القيادات الكردية في سوريا ومواجهة حتمية التغيير

أحمد قاسم

أعتقد أن الحركة السياسية الكردية في سوريا تخلفت عن الحالة الاجتماعية للشعب الكردي أكثر من عقد من الزمان ، وبات من الضروري بها أن تراجع حساباتها بعقل منفتح و مسؤول وتقف على كل تفاصيل الحياة الاجتماعية و الثقافية والسياسية بفكر منفتح ، وذلك لإعادة تكوين نفسها من جديد ، لتتلائم مع المستجدات التي تخلفت عنها بكثير ، مما أدى بها إلى الوقوع في دائرة الدوغمائية الفكرية المتحجرة ، الامر الذي أدى بها الى العجز عن فهم و إدراك العملية الثقافية العالمية التي غزت المجتمعات عبر العولمة ، و وجدت مواقعها في كل بيت عبر وسائل الاتصالات التي أصبحت في متناول الجميع …
ومما لا شك فيه أن الثقافة العالمية تجلب معها مختلف انواع الثقافات وبلا حدود ، مما تؤدي إلى خلق نوع من الجدال الفكري وتجديده بشكل دائم وتدخل الفكر و العقل في حالة الاستقراء المستمر ودون توقف مادامت المعلومات لا تتوقف عند الحدود الدائرة الفكرية بل تتجاوزها بشكل مستديم …
لا بد أن هذه الحالة الدراماتيكية تدفع الفرد بإتجاه تحرير أفكاره بما تتلائم والحالة المعاشة التي هي في متناول يده وتدفعه نحو حالة أيسر و اوسع  تمكن من ذلك، فيتطور مع هذا التدفق الثقافي فكره وتصقل عقله ليخرج من واقعه وينطلق نحو فضاء اوسع و ارحب …
وهذه الحالة تدفع بالمجتمع نحو الشيوع و الدمقرطة الاجتماعية خارج ارادة السلطة القائمة ونظامها المانع .
فان الصراع و التسارع الفكري في العقل البشري على مستوى الفرد اجتاز كل الهلاميات المحصنة وكل الاعتبارات الاجتماعية ما قبل العولمة ، مما ادى الى حالة من التغيير في مفاهيم المجتمع بمعناه الواسع فما بالك في الركد الاجتماعي و السياسي بمنطقتنا .
كلنا نعلم بان حادثة الحادي عشر من أيلول عام 2001 كانت حداً فاصلاً بين عهدين مختلفين تمام الاختلاف .

حيث تغيرت العلاقات الدولية على مستوى العالم ، وبات مفهوم الحرب على الارهاب مفهوما عالميا بعد تلك الحادثة .

ثم بدأت مفاهيم حقوق الانسان تطفو على السطح وانكسرت كل الحواجز امام غزو العولمة العالمية عن طريق الانترنيت وشبكة الاتصالات الحديثة ، وفقدت من خلالها المراكز السلطوية على جميع المستويات ، أي أن السلطات القائمة قبل الحادي الحادي عشر من ايلول فقدت كثيرا من مركزيتها ، فباتت مهزوزة القواعد أمام هذه الثورة التكنلوجية و التي تتطور يوماً بعد يوم خارجة عن سيطرة الحكومات والاستخبارات الكلاسيكية المتعفنة …
أمام هذا الواقع أرى أن الحركة السياسية الكردية في سوريا وأقصد ( أحزابنا ) في حالة تراجع ، والتراجع حالة نخص بها هنا القيادات في الحركة الكردية،و أقصد الوقوف عند حده الذي يتلائم مع الانانية الشخصية للقيادات في الحركة الحزبية ، أما القاعدة فهي في تطور مستمر ، وهي تواكب الحالة المتجددة ما دامت تواكب العصرنة عن طريق الانترنيت و وسائل الاتصالات العصرية ، وهنا يطرح السؤال نفسه لاهميته الاستراتيجية ، لماذا لا تستفيد القيادات الكردية من هذه العولمة ؟ سؤال كبير ، واعتقد ان الجواب عليه بشكل علمي يكشف عن الحلول ويفكك العقد ولو بشكل جزئي .
إن جميع قياداتنا ينتمون الى مجتمع ريفي زراعي عشائري إسلاموي ، ترعرعت في كنف ثقافة تقليدية لا تمس بصلة  الثقافات العالمية المتطورة ، وهم بطبيعة الحال نتيجة هذا  الوسط و هذه الثقافة التقليدية ، الكردايتية التقليدية بنظام داخلي مستنسخ و منهاج سياسي مستنسخ أيضاً من أنظمة و أحزاب شيوعية في المنطقة ، ونظموا من خلالها أحزاباً منافسة من خلالها  الآخر و وفقاً للتكيات الصوفية وبصبغة عشائرية ، ولكن برداء مدني ، حيث أستخدموا ثقافتهم البدائية لدراسة عقل مجتمعهم وفقاً للمقاييس المعرفية المتبعة من قبل السلطات المختلفة ( الحكومة – العشائرية – الدينية ) بصفة يسارية وتقدمية لبسط نفوذهم على المجتمع الكردي بأسم الكردايتي كما الحال في غالبية الاحزاب القائمة في سوريا ، عرباً وكرداً و أشوريين .
ولكن الحالة الكردية تختلف عن حالة الاخرين في كثير من المجالات ، أولها أن الكرد يتميزون  عن غيرهم بسبب الممارسات الشوفينية و إضطهادها قومياً من قبل السلطة الحاكمة ، فإن الحركة الكردية إتخذت على عاتقها رفع الاضطهاد القومي عن الكرد ، أما الاخرين فيبحثون عن السلطة وفقاً لمفاهيمهم الفكرية من قومية او مجتمعية او دينية ، لذلك نحن الكرد نختلف عنهم في خصوصياتنا القومية ، حيث ان الحركة الكردية اختارت النظام الديمقراطي لحل قضيتها ضمن إطار الدولة السورية بشكل شعاراتي ومعلن ، ولكن الذي جرى في العقد الاخير من حياتها السياسية انها تختلف عن ذلك الشعار في إطارها العملي من خلال تمسك قياداتها بالسلطة ضاربة مبادئ الديمقراطية في عرض الحائط ، وافرغت المعنى النضالي من محتواه العام ، وتمسكت بالجانب الوظيفي في أدائها خدمة للمصلحة الشخصية .
قد يسألني أحد بأن القيادات الكردية جميعها منتخبة بشكل ديمقراطي في مؤتمراتهم الحزبية ، فالجواب صحيح في الشكل ، أما الحقيقة هي الديمقراطية التوافقية بين الكتل المتواجدة داخل الحزب الواحد ، وعند إسقاط هذه الديمقراطية التوافقية فيسقط معها الحزب لينشق إلى حزبين أو ثلاثة وفقاً لتوازنات الكتل ، وقد يسألني أخر إن التكتل في الحالات الديمقراطية حالة صحية ، فالجواب نعم إن كانت فكرية تخدم اغناء الحزب بأفكارها واجتهاداتها ومبادراتها الخلاقة اما اذا كانت صراعات سلطوية فانها ستهدم  مفاهيم الديمقراطية والحرية والمساواة في الحزب الواحد ، فهل يصلح مثل هكذا احزاب أن تجلب الانتصارات الشعبية ؟
 السلطة هي كارثة دائمة تلاحق الشعوب ، فأينما وجدت السلطة رافقتها الخراب و الدمار في محيطها وتنتشر النزاعات و الحروب ، لان السلطة هي عقد توافقي بين مجموعة متسلطنة أقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً وسط شعبِ لاحول له ولا قوة ، والذي أقرأه في قياداتنا السياسية هي صورة مستنسخة من تلك السلطة مع إحترامي للجميع بأن سلطتهم مبنية على الخيال وأن إسقاطهم ليست بصعوبة بمكان : لانني كما اسلفت ليست باستطاعة احد مقاومة الديمقراطية الغازية من خلال العولمة مهما قويت جبروتيتها ، وان المجتمع الكردي بغنى عن نصائح هذه القيادات فإنه يتقدم وفقاً لمسلمات العولمة العالمية ، وعلى قياداتنا أن تأخذ العبر وان تخلع مفهوم السلطة عن محيط افكاراها الدوغمائية المتجمدة ، وتواكب المجتمع بتطوراته الفكرية لنضع معاً فكراً و عقلاً منفتحاً يستوعب المتغيرات بتفاصيلها ويخلق الممكنات لمواكبتها ، فإن السلطة لا تعطي الديمقراطية والحرية والمساواة ، ومن واجبنا أن ندفع بمجتمعنا نحو الدمقرطة لنكسب من خلالها الحرية والعدالة والمساوات لشعبنا الذي عانى كثيراً وانتظركثيرا ….
ملاحظة : إنني في تعميمي للحالة القيادة الكردية ، أقصد الغالبية العظمى من القيادات ، وهناك عديد من قياداتنا يعانون من هذا المرض لكنهم غير قادرين على التغيير ، فأقول لهم لا تيأسوا فإن منطق السلطة التعسفية في مفهومها التفردي في كل المفاصل ساقطة لا ريبة فيها ، وسيبقى المستقبل للمناضلين الفعليين من أحزابنا و مجتمعنا ، فلابديل عن التجديد والتغيير .

السليمانية 6-7-2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…