سيامند إبراهيم
في أماسي دمشق الحالمة حيث كانت أيام الصيف فرصة لنا نحن الأطفال المفلسين في الذهاب إلى مسرح المعرض في دمشق حيث كنا لا نستطيع مشاهدة حفلات السيدة فيروز وعبد الحليم حافظ وصباح, وغيرهم, وكانت طوال أيام المعرض في آواخر الصيف تتألق دمشق وتشع وتتلألأ, دمشق الشام عاصمة الدنيا,وهو المكان الذي قضيت قرابة نصف قرن فيها, وقد كانت لنا فرصة لمشاهدة هؤلاء الفنانين من بعد, ولم نكن نعرف ماهو الاتوغراف إلى في مرحلة متقدمة من أعمارنا
فيروز هذه صدحت على ذرى جبال الأرز الحالمة مع ذاك القمر الفضي الذي أسبغ ليالي الأرز بعطر فيروزي متألق, فيروز التي هام بها قمم جبل صنين وقاسيون, وحرمون, وكان موعدها في كل سنة في بيت الدين, وبعلبك, لكن حضورها الأجمل كان في دمشق الفيحاء, حيث يستيقظ بردى مع فيروز ويشرب معها فنجان الإبداعي لتلك القصيدة الرائعة للشاعر اللبناني سعيد عقل بقصيدة
شآم أهليك موعدنا أواخر صيف آن للكرم يعتصر,
وهذا الشاعر الغريب في آرائه وحياته فهو دعا إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية, وكان لا يجري لقاءً صحفياً إلا بمبلغ مالي دسم, لكنه يبقى عملاقاً في الشعر اللبناني الحديث, واسماً لامعاً في الساحة الأدبية, وفي سنة 1972 افتتح معرض الفنان الكردي اللبناني زورو متيني, وكانت تربطهما علاقات شخصية قوية, وهو كتب الكثير من أغنيات الفنانة فيروز وغيرهم,
فيروز وردة الصباحات الندية, صاحبة الصوت المخملي, تلك الفنانة التي غنت, لدمشق, لمكة وكعبتها, لبغداد, للأردن, للسيد المسيح, وللقدس بكنائسها وحواريها.
التألق الفن لمدرسة الرحابنة هي السمة الإبداعية لغالبية سمو ألحانهم وأعانيهم الخالدة في لبنان والعالم العربي, أجل سمو فيروز وارتقاءها أنها لم تغن لأي ملك أو رئيس عربي وفي السبعينيات أعطاها الرئيس الراحل حافظ الأسد 100000 ألف ليرة سورية, ولم تغن له, أو لغيره, إنما صدحت بصوتها الملائكي للشام, لقاسيون, لبردى ولحرمون, وفيروز تبتعد كثيراً عن الإعلام والمقابلات بشتى أنواعها, فيروز هذه التي تعتبر واحدة من أثرياء الفنانات العربيات, وقد قدرت ثروتها بأكثر من 30 مليون دولار, وقد قرأنا في إحدى مواقع الانترنت الكردية أنها تلقت دعوة من جهات معينة في كردستان العراق لإحياء عدة حفلات في ربوع كردستان العراق لكنها طلبت مبلغاً خيالياً وهو 47 مليون ليرة سورية, وهذا مبلغ متواضع أمام ما يقدم لها في مهرجانات دبي, وتونس, والحمد لله أنه لم تتم هذه الصفقة الفنية, لا كرهاً بفيروز الفنانة الأصيلة المتألقة, ولكن للمبلغ الكبير التي طلبته للغناء في كردستان, وفي رأي أن هذا المبلغ لو يصرف على الفنانين الأكراد ودعمهم مادياً لهو أفضل من هذه الدعوة الفنية الباهظة والتي لا تفيد بشيء سوى الدعاية لزيارتها الفيروزية.
وقد حدثتني الفنانة القديرة كلستان في نوروز آمد, وكنا نقيم في فندق (Demir Hotel), وقد غنى في النوروز أيضاً الفنان الكردي إبراهيم تاتلسيس, والذي يتنكر لأصله الكردي’ فقال في كردستان العراق وفي جريدة الحياة التي أجرت المقابلة معه, حيث قال “أنا تركي ابن تركي و أمي عربية, ونحن من أورفة؟! ولقد اشتكت كلستان بأن بلدية أمد ديار بكر قد أعطت (إيبو) 30000 ألف دولار لقاء المجيء إلى ديار بكر وقد غنى حوالي ساعة في عيد النوروز في ديار بكر؟ وتابعت كلستان و أما بالنسبة لنا نحن الفنانين الأكراد فقد جئنا ببلاش ولم يصرف لنا سوى إقامتنا وتذاكر الطائرة ومبلغ متواضع!
وأخيراً نتمنى أن تغني الفنانة فيروز في ربوع كردستان وتقارن بين جمال جبالها وينابيعها لكن بمبلغ أقل مما أعلن عنه؟
—————————————-
*رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكردية في سورية.
عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق.