جريدة الوحدة YEKÎTÎ*
كما أن إعلان دمشق بدأ خطواته الأولى عملياً من تلك الأحداث، التي بدّدت الآمال الكردية في الإصلاح والتغيير، بما في ذلك إمكانية إيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية، وحتى ضحايا الإحصاء الرجعي تمّ تخديرهم بمجرّد وعود لم تجد طريقها للتطبيق، مثلما سدّت السلطة آذانها أمام كل الدعوات المطالبة بإجراء تحقيق عادل ومحاسبة المسئولين عن تلك الأحداث الدامية.
أمام تلك النتائج، كان واضحاً بأن السلطة أغلقت أبواب الحوار والتفاهم مع الجانب الكردي، واعتمدت لغة القمع والقتل التي تكرّرت في أكثر من مناسبة، كانت آخرها جريمة ليلة نوروز في القامشلي بتاريخ 20/3/2008- تلك الجريمة التي ارتكبت، حسب رأي كل المحايدين، بدم بارد وبدون حجج مقنعة، مما يؤكّد على وجود إرادة مسبقة لافتعالها، ووجود نوايا مبيتة، تخوّفت منها العديد من الأطراف الكردية، ومنها حزبنا الذي لم يخف ذلك في الأشهر الأخيرة، وخاصة بعد الاعتقالات التي طالت رموز وكوادر إعلان دمشق، الذي أعاد للقضية الكردية حيويتها الوطنية، وأدرجها في برنامجه كقضية أساسية تستوجب حلاً عادلاً وعاجلاً، وساهم في ترميم العلاقة وبنائها بين الكتلة الكردية وبقية الأطراف المنضوية تحت لوائه، لتساهم هذه الكتلة في النضال الديمقراطي العام بدور هام وفعالية واضحة، مما أثار مخاوف وقلق السلطة التي تعتبر أي عمل أو إطار مشترك يجمع الكرد مع بقية القوى الديمقراطية بمثابة خط أحمـر.
وكان استبعاد الجانب الكردي من تلك الاعتقالات، لأسباب تتعلق بالسياسة الأمنية للسلطة ، الرامية لزرع الشكوك، في محاولة لتفكيك الإعلان، هو أحد المؤشرات الدالة على وجود مخطط آخر يستهدف الكرد، خاصة بعد أن تأكّد بالتجربة إن اعتقال الناشطين الأكراد لم يحقق، على مدى سنوات، ما ترمي له السلطة من ترهيب للنفوس وقتل للإرادة، مثلما تأكّد أيضاً، بأن النضال الوطني الكردي لم يعد محتكراً على التنظيمات الكردية القائمة، رغم أهمية دورها، بل انه تحوّل إلى شأن عام يهم الجميع، لأن الحرمان أخذ شكلاً عاماً، والعقوبة أصبحت جماعية، وإن سياسة التمييز والاضطهاد تجد تعبيراتها في مختلف نواحي الحياة المتعلقة بالمواطن الكردي، وخاصة في دوائر ومؤسّسات الدولة، التي باتت أبوابها شبه مغلقة أمام المتقدّمين إليها من طالبي الوظيفة والعمل من الكرد، الذين تفرقت بهم السبل، ويتيه عشرات الآلاف منهم على وجوههم في محيط دمشق بين المزارع والمطاعم وورشات البناء وغيرها، من الأعمال الشاقة نتيجة غياب فرص العمل في المناطق الكردية وبفعل السياسة الشوفينية وتطبيقاتها العنصرية من حزام عنصري وإحصاء جائر وقوانين وتدابير استثنائية، تلحق أضراراً كبيرة بالمجتمع الكردي الذي يشهد نمواً واضحاً لأمراض اجتماعية ولظواهر التطرف والانحراف التي تهدّده بمستقبل معقّد.
إننا، من خلال ما تقدم، لا نقصد بأن القتل والقمع هما من نصيب الأكراد فحسب، وأن الضحايا قتلوا وجرحوا لمجرد كونهم أكراد فقط، بل إن هؤلاء الأكراد تم اختيارهم في ظرف سياسي خاص لتوجيه رسائل محددة مكتوبة بدمائهم ومحمولة بالرصاص الحي، إلى مختلف مكوّنات الشعب السوري الأخرى، السياسية والقومية والدينية، مفادها أن ما أصاب هؤلاء المواطنين الأكراد هو مصير كل معارض ديمقراطي ومطالب بالتغيير ومتذمر من الأزمة الاقتصادية والمعاشية، وكذلك هو مصير أي نشاط يتعلق بالاحتجاج على سياسات النظام، وبمعنى آخر افتعلت هذه الجريمة لتبرير استمرار حالة الطوارئ وتحويل اتجاه الاحتقان السائد نتيجة تعمّق أزمة النظام وتزايد عزلته الداخلية والخارجية وافتعال هجوم استباقي ضد أي معترض على الغلاء الفاحش للأسعار، والذي سوف ينجم نتيجة نيّة السلطة في رفع الدعم عن مادة المازوت قريباً، وما يعني ذلك من انفلات لتلك الأسعار وانحدار قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية إلى ما دون خط الفقر، والهاء ضحاياه، واستغلال مشاعرهم الوطنية وتحويل اهتماماتهم باتجاه خطر كردي مزعوم لخداع الرأي العام الوطني السوري، حيث تقدم الشواهد عليه من بعض المواقف والممارسات والشعارات غير المسئولة والتي يعرف الجميع أنها لا تنتمي للثقافة الوطنية الكردية السورية، بل أنها ثقافة وافدة شجعتها السلطة لأسباب لم تعد خافية على أحد، وتمّ تصميمها أصلاً لتشويه الحقيقة الكردية والتشكيك بالولاء الوطني الكردي.
ومن المؤسف، فإن هذه الخدع تنطلي أحياناً على بعض البسطاء من شركائنا في الوطن نتيجة لانعدام تواصلها مع الحركة الكردية، ولذلك فإن توجيه مذكرات ورسائل باسم الحركة الكردية إلى مختلف المنظمات الدولية والإقليمية وحقوق الإنسان، والاتصال مع القوى السياسية داخل الجبهة الحاكمة وخارجها، وكذلك الفعاليات الاجتماعية والدينية والثقافية، والذي تم مؤخراً بغية إطلاعها على حقيقة السياسة الشوفينية، يجب أن لا يقتصر فقط على المناسبات بل إن الحركة الكردية من جانبها باتت مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بمراجعة لشروط العضوية فيها والانتماء إليها وكذلك لخطابها السياسي، والبحث عن السبل الكفيلة بتبديد أجواء عدم الثقة مع المكوّنات الأخرى الشريكة، والتأكيد على أن سوريا يجب أن تكون للجميع، وبأننا سوريون بقدر ما نحن أكراد ، نفتخر بانتمائنا لها، وبالعلاقات الأخوية التاريخية التي تجمعنا مع تلك المكوّنات التي يجب أن نتعاون وإياها معاً لصيانة السلم الأهلي الذي يتم تهديده أكثر من مرة نتيجة تسليح السلطة للعناصر البعثية، وإقحامها في الحوادث التي تدور في المناطق الكردية، وإفهامها بأن ضبط الأمن هو مهمة السلطة، التي لديها أجهزة خاصة متعددة ومتشعبة المهام، وإن بإمكانها اعتقال أي مواطن بسبب أو بدون سبب، وتقدّمه للمحاكم، لكن رش أي تجمع بالرصاص الخارق، ليس من صفات أية دولة أو سلطة حضارية تحترم حقوق الإنسان فيها، وتصون كرامة وحياة مواطنيها الذين يفترض أن تشاركهم الاحتفال في أعيادهم، بدلاً من تحويل احتفالاتهم إلى حداد، وأفراحهم إلى أتراح، وتحرص على صيانة الوحدة الوطنية التي لن تتحقّق في ظل السياسة الشوفينية المنتهجة حيال الشعب الكردي وقضيته العادلة.
—–
*- افتتاحية جريدة الوحدة YEKÎTÎ العدد176