يقول عن حياته السابقة و اللاحقة (لا اصدق أنني إنتقلت من قرية الثعلة و بيتنا الفقير و حياة البؤس والشقاء والجوع إلى موقع استطيع من خلاله مخاطبة الملايين والتأثير فيهم.إنه حلم.
أما عن برنامج الإتجاه المعاكس الذي ساعد بشكل كبير على انشاره بين الأوساط الإعلامية من خلال الشاشة الفضية، شاشة التلفزيون، فإنه يصفه: (بأنه البرلمان العربي الافتراضي).
له آراؤه الخاصة حيال الوضع العربي القائم و النظم العربية الحاكمة في البلدان العربية، و حتى الإصلاح الأميركي و قضايا أخرى جمعتها في سياق مجموعة من الأسئلة التي وجهتها له فكان هذا الحوار..
لا أريد من أنظمتنا الحاكمة أن تقلد أميركا وأوروبا، فهذا أكبر من طاقتها بكثير، أريدها فقط أن تقلد السنغال وغيرها من الدول الأفريقية الفقيرة التي يتداولون فيها السلطة ويجرون انتخابات حرة.
ليس هناك أسوأ من الحكومات العربية في العالم سياسياً واقتصادياً، فحسب تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الامم المتحدة أصبح العرب يقبعون في مؤخرة الأمم على معظم الصعد.
هل يعقل أننا مازلنا ندير شؤوننا على طريقة الخليفة المنصور ايام العصر العباسي بينما نعيش في القرن الحادي والعشرين؟
س: الاصلاح قادم لامحالة ولکن ليس کضرورة وطنية ملحة تستجيب لها أنظمة المنطقة وإنما کأمر أميرکي لا مناص من تنفيذه، هل يرى الدکتور فيصل القاسم مايراه العديد من الکتاب و المثقفين العرب من أن الاصلاح الاميرکي کله سيئ، وکيف تنصح حکومات المنطقة بالتعاطي مع أبجدياته؟
لا أصدق ابداً أن الضغوط الخارجية تهدف إلى الإصلاح في بلداننا.
فهم يستخدمون الديمقراطية كفزاعة مع الأنظمة التي لا تستجيب لابتزازهم.
هذا كل ما في الأمر.
إنها لعبة مصالح مفضوحة وآخر شيء تفكر فيه اميركا إصلاح الأنظمة العربية.
والدليل على ذلك أن خيمة القذافي في غياهب الصحراء اصبحت محجاً للزعماء الغربيين بعدما رضخت ليبيا لإملاءاتهم.
إن الهجمة الأميركية على المنطقة لا تهدف إلى تحسين أوضاعنا أبداً، فالضغوط التي يمارسونها على سوريا مثلا لا علاقة لها بالإصلاح أبدا، فهم يريدون من سوريا أن تساعدهم في ضبط الأوضاع في العراق لا أكثر ولا أقل.
ولتذهب مظالم الشعب السوري في ستين ألف داهية.
إن الأنظمة الاستبدادية العربية الحالية هي أفضل ما تمتلكه أميركا في المنطقة، فكلما كان النظام العربي أكثر دكتاتورية كلما كان أكثر استجابة للضغوط الخارجية.
وكما ترين فإن أنظمة الطغيان العربية هي أسود على شعوبها وفئران مع الخارج.
وكم سنكون ممتنين لأميركا لو أنها فعلاً تريد إصلاحنا كما فعلت مع اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها للاسف تستخدم الإصلاح لتخويف الأنظمة التي لا تلبي كل طلباتها.
ومن المضحك أن يكون كل التركيز على سوريا هذه الأيام مع العلم أن هناك أنظمة عربية أسوأ من سوريا بمئة مرة لكن لا أحد يفتح ملفاتها فقط لأنها تسير على الصراط الأميركي المستقيم.باختصار فإن الإصلاح الحقيقي في العالم العربي ممنوع منعاً باتاً إلا إذا كان هناك أنظمة وطنية حقيقية تريد الإصلاح فعلاً وهذا غير متوفر حتى الآن.
الاعلام العربي يعاني حالة رکود يصفها البعض بالجمود، ماهو تقييمک لهذا الرأي و ما مدى تعويلکم على هذا الاعلام للنهوض بالواقع العربي السيئ ودفعه الى مسارات إيجابية تخدم المنطقة؟
لا يمكن أبدا فصل الإعلام العربي عن النظام العربي فهو مرآة لذلك النظام، فلا يمكن أن يكون هناك نظام متعفن وإعلام مزدهر.
وبالتالي لا يمكن التعويل على وسائل الاعلام العربية الرسمية أبداً إلا اذا تغيرت الأنظمة وأصبحت مهتمة فعلاً بالتطوير والاصلاح.
يتهم العديدون الدکتور فيصل القاسم بانحيازه لتيارات عربية محددة و يرونک رقما في فلک محسوب على دوائر معينة، ماهو ردکم على هذا الکلام؟
لا أنكر أنني مهموم بقضايا أبناء جلدتي الذين اشاركهم العيش فوق أرض ما يسمى بالشرق الأوسط.
ولا أقصد بأبناء جلدتي عنصراً أو قوماً معيناً، بل أقصد كل الذين يعيشون معي على هذا الجزء من العالم، فكلنا في الهم شرق.
أما القول بأنني محسوب على تيار معين فأحمد الله أنني أكره التحزب لأي جهة كانت ولا أقبل أن أوضع في خانة محددة، فلتذهب كل الأيديولوجيات الى الجحيم، فأنا أعمل بالمثل الفرنسي الشهير: الحمير وحدها لا تغير آراءها.
فيصل القاسم إشتهر من خلال قناة الجزيرة أم أن الاخيرة جذبت قطاعات واسعة من المشاهدين من خلال إدائکم المميز في برنامجکم الاتجاه المعاکس؟
إنها عملية متبادلة، فلا اعتقد أنني كنت سأنجح وأصل إلى جمهور عريض من دون الحرية التي وفرتها لي قناة الجزيرة.
لكن في الوقت ذاته لا يمكن للإعلام الحر أن ينجح من دون إعلاميين أحرار.
بعد کل هذه السنوات، ما الذي قدمه برنامج الاتجاه المعاکس للعالم العربي وهل أن هذا البرنامج إستطاع أن يخلق إتجاها أو مسارات معينة بإتجاه فهم وإستيعاب الديمقراطية و حرية التعبير عند شعوب دول المنطقة؟
فليقولوا ما يشاءون عن برنامج الاتجاه المعاكس من أنه برنامج إثارة وصراع ديكة وغوغائية، لكنه دخل التاريخ على أنه أسس لثقافة الحوار في العالم العربي بعد أن كنا في الماضي لا نستطيع أن نفتح أفواهنا إلا عند طبيب الأسنان.
لكن بفضل الاتجاه المعاكس وغيره اصبحنا نفتح فمنا ونصرخ بأعلى أصواتنا.
لقد كنا نصفي خلافاتنا في الماضي بالرصاص والبارود فأصبحنا نصفيها الآن بالصراخ وهذا تقدم رائع على طريق الديمقراطية.
فبدلاً من سفك الدماء أصبحنا نسفك الكلمات في سياق الصراع في ما بيننا.
ماهو موقف الدکتور القاسم من التيارات الدينية المتطرفة و طروحاتها المتباينة ولاسيما بخصوص مستقبل المنطقة؟
التيارات الدينية تنقسم إلى جزئين، فمنها ما هو رد فعل طبيعي على حالة التردي التي وصلنا إليها وبالتالي هي صرخة غضب مطلوبة في وجه الأنظمة الحاكمة ومنها ما هو صناعة أميركية لتحقيق أغراض معينة.
ما هو تقييمكم للوضع الكردي داخل السيناريو السياسي العراقي أو المنطقي، هل الوضع القائم يبشر بشيء للكرد..؟
ليس هناك أدنى شك بأن الأكراد هم قوم من الأكثر تعرضا للظلم والإجحاف في التاريخ، فمن حقهم أن يكون لديهم كيانهم الخاص أسوة بالأمم الأخرى.
واعتقد من الأفضل للشعب الكردي أن لا ينقاد وراء الذين ظلموه، فصدام حسين مثلا كان عادلا في توزيع ظلمه على الجميع عرباً وأكراد.
بإمكان الأكراد أن يغيروا التاريخ لكنهم لا يستطيعون تغيير الجغرافيا، فقدرهم أن يعيشوا في هذه المنطقة جنبا الى جنب مع العرب وغيرهم وبالتالي عليهم أن يخففوا من غلوائم القومية وأن لا يتماهوا مع “القومجيين” العرب.
لكن أكثر ما يحزنني أن القيادات الكردية تستمتع بتكرار أخطاء الماضي والانسياق وراء من خدعها وكذب عليها مراراً واستغلها لتمرير مشاريع ومخططات لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بمصلحة الشعب الكردي.
أسمع من البعض إتهاماً إلى برنامج الإتجاه المعاكس أنه يأتي بأشخاص ليسوا بالمستوى المطلوب للدفاع أو الحديث في القضية الكردية، بهدف إضعاف الدور الكردي أمام المشاهد العربي؟ ماهو دفاعكم في هذا المجال؟
دعيني أقول لك إن أكثر ما يؤلمني في نهاية البرنامج أن يكون أحد الضيفين ضعيفاً، فهذا يدمر البرنامج.
والمشكلة أن ليس الأكراد وحدهم يوجهون لي هذه التهمة فكل التيارات الأخرى تتهمني بأنني أتي بأشخاص ضعفاء كي يمثلوها لغاية في نفس يعقوب.
وهذا غير صحيح.
فالعامل السيئ دائماً يلقي باللوم على أدواته.
من ناحية اخرى كان لدي ضيوف اكراد من الطراز الاول.
وليس صحيحا ان كلهم كانوا ضعفاء.
يقال إن برنامج الإتجاه المعاكس من البرامج المشاغبة؟ هل المشاغبة هي الصفة التي يجب أن تطلق على مثل هذا البرنامج؟
اعتقد أن وصف الاتجاه المعاكس بالبرنامج المشاغب يقلل من قدره وقيمته، فهذا البرنامج هز أركان الكثير من الأنظمة العربية وجعل دولا كثيرة تسحب سفراءها بسبب بعض حلقاته.
واتذكر ان بعض الدول العربية كانت تستنفر كل اجهزتها الامنية عندما كان الاتجاه المعاكس يتناول قضية تخصها.
وقد لجأت السلطات الجزائرية ذات مرة الى قطع الكهرباء عن العاصمة كي لا ترى البرنامج.
ملاحظة: هذا الحوار نشر باللغة الكردية في جريدة كوردستان رابورت في اربيل وتمت ترجمته العربية بايلاف.