العربي – وبث الاشاعات وهذا ما دفعت الأوساط الشوفينية الحاكمة وحسب الوثائق المتوفرة وشهادات ناشطين من المعارضة السورية الراهنة الذين تبوأ بعضهم مواقع أمنية في دمشق والمناطق الكردية سابقا والممارسات على أرض الواقع باعتبار محاربة اليسار تنظيما وقيادة شغلها الشاغل وقد لاحظ ذلك كل الفئات الوطنية الكردية والقوى السياسية السورية خاصة بعد تشديد الحصار والملاحقة والطرد من الوظائف والحرمان من الجنسية والحقوق المدنية على كل من له صلة قربى ببعض قادة اليسار الى درجة اقدام أوساط مصدر القرار في القصر الجمهوري ومنذ ذلك الوقت با البدء في وضع أسس مكتب خاص للملف الكردي بعهدة الملازم الأول – اللواء محمد منصورة ومنحه الصلاحيات الادارية والمالية المطلقة خاصة بعد توسع واشراف ذلك المكتب على كل مايتعلق بالقضية الكردية في سوريا والجوار .
نقد ذاتي
علينا وفي خضم سرد الحقائق وتسجيل انجازات حزب آب أن لانخفي حقيقة أخرى وهي الاعتراف بعجز الحزب عن تحقيق الكثير من أهدافه واخفاق قيادته في تنفيذ التزاماتها القومية والوطنية في كثير من المراحل والمناسبات لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى وصعوبة الظروف المحيطة بدرجات تالية والأمنية منا خاصة وقصور في الادارة السياسية بشكل عام كما فشلت القيادة وأنا من ضمنها في صيانة وحدة الحزب الذي توسع وتمدد وأصبح مقبولا من الجماهير الكردية ويحظى باحترامها بسبب نهجه السليم وتفانيه وتمسكه الثابت بالحقوق القومية وكذلك الفشل في قطع الطريق على الانشقاقات والحفاظ على الكادر المتقدم الذي بذلنا الجهود في اعداده وتوعيته مع التردد في التصدي الناجز لمخططات السلطة في تفتيت الحركة السياسية الكردية حيث ما زالت آثارها ونتائجها تتفاقم يوما بعد يوم , كما علينا الاعتراف بالتقصير في تعزيز وتطوير وحماية – التحالف الديموقراطي الكردي – الذي تحقق بناء على برنامجنا واقتراحنا وأعلن في بيروت بعد محادثات بين سكرتير – البارتي الديموقراطي الكردي – الراحل – كمال أحمد – وأمين عام – الاتحاد الشعبي الكردي – كاتب هذه السطور ذلك المكسب الهام والانجاز الرائع الذي تلاشى بعد أن تسلل اليمين الى صفوفه.
اعادة تعريف اليسار القومي
حصلت تبدلات جوهرية في الاصطفاف اليساري التقليدي بحكم تواصل الأجيال وعمق التحولات الاجتماعية وتغير ملامحها والتبدل الجوهري في طبيعة وشكل وأجندة حركات التحرر وتطورات الأحداث وبخاصة حدث هبة آذار المجيدة لعام 2004 وتجديد المفاهيم وتغير الظروف السياسية وازدياد القناعة بضرورة حل قضايا الشعوب والقوميات كاستحقاق سياسي ومبدئي وانساني في خدمة السلم الأهلي وكجزء من عملية ردم بؤر التوتر وقطع الطريق على قوى الارهاب أما بخصوص أوجه التباين في تعريف اليسار القومي الديموقراطي ماضيا وحاضرا : حتى قبيل هبة آذار كان الفرز التقليدي لليسار القومي يكاد ينحصر في بقايا نهج كونفرانس آب من تنظيمات وجماعات وفئات وأفراد الا أن الهبة والأسباب السالفة ذكرها أعلاه وضعت حدا لتلك الرؤية بعد أن أثبتت الوقائع والأحداث خروج البعض من وعلى مبادىء آب بعد أن ركبوا موجتها واستظلوا بدفئها ثم باعوها بأبخس الأثمان ووجهوا السهام نحو سدنة – القلعة – من الخلف والارتماء