هذا القائد .. هذا الموقف…!.

إبراهيم اليوسف

ثمة  ألم كبير اعتصر قلبي، وأنا أرى عبر وسائل الإعلام، كيف أن الطائرات الأردوغانية، قد شنّت هجومها المقيت، على أهلنا في كردستان الجنوبية، لتعيث دماراً، فلا ينجو من يقع ضمن دارات الموت التي تتركها من بشر، أو شجر، أو ضرع ، أو ثمر، بل تصبّ جام حقدها على كل ما هنالك ، لنرى حيوانات فاغرة الجرح والفم ، في هيئة غريبة، تتقطّر لها القلوب والضمائر دماً……!
لا أريد أن استرسل في توصيف المأساة الكردية الجديدة، لأنّ الكرديّ- و كما تقول الأم الكردية- في التراث: الكبش/ الذكر خلق  للسكين ” وإن كان أعداء الكردي لا يوفرون وعلاً ولا”معزاة، ولاسخلة”، ولا غزالاً ، ولاعصفوراً ، بل ولا حجلاً، حيث أردوغان عايد أطفال كردستان، إيزيديين ومسيحيين وكرداً- في أقدس رزمة أعياد متعانقة- وهو المسلم الذي بات ينسى وصيّة عمر بن الخطاب لجنود المسلمين وقادتهم ، بأن جعل سماء كردستان تهطل سكاكر من قنابل، وحمماً نارية، تحصد الأرواح الكردية البريئة، بعيد مهادنته المصطنعة في الدّعوة إلى ما سمي بـ قانون الندم، وهو الذي يطير صوابه، ككل شوفيني تجاه الكرد، بسبب هذا “العشّ الأوّل” الذي لابدّ أن يكبر ، رغماً عن أنوف هؤلاء، أينما كانوا، وعلى اختلاف هوياتهم……..!.


ولعلّ أكذوبة ملاحقة أشاوس حزب العمال الكردستاني، في جبال كردستان ، وتعقبّهم في مظانّهم، لم تنطل على أحد، ولاسيّما حين نعلم أنّ تاريخ الكماليين والسائرين على خطاهم ملوّث بالدم الكردي، منذ أن قامت لهم قائمة، وما المؤامرة الكبرى التي تمّت على الشيخ سعيد، وضراغيمه، إلا صورة عن عمّا يدور منذئذ إلى اللحظة، حيث أسلحة الغدر، بكافة أشكالها، لم تفتأ لتسكت، كي تقمع أيّة ثورة، أو انتفاضة، أو ومضة أمل، بل ليزرع وباء آخر بين الكرد، طالما تحدّث عنه الناجون من مشانق كمال أتاتورك، وهو بدوره ليس إلا نتيجة إحساس هائل، ومرير، في نفوس مغتصبي خريطة كردستان، ممّن دأبوا – شأن غابريهم- على طمس حقيقة كردستان الكبرى ، ناشرين ثقافة التعمية بطبعاتها المتعددة…….!.
إن أساطين خيار الحرب، والقمع ، والظلم، وإراقة الدم ضد الكردي، ليتعامون عن النظر في طرفي معادلة ، ذات طرفين: ربّما أقواهما، هو في العمق التركي، مبيّت، ارتقى أردوغان نفسه على  بعض سلالمه، وهو يدفن كراهيته في “جبّة الدين” التي لمّا تزل تخدع الكرديّ، ولا أتحدّث هنا عن  جوهر الإسلام، كدين ليس مطوّباً باسم مسلمين دون غيرهم، وكان للكرد فضل في استمراره، في محطات شتّى، حين بات يحتضر على سرير الموات، كي يتنكّر لهم أخوتهم في الدين من جهة، وينتقم منهم من تضرّر من نصرة الكرديّ للإسلام، من جهة أخرى، ليكون الكرديّ بذلك الحالة الاستثنائية في تاريخ تطويب الخرائط، أضحية جميعهم: العالم الغربي- المسلمين- بل الذات الوفية لقناعاتها، بعكس كل من يتحورب من حولها أمام مصلحة ، أو سلطان……..!
ولعلّ كثيرين، ممّن يحاولون خداع ذواتهم، بدعوى قراءة البرهة، من خلال قراءة حاخامية، لنص اليوم، بعين اللحظة المنصرمة، موهومين بالاستفادة من تجربة الآخرين، في ظلّ غياب تجربتهم، ممن عولوا على أمريكا- تماماً، وأقول: تماماً…..

تحديداً، معتقدين بأنّ الدعاوى إلى حقوق الإنسان والمجتمع المدني، من قبل بعض مراكزها، وإن تلك المراكز شاهد عيان على خروقاتها ، نفسها ، سيسبغ على نواياها المصداقية، في إهاب تكفير الغربيّ عن خطاياه تجاه الكردي، أكبر أضحية للغرب، والشرق ، والذّات، في آن واحد، وهو ما كشفت تجارب عديدة عن خطله، دون أن يتّعظ أصحاب هذه الرؤى، رغم محطّات كثيرة رأيناها في العقدين الأخيرين، بأمّ عيوننا، كشهود: تصريح شوارتزكوف -الهجرة المليونية- قصف المناطق الكردية وإصابة وجيه البارزاني أثناء احتلال العراق -عدم حسم أمر المناطق الكردية والمحاولة لإبقاء حالات التوتر المصطنعة كما أرادها الدكتاتور صدام حسين – استقبال الذّئب الأغبر في البيت الأبيض……!
كلّ هذا غيض من فيض، إنّما ليدلّ لكلّ ذي بصر وبصيرة على حقيقة أن أمريكا تنظر إلى الكردي، وفق منظومة مصالحها، فحسب، وهو ما دعا القائد مسعود البارزاني، رغم إعلانه عن “صداقة أمريكا” بلا مواربة ، إلى عدم التردد عن نقدها، وإذا كان الكردي لايمكن له-استعادة خريطته إلا بأمرين اثنين: أولهما معونة شعوب المنطقة، التي بقى وفياً لها، من جهته، ومن طرف واحد، ولم تقدم له إلا جرعات الألم في كل مرة، هذا كاستراتيجية، وثانيهما معونة الضمير العالمي، ربما كتكتيك، فإن لأمريكا مصالح في كردستان، وكان يمكن لهذه المصالح أن تكون وراء مساندتها الكاملة لها، بيد أن هذا ما لم يتم في عدّة محطات مهمّة مشهودة، على المدى القريب، ذلك لأن أمريكا إنّما لديها قانونها الخاص الذي شكلته من مفهوم تبنيها لعقلية المرابي والمقامر، وهو المغامرة بصغرى المصالح ، أمام كبراها، وهي من كبائر “شرمطة” السياسة، وإلا فعلى أية قاعدة أخلاقية، يمكن محاسبة أمريكا على جريمة استقبالها لأردوغان، وتفهمها معه، وإطلاق يده الملطخة بالدّم الكردي، بإعطائه الضوء كي يصول، ويجول، كما يشتهي، وكانت النتيجة انتهاك حرمة حدود دولة، جارة، آمنة، بعد أن تمّ بناء دولته على أساس خرائط غيره، وسط سكوت مقيت غير مفهوم، من حكومة بغداد، وإن كان نوري المالكي قد تطاول بالقول، إن  p.k.kحزب إرهابي، فلم يطلب منه أحد أي من هؤلاء أن يعتذر، مع أنه لا يقول مثل ذلك عن حزب الله ، مع أنه لا توجد للبنان أرض محتلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي البغيض، إذا استثنينا إشكالية مزارع شبعا المعروفة، وهي التي لا تقارن- كمساحة- بالجزء الكبير من مساحة كردستان الشمالية، وهل سينجرّ لتقويم حماس، كما يفعله الآن أكثرية الشعب الفلسطيني…….!  
  ولعلّ مسعود البارزاني، الذي اتخّذ موقفاً كرديا نبيلاً، شهماً، على غرار جده “الشيخ سعيد بيران” في إطلاق صرخة التحدي المدويّة ضدّ التهديدات التركية، بقي وفياً لوعده -وسط كل ما يريد أن يكبح موقفه الشهم والشجاع داخلاً وخارجاً، ولعلّ ذلك تجلّى في عدم السفر إلى بغداد مؤخراً، أثناء زيارة كونديرا رايس إليