الحركة الكوردية في سوريا وأزمة القيادة

  صوت الكورد *



كثيراً ما تتردد بعض المصطلحات مثل : (التعددية ، الانشقاق ، التشرذم ، الخطاب السياسي الموحد) ، ومما لا شك فيه أن واقع الحركة الكوردية في سوريا تجاوز التعددية بأنواعها السياسية والفكرية ..

إلى واقع التشرذم غير المبرر ، إلى حد باتت فيه الحركة في واد والجماهير الكوردية في واد آخر ، رغم بعض التحفظات هنا وهناك .

 

إن الوضع الراهن للحركة وقياداتها خلق علاقة جدلية بين طرفي المعادلة ، وبالتالي فإنه هذه الانشقاقات أفرزت شخصيات في الهرم القيادي لا تكاد تملك _ في كثير من الأحيان _ مقومات الشخصية القيادية وسماتها في الحد الضروري من الثقافة والإخلاص والثقة بالنفس والقدرة على قيادة مجموعة تنظيمية أو كوادر متقدمة وطاقات حبست ومنعت من التعبير عن ذاتها وهمشت إلى حد كبير.

وإذا رجعنا إلى قواميس المصطلح السياسي ، وقوانين علم الاجتماع في رصد وتحليل الشخصية القيادية ، القادرة على التعبير عن ذاتها وطموحاتها وأهداف الحركة ومعطيات الحزب ، وترجمة ونقل القيم التنظيمية ، والقوة الأخلاقية لوجدنا _ ببالغ الأسف _ بوناً شاسعاً بين هذه السمات والقواعد وكثير من قيادات الحركة ، التي اعتلت موقعاً يفتقر فيه إلى تلك المؤهلات التي من شأنها أن تفرز قادة مقتدرين ، يحسنون التعامل مع الحدث ، ويرتقون إلى مهام المرحلة .

لقد صنف العلماء والدارسون نظرية القيادة ومفهومها فكان أن حددت رؤى ومفاهيم واضحة تحدد هذه الخصال ، وتفرز تلك السمات أبرزها :

1_ نظرية الرجل العظيم المقتدر (ومن أشد الدعاة إليها السير فرنسيس جالتون) وأبرز ما في هذه النظرية التركيز على التغييرات التي يمكنها أن تحدث على يد القائد بما أوتيا من مواهب وقدرات غير عادية في الحياة الجماعية للشعب وقيمه الاجتماعية في لحظات يكون التغيير واجباً ، بما وجد من مناخ يصلح لهذا التغيير بحديث تكون الجماعة مستعدة له وهذه الصفة على إجمالها هامة وأساسية في التحرك المقتدر والقوة النافذة والإقناع بالحجج ، والاحتكام إلى الوقائع الميدانية .

2_ نظرية السمات : وهي نظرية تركز على السمات الواجب توافرها في شخصية القيادي من ذكاء ، وقدرة على السيطرة وثقة متبادلة ، وسمعة أخلاقية رفيعة ، وقدرة على الإحاطة بالأمور في الوقت المناسب و الزمن المناسب بما يتلاءم مع الظرف النضالي ويستوجب الحس المرهف لاتخاذ القرار الصعب .

3_ النظرية الموقفية : وتستند هذه على النهج البيئوي ، والظرف الزماني والمكاني بحيث يكون ظهور القائد مع توافر مستلزمات  وضرورات ظهوره ، بحيث يستطيع بما أوتي من مهارات وما وهب من قدرات أن يحقق الأهداف المرجوة ، لتتداخل هذه النظرية عملياً مع نظرية السمات التي لا بد منها لتكوين الشخصية القيادية .

4_ النظرية التفاعلية : وتقوم هذه النظرية على أساس تكاملي بين المتغيرات الرئيسية في شخصية القائد والأتباع من خلال اتجاهاتهم وحاجاته ومشكلاتهم ، والجماعة نفسها من حيث بناء العلاقات بين أفرادها وخصائص هذه العلاقات والمواقف ، بحيث تظهر شخصية القائد في القدرة على التوفيق بين هذه المعطيات وزجها في الموقف المناسب على شكل قرار حاسم وفي اللحظة المناسبة .

إذا أمعنا في هذه النظريات نجد أن الشخصيات التي انتقلت إلى قيادات الحركة الكوردية في سوريا لا تكاد تحمل الكثير من السمات والمواصفات بما يمكنها من توفير العناصر اللازمة والمناسبة التي ينبغي توفرها في الشخصية القيادية ، في ظل الانقسامات المفرطة التي أجهضت المساعي لبناء كادر قيادي مقتدر يرقى إلى مستوى المرحلة التاريخية الدقيقة ، في وقت تستلزم هذه المرحلة قيادة متمكنة لشعب يعيش على أرضه التاريخية ويفتقر إلى خطاب سياسي موحد وموقف منضبط من الأحداث المتسارعة في عالم يتسم بالحسم والتغير السريع والفرص الذهبية النادرة لتجد هذه القيادة نفسها في مواجهة حاسمة مع استحقاقات المرحلة في تصديها للعمل السياسي ، والتي تبوأت مراكز أكبر من قدرتها وطاقته على التفاعل مع المتغيرات والمفاهيم والأحداث المتسارعة لاتخاذ القرار المناسب وحسن الاستفادة من ظروف الحركة التاريخية وضروراتها .
كل ذلك أفرز حالة من الترهل التنظيمي والتسيب والوقوع في حالة دفاعية عن الذات غير ذات جدوى إلى جانب اختراقات طالت بعض التنظيمات الكوردية ، مما أفضى إلى هياكل هشة وخواء سياسي وفكري ، لا يكادان ينسجمان مع الموقع المطلوب وما يستلزمه من الارتقاء إلى حالة مواجهة الراهن الصعب ، وحسن التجاوب مع دقة المرحلة وأبعادها وما يستوجب ذلك من ضرورة الوصول إلى خلق قاعدة للعمل المشترك تنطلق منها الحركة الكوردية في ثوابتها وقواسمها المشتركة ومصلحة الشعب العليا ، إلى مرجعية شاملة تضم كبير الأحزاب وصغيرها لضمان الحاجة القومية والوطنية التي وجدت من أجلها الحركة وخضعت من أجلها لكل ألوان المضايقة والقهر والاضطهاد ، لصيانة موقعها المطلوب وتحقيق الأهداف المرجوة ، في أوقات عصيبة تستوجب حس رفيعاً ومسؤولية دقيقة ، بعيداً عن الأنانية الحزبية الضيقة وبحثاً عن مخرج من أزمة القيادة في تحريض فاعلاً للكفاءات والقدرات والسمات القيادية المتوفرة في كوادر شابة ومثقفة ومخلصة والتماس للنخب المغيبة التي وجدت نفسها محشورة في زوايا ضيقة هرباً من القصور والتبعية الذاتية وأنانية المفتقرين إلى السمات والخصائص القيادية المذكورة لتكون التجربة الميدانية المفترضة والجديدة مصدر تحريض وإلهام ، ومثابة عمل تنظيمي وحركي من شأنه أن يقود إلى ثقافة جديدة وإحساس عال بالمسؤولية وحشد للطاقات المقتدرة والمنتجة والفاعلة وإبعاد كل ما يمكن أن يعوق ويعرقل على الرغم من صعوبة ودقة المعالجة إلا أن الإرادة والتجربة الميدانية ، وترجمة القيم الوطنية إلى عمل جديد يمكن أن يقود إلى قيم راسخة تتوافق إلى حد يليق بمكانة قيادية جديدة توفر الحد المطلوب للشخصية القيادية ، وتحد من أثر الشرذمة والانقسام والتي شكلت حالة تراكمية ارتكاسية تعاني منها قيادة الحركة الكوردية ، لتكون أزمة حقيقية .

—–

* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا – العدد 322 شباط 2008م

لقراءة مواد العدد انقر هنا  deng_322

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…