في أحضان مكتب الملف الكردي وانزواء البعض الآخر وضياع البقية الباقية في جدل عقيم حول – جنس الملائكة – حيث بدأت الساحة ومنذ حين – وهذا مبعث للتفاؤل – تستقبل جيلا جديدا من حملة أفكار مطابقة أو مشابهة لنهج آب من مثقفين من الرجال والنساء ومناضلين أشاوس من أصحاب المبادىء والفكر النير وعلى الصعيد الفكري ومن حيث الجوهر فان الجزء الأكبر والأهم من أهداف نهج آب قد تحقق سياسيا وثقافيا في أذهان ووجدان الجيل الكردي الناشىء ومازال قسم من طروحات وشعارات كونفرانس آب قيد البحث والأخذ والرد لم تكتمل أسسها وجوانبها بعد والصراع مستمر بشأنها وقد يطول أو يقصر وهناك قضايا مازالت عالقة دون حل وبعضها تجاوزه الزمن والساحة بحاجة ماسة الى بديل تنظيمي متجدد ومتغير في ظل برنامج الانقاذ القومي والوطني وفي بيئة االمصالحة والاتحاد كرديا وسوريا يتناسب مع مستوى مابلغته الوقائع والمفاهيم يلعب فيه اليسار القومي الديموقراطي كنهج وخط سياسي الدور الغالب والمؤثر بحكم موقعه التاريخي الى جانب التيارات الأخرى في اطر تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة كرديا وسوريا والموضوع ذاته يحتاج الى متابعة وبحث في مجالات أخرى وكنت قد طرحت قبل أعوام مشروعا للمناقشة بعنوان “الحركة الوطنية الكردية في سورية” التزمت به من جهة التنحي الطوعي عن رئاسة حزبي وافساح المجال للجيل الناشىء للقيام بدوره القيادي الجماعي المنتظر بمعزل عن كل من ورد اسمه في ملفات علاقات التواطؤ مع أجهزة السلطة وفي الصراعات والمناكفات والعداوات الشخصية ممن كانوا – ومازالوا – يتزعمون التنظيمات والمجموعات (رؤساء وسكرتيرون واعضاء مكاتب سياسية حيث يقترب العدد الى 120 ويقال بأن هذا الرقم المشؤوم يشكل ثلث جميع أعضاء الأحزاب الكردية داخل البلاد) في حركة قومية ديموقراطية موحدة متجددة وكما هو معلوم لم يتم التجاوب حتى اللحظة مع هذا المشروع سوى الأخذ ببعض بنوده في مسألة ما يسمى – مجالس التحالف – بصورة انتقائية مشوهة بعد افراغه من محتواه.
وفاء لمناضلينا
لابد في هذه المناسبة ومن باب الوفاء استذكار دور وتضحيات جميع من ساهموا في التحضير لعقد الكونفرانس الذي باشر أعماله في قريتي الحبيبة – جمعاية – بمنزل المرحوم – حاجي بوطي – حيث الاستعدادات والمشاورات والحوارات بين الكوادر المتقدمة وممثلي القواعد الحزبية من معظم المناطق وحتى مع آبو أوصمان ورفاقه عندما كانوا نزلاء سجن القلعة بحلب صيف العام 1964 كانت جارية وسبقت الخامس من آب لأكثر من عام (وكان الحضور اكثر من ثلاثين بقليل وأخص بالذكر ودون نسيان الآخرين : الراحلان – محمد نيو – وشمو – وهلال خلف – ونوري حاجي – ومحمد بوطي) وانهمكوا أياما وشهورا في صياغة البرنامج وأعواما في مواجهة التحديات الأمنية والمعيشية والصراع الميداني الفكري والثقافي والسياسي مع النهج اليميني المعروف عنه بمحدودية ثقافته وتخلفه وافتقاره الى الحدود الدنيا من أخلاقيات الحوار الديموقراطي وهذا ما أثقل كاهلنا أكثر بمزيد من الصبر والتحمل انسجاما مع مسؤولياتنا الوطنية وسأستذكر بالتقدير البالغ تفاني وشجاعة عدد كبير من الرفاق الوطنيين المخلصين ومنهم (الراحل أحمد سعيد العربو وأوسكي ونعمتو وسعيد بارودو) كما لابد من تقدير عدد من الرواد الذين تجاوبوا مع نداءات بناة حزب آب (البارتي الديموقراطي الكردي اليساري) وانضموا الى صفوفه بعد حين وخاصة الراحل آبو اوصمان صبري الذي سلمناه أمانة القيادة المرحلية كسكرتير للحزب والأستاذ محمد ملا أحمد والشاعر الراحل جكرخوين الذين غادروا مواقعهم التنظيمية بأوقات متفاوتة وأسباب مختلفة وبخصوص طيب الذكر– آبو أوصمان – فقد غادر من تلقاء نفسه – رغم تشبثنا به – حسب الأصول التنظيمية وفي كونفرانس حضره أكثر من أربعين شخصا ولأسبابه الخاصة تاركا الأثر الايجابي والاحترام الكامل لدى رفاق دربه دون أن يتسنى لنا تحقيق أمنيتنا في التفاعل التاريخي ومن خلال اطار تنظيمي واحد ومؤسسة قيادية موحدة بين مفاهيم وخبرات جيلين : الرواد والشباب وظل الحزب المتسلح بالفكر والثقافة والموقف السياسي والبرنامج وحماية الجماهير سائرا في طريق النضال رغم تبدل الأجيال والأفراد ومن الجائز والممكن – كما يعلمنا التاريخ – لأي نهج سياسي جاد أن يتجاوز كبواته ويعيد بناءه ويستعيد وحدته من جديد اذا ما توفرت الشروط المطلوبة من موضوعية وذاتية وهذا ما ينتظره الوطنييون الكرد بفارغ الصبر.
الخطوط الحمر
أربعة مسائل اعتبرتها السلطة تجاوزا للخطوط الحمر وتهديدا لأمنها القومي : تمسك اليسار بالحقوق القومية لشعب غرب كردستان الذي يعيش على أرضه التاريخية في اطار مبدأ حق تقرير المصير والارتهان للحل الوطني الديموقراطي عبر التلاحم مع المعارضة العربية السورية والتوازن بين الجانبين الوطني والقومي وما استدعى ذلك من انفتاح وتفاعل مع الحركة القومية الكردستانية وتحديدا مع ثورة ايلول وقائدها البارزاني وماتطلب ذلك من جرأة وتضحية في ذلك الزمان ومد جسور علاقات التعاون مع قوى حركة التحرر العربية خارج سورية والفلسطينية واللبنانية على وجه الخصوص وكان ذلك الاختراق الأول لتدشين وتعميق البعد الخارجي والدعم العربي للحركة الكردية في سورية وهذا ما أدى الى اقتصار الصراع السياسي على الساحة الكردية لعدة عقود على المواجهة الفكرية والثقافية والميدانية بين مشروعي كل من اليسار من جهة والسلطة من الجهة الأخرى مع دور هامشي تابع ومعرقل أحيانا لنهج اليمين الكردي خاصة في مجال تزويد السلطة بالمعلومات منذ أواسط سبعينات القرن الماضي حول مشاريع اليسار في مواجهة المخططات العنصرية مثل – الحزام العربي – وبث الاشاعات وهذا ما دفعت الأوساط الشوفينية الحاكمة وحسب الوثائق المتوفرة وشهادات ناشطين من المعارضة السورية الراهنة الذين تبوأ بعضهم مواقع أمنية في دمشق والمناطق الكردية سابقا والممارسات على أرض الواقع باعتبار محاربة اليسار تنظيما وقيادة شغلها الشاغل وقد لاحظ ذلك كل الفئات الوطنية الكردية والقوى السياسية السورية خاصة بعد تشديد الحصار والملاحقة والطرد من الوظائف والحرمان من الجنسية والحقوق المدنية على كل من له صلة قربى ببعض قادة اليسار الى درجة اقدام أوساط مصدر القرار في القصر الجمهوري ومنذ ذلك الوقت با البدء في وضع أسس مكتب خاص للملف الكردي بعهدة الملازم الأول – اللواء محمد منصورة ومنحه الصلاحيات الادارية والمالية المطلقة خاصة بعد توسع واشراف ذلك المكتب على كل مايتعلق بالقضية الكردية في سوريا والجوار .
نقد ذاتي
علينا وفي خضم سرد الحقائق وتسجيل انجازات حزب آب أن لانخفي حقيقة أخرى وهي الاعتراف بعجز الحزب عن تحقيق الكثير من أهدافه واخفاق قيادته في تنفيذ التزاماتها القومية والوطنية في كثير من المراحل والمناسبات لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى وصعوبة الظروف المحيطة بدرجات تالية والأمنية منا خاصة وقصور في الادارة السياسية بشكل عام كما فشلت القيادة وأنا من ضمنها في صيانة وحدة الحزب الذي توسع وتمدد وأصبح مقبولا من الجماهير الكردية ويحظى باحترامها بسبب نهجه السليم وتفانيه وتمسكه الثابت بالحقوق القومية وكذلك الفشل في قطع الطريق على الانشقاقات والحفاظ على الكادر المتقدم الذي بذلنا الجهود في اعداده وتوعيته مع التردد في التصدي الناجز لمخططات السلطة في تفتيت الحركة السياسية الكردية حيث ما زالت آثارها ونتائجها تتفاقم يوما بعد يوم , كما علينا الاعتراف بالتقصير في تعزيز وتطوير وحماية – التحالف الديموقراطي الكردي – الذي تحقق بناء على برنامجنا واقتراحنا وأعلن في بيروت بعد محادثات بين سكرتير – البارتي الديموقراطي الكردي – الراحل – كمال أحمد – وأمين عام – الاتحاد الشعبي الكردي – كاتب هذه السطور ذلك المكسب الهام والانجاز الرائع الذي تلاشى بعد أن تسلل اليمين الى صفوفه.
اعادة تعريف اليسار القومي
حصلت تبدلات جوهرية في الاصطفاف اليساري التقليدي بحكم تواصل الأجيال وعمق التحولات الاجتماعية وتغير ملامحها والتبدل الجوهري في طبيعة وشكل وأجندة حركات التحرر وتطورات الأحداث وبخاصة حدث هبة آذار المجيدة لعام 2004 وتجديد المفاهيم وتغير الظروف السياسية وازدياد القناعة بضرورة حل قضايا الشعوب والقوميات كاستحقاق سياسي ومبدئي وانساني في خدمة السلم الأهلي وكجزء من عملية ردم بؤر التوتر وقطع الطريق على قوى الارهاب أما بخصوص أوجه التباين في تعريف اليسار القومي الديموقراطي ماضيا وحاضرا : حتى قبيل هبة آذار كان الفرز التقليدي لليسار القومي يكاد ينحصر في بقايا نهج كونفرانس آب من تنظيمات وجماعات وفئات وأفراد الا أن الهبة والأسباب السالفة ذكرها أعلاه وضعت حدا لتلك الرؤية بعد أن أثبتت الوقائع والأحداث خروج البعض من وعلى مبادىء آب بعد أن ركبوا موجتها واستظلوا بدفئها ثم باعوها بأبخس الأثمان ووجهوا السهام نحو سدنة – القلعة – من الخلف والارتماء في أحضان مكتب الملف الكردي وانزواء البعض الآخر وضياع البقية الباقية في جدل عقيم حول – جنس الملائكة – حيث بدأت الساحة ومنذ حين – وهذا مبعث للتفاؤل – تستقبل جيلا جديدا من حملة أفكار مطابقة أو مشابهة لنهج آب من مثقفين من الرجال والنساء ومناضلين أشاوس من أصحاب المبادىء والفكر النير وعلى الصعيد الفكري ومن حيث الجوهر فان الجزء الأكبر والأهم من أهداف نهج آب قد تحقق سياسيا وثقافيا في أذهان ووجدان الجيل الكردي الناشىء ومازال قسم من طروحات وشعارات كونفرانس آب قيد البحث والأخذ والرد لم تكتمل أسسها وجوانبها بعد والصراع مستمر بشأنها وقد يطول أو يقصر وهناك قضايا مازالت عالقة دون حل وبعضها تجاوزه الزمن والساحة بحاجة ماسة الى بديل تنظيمي متجدد ومتغير في ظل برنامج الانقاذ القومي والوطني وفي بيئة االمصالحة والاتحاد كرديا وسوريا يتناسب مع مستوى مابلغته الوقائع والمفاهيم يلعب فيه اليسار القومي الديموقراطي كنهج وخط سياسي الدور الغالب والمؤثر بحكم موقعه التاريخي الى جانب التيارات الأخرى في اطر تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة كرديا وسوريا والموضوع ذاته يحتاج الى متابعة وبحث في مجالات أخرى وكنت قد طرحت قبل أعوام مشروعا للمناقشة بعنوان “الحركة الوطنية الكردية في سورية” التزمت به من جهة التنحي الطوعي عن رئاسة حزبي وافساح المجال للجيل الناشىء للقيام بدوره القيادي الجماعي المنتظر بمعزل عن كل من ورد اسمه في ملفات علاقات التواطؤ مع أجهزة السلطة وفي الصراعات والمناكفات والعداوات الشخصية ممن كانوا – ومازالوا – يتزعمون التنظيمات والمجموعات (رؤساء وسكرتيرون واعضاء مكاتب سياسية حيث يقترب العدد الى 120 ويقال بأن هذا الرقم المشؤوم يشكل ثلث جميع أعضاء الأحزاب الكردية داخل البلاد) في حركة قومية ديموقراطية موحدة متجددة وكما هو معلوم لم يتم التجاوب حتى اللحظة مع هذا المشروع سوى الأخذ ببعض بنوده في مسألة ما يسمى – مجالس التحالف – بصورة انتقائية مشوهة بعد افراغه من محتواه.
وفاء لمناضلينا
لابد في هذه المناسبة ومن باب الوفاء استذكار دور وتضحيات جميع من ساهموا في التحضير لعقد الكونفرانس الذي باشر أعماله في قريتي الحبيبة – جمعاية – بمنزل المرحوم – حاجي بوطي – حيث الاستعدادات والمشاورات والحوارات بين الكوادر المتقدمة وممثلي القواعد الحزبية من معظم المناطق وحتى مع آبو أوصمان ورفاقه عندما كانوا نزلاء سجن القلعة بحلب صيف العام 1964 كانت جارية وسبقت الخامس من آب لأكثر من عام (وكان الحضور اكثر من ثلاثين بقليل وأخص بالذكر ودون نسيان الآخرين : الراحلان – محمد نيو – وشمو – وهلال خلف – ونوري حاجي – ومحمد بوطي) وانهمكوا أياما وشهورا في صياغة البرنامج وأعواما في مواجهة التحديات الأمنية والمعيشية والصراع الميداني الفكري والثقافي والسياسي مع النهج اليميني المعروف عنه بمحدودية ثقافته وتخلفه وافتقاره الى الحدود الدنيا من أخلاقيات الحوار الديموقراطي وهذا ما أثقل كاهلنا أكثر بمزيد من الصبر والتحمل انسجاما مع مسؤولياتنا الوطنية وسأستذكر بالتقدير البالغ تفاني وشجاعة عدد كبير من الرفاق الوطنيين المخلصين ومنهم (الراحل أحمد سعيد العربو وأوسكي ونعمتو وسعيد بارودو) كما لابد من تقدير عدد من الرواد الذين تجاوبوا مع نداءات بناة حزب آب (البارتي الديموقراطي الكردي اليساري) وانضموا الى صفوفه بعد حين وخاصة الراحل آبو اوصمان صبري الذي سلمناه أمانة القيادة المرحلية كسكرتير للحزب والأستاذ محمد ملا أحمد والشاعر الراحل جكرخوين الذين غادروا مواقعهم التنظيمية بأوقات متفاوتة وأسباب مختلفة وبخصوص طيب الذكر– آبو أوصمان – فقد غادر من تلقاء نفسه – رغم تشبثنا به – حسب الأصول التنظيمية وفي كونفرانس حضره أكثر من أربعين شخصا ولأسبابه الخاصة تاركا الأثر الايجابي والاحترام الكامل لدى رفاق دربه دون أن يتسنى لنا تحقيق أمنيتنا في التفاعل التاريخي ومن خلال اطار تنظيمي واحد ومؤسسة قيادية موحدة بين مفاهيم وخبرات جيلين : الرواد والشباب وظل الحزب المتسلح بالفكر والثقافة والموقف السياسي والبرنامج وحماية الجماهير سائرا في طريق النضال رغم تبدل الأجيال والأفراد ومن الجائز والممكن – كما يعلمنا التاريخ – لأي نهج سياسي جاد أن يتجاوز كبواته ويعيد بناءه ويستعيد وحدته من جديد اذا ما توفرت الشروط المطلوبة من موضوعية وذاتية وهذا ما ينتظره الوطنييون الكرد بفارغ الصبر.