السياسة والصراحة

شيار ديواني
كثيرا ما يوقفني تعريف احد الفلاسفة للسياسة بأنها فن الكذب والخداع, هل صحيح حقا حتى تصبح سياسيا يجب أن تكون كذابا مخادعا متملقا لما حولك ؟ اذا ما مصير القيم الأخرى مثل الصراحة والوفاء والإخلاص والحقيقة .

ربما أكون مخطئا ولكنني ضد الكذب والخداع حتى مع عدوي.
قد يكون هذا التعريف للسياسة صحيحا اذا سخرت الخدعة لمصلحة قضية شعب مظلوم, وأنت في حالة حرب مع أعداء شعبك ولكن, ليس مع رفاق وأصدقاء تعودت عليهم وتعودوا عليك كما كانوا يوهمون لك ذلك لابد من زرع المحبة والاخلاص والوفاء فيما بينهم وفيما تعاهدوا عليه لا أن ننقلب على الصداقة لأول ريح تأتي لأجل نزوات شخصية رخيصة, ويحاولوا أن يصورها ويؤطروها في قالب جميل (في سبيل الواجب) ولكن في حقيقتها هي الخيانة بعينها, فوالله إن الذي يخون صديقه ويبطن له الحقد ويتظاهر بالمودة ليس صعبا عليه أن يخون وطنا إذا قدمت له اغرءات مناسبة لنفسه المريضة.

إن سياسة الجاهل هي الابتعاد عن العلم والثقافة وكأنهما عدوان لدودان له, لا يرى العالم المتحضر إلا من منظاره الخاص المتخلف, على سبيل المثال يمكن أن يعتبر كفا على خد احد رفاقه المختلف معه في الرأي سياسته المفضلة ومقتنع بها ويفتخر بها أيضا أمام أمثاله لان سلاح الجاهل يده.

والمصيبة بأنه يبرر عدائه للثقافة والمثقفين بان المثقف مغرور بنفسه وانتهازي ولكن الانتهازي هو الذي يحاول المتاجرة بكل شيء في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية ربما يكون هذا الشخص جاهلا أو مثقفا والفاعل لهذا الشيء والمتستر عليه شريكان في الخطيئة.

هناك من يوهم من حوله بأنه مناضلا عتيدا منذ أكثر من قرن, ولم يدخل السجن ساعة واحدة ولم يكسر له اصبع, بسبب نضاله ومعتقداته وكأنه يسمي الجلوس ساعة واحدة كل شهر نضالا لا نضال بعده, وحتى في هذه الساعة يتكلم عن أقاصيص ألف ليلة وليلة فلان مات, وأخر ذهب إلى هناك, وأخر كان يعطس في اجتماعاته, لان ثقافة الجاهل لاتتعدى ذلك فمن أين له ان يأتي بكل مناهل العلم والمعرفة ليسخرها ويقدمها في سبيل تطوير مجتمعه نحو الأفضل, ألا تعلمون بان كل الذين بنوا الأوطان والبلدان هم متعلمون ومثقفون, هل رأيت رئيسا أو وزيرا في كافة أرجاء المعمورة جاهلا لايحمل أية مؤهلات علمية إنا لست ضد الجاهل او ان صح التعبير الأمي, أن يأخذ دوره في النضال ولكن أن لاياخذ دور المثقف منه (بطرق ملتوية) لأنه لن يكون أهلا لها مهما تظاهر بذلك, ربما يصلح أن يكون قائدا عسكريا يعلم المقاتلين على اساليب وفنون القتال ولكن لا أتصور أبدا أن يكون قائدا سياسيا يقوم برسم سياسة بلد اوحزب ويصل بشعبه إلى بر الأمان.

إن الأمي والمتعلم لكل واحد منهم دوره في حياة المجتمعات .كل واحد منا يكمل الاخر, فلماذا التحسس من المثقف ؟ في واقع نحن بامس الحاجة إلى أقلام تكتب عن قضيتها بجدية وصدق, والى عقول نيرة ترسم لنا سياساتنا المستقبلية.

لأننا في زمن لا تجلب سياسة القوة والكف إلا الدمار والهلاك والتخلف لشعبنا, إذا علينا أن نضع الحصان أمام العربة وليس العكس!!!
وفي النهاية أخاطب ضمائركم أن تقفوا دقيقة صدق مع الذات, لا تزال هناك مجال للإصلاح فلنحافظ على الصداقة الحقيقية, والإخلاص, والمجال واسع إمامنا جميعا, لكل دوره إذا صدقت النوايا بدون أن يلغي احدنا الأخر, لكي نبعد عن مجتمعنا شبح التخلف والانعزالية, وان نسير به معا إلى الحضارة والازدهار وتحقيق ما يصبوا اليه.

 

12/3/2008

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف* بعد انتهاء حقبة بيت الأسد، تلوح في الأفق تحديات جديدة، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة انتقادات وأسئلة مشروعة من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، حول مدى التزامها بالشفافية في منح المشاريع والمناقصات، في وقت تنتظر فيه البلاد إعادة الإعمار والانطلاق نحو المستقبل. يبدو أن غياب الإعلان الرسمي عن بعض المناقصات والمشاريع، وتوجيهها بطرق غير واضحة، يُثير مخاوف…

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…