هنيـئاً ألبان كوســوفو

بقلم: علي الجزيري

   في 17 شباط 2008 م ، أعلن ألبان كوسوفو الاستقلال عن صربيــــا ، في خطوة جريئة قلّ نظيرها ، وذلك بعد قرون من الاضطهاد (العثماني ، اليوعوسلافي ، الصربي) .

ومن المعلوم ، ان إقليم كوسوفو كان يتمتع في عهد (تيتو) بحكم ذاتي مبتور ، أشبه ما يكون بالحكم الذاتي الذي أقره النظام البائد لكرد العراق ، وبعد تفكك النظام الشمولي (التاتوليتاري) في يوغوسلافيـــا السابقة ، أضحى الإقليم تابعاً لصربيـــا ، فكان وضع الكوسوفيين كوضع المستجير من الرمضاء بالنار ، من هنا بدأ هذا الشعب يتوق لمثل هذا اليوم لنيل حريته بأي ثمن .
   جدير ذكره ، أن مساحة إقليم كوسوفو أقل من 11 ألف كيلو متر مربع (ما يقارب مساحة لبنان) ، أما عدد سكانه فلا يتجاوز المليونين نسمة ، معظمهم من المسلمين ، الى جانب أقليات أخرى من المسيحيين ، يأتي الصرب في مقدمتهم .

   طبيعيٌٌ أن تتباين المواقف إزاء خطوة كهذه ، ففي الوقت الذي باركت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية والمؤتمر الاسلامي ولادة هذا الكيان الجديد ، عارضتها صربيا وروسيا واليونان واسبانيا .

فروسيا ، تخاف من أن تحذو أقلياتها (الشيشان مثلاً) حذو ألبان كوسوفو ، أما اليونان فقد إتخذت هذا الموقف كيلا  تشرعِن  لتلك الخطوة التي أقدم عليها من ذي قبل القبارصة الأتراك ، بينما إرتعدت مفاصل اسبانيا بسبب مطالب الباسكيين والكتالونيين ، وهكذا  يبدو أن كل دولة بدأت تبكي على ليلاها .
   أما الكرد الذين يربو عددهم على الأربعين مليون نسمة وفق بعض التقديرات ، والذين ألحقت أراضيهم بدول عدة وفق إتفاقيات جائرة ، أبرمتها القوى العظمى آنئذ بالضد من إرادتهم ، فيباركون ألبان كوسوفو بهذا الاستقلال ، و يتطلعون بشوقٍ ليوم يكحلون فيه هم أيضاً عيونهم بشمس الحرية أسوة بهم .
   ما من شك أن هذا الحدث بعينه ، فضلاً عن أنه إسترعى إهتمام الكرد أينما كانوا وأجج مشاعرهم ، فهو يدعونا جميعاً الى المزيد من التأمل وإدراك النقطتين التاليتين على محمل الجد : 
   الأولى ـ وهي اننا في الوقت الذي نهنىء فيه الكوسوفيين من كل قلوبنا ، و نباركهم في تقريرهم لمصيرهم ، نذكرهم بضرورة مراعاة حقوق الأقلية الصربية في كيانهم الفتي و صيانتها مستقبلاً ، لئلا يضرب فيهم ما قاله الانسان والمفكر العظيم (جواهر لال نهرو) ذات يوم ، في  رسالة أرسلها من السجن لإبنته (انديرا غاندي) ، تدور حول الوعود التي قطعها ثعلب السياسة الماكر أتاتورك للكرد ، والتي أخل بها دون أن يرف له جفن ، حيث قال :   
   [لقد سحق مصطفى كمال باشا الحركة الكردية بدون شفقة ، و شكل محاكم استثنائية ….

أصدرت أحكاماً جائرة بحق الآلاف من زعماء الأكراد الذين صعدوا أعواد المشانق وأمنية استقلال كردستان لا تفارقهم.

وهكذا فالأتراك الذين كانوا الى أمد قريب يناضلون من أجل الحرية لأنفسهم ، قضوا على الأكراد الذين ينشدون بدورهم الحرية ، وتحولوا الى قومية معتدية من أجل السيطرة على الغير].

 
   ثم يتساءل ( نهرو) في خاتمة رسالته : [كيف يمكن القضاء الى الأبد على شعب متعطش للحرية و مستعد لدفع الثمن ؟ !].


   والثانية ـ يتوجب على الأنظمة التي تضطهد الكرد الإتعاظ هي الأخرى بهذا الحدث/ الدرس ، وتتخلى عن غطرستها تجاه الكرد وقضيتهم العادلة في ظل تنامي الوعي القومي لدى الكرد ، لأن التجارب قد أثبتت فشلها في حل هذه القضية عن طريق منطق القوة والإنكار ، مثلما أكده رئيس إقليم كردستان العراق (الأخ مسعود البارزاني) مؤخراً ، في مؤتمرة الصحفي في الكويت ، والذي هنأ فيه بدوره الكوسوفيين على ما حققوه .

لذا ، باتت المسألة تستوجب الركون الى حقائق الواقع ومنطق العصر ، وهذا الأمر لن يتحقق بنظري ما لم تعي شعوب المنطقة من عرب وترك وفرس وكرد ، بأن لغة الحوار والتفاهم هي السبيل الأنجع لتناسي تركة الماضي الثقيلة التي تمخضت عن ذهنية إقصاء الكرد أو تهميشهم على أقل تقدير ، أعني الذهنية التي هندست لها الأنظمة الحاكمة طوال العقود المنصرمة ، والتي تسببت في جر الكثير من الويلات (الدمار ، التخلف ، الفقر … الخ) على شعوب المنطقة ، ولعل إختلاس الحرية يأتي في مقدمتها على حد قول الطيب الذكر ماركس : [إن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً  ؟] .

   
  قامشلي / الأحد ـ 17 شباط 2008 م   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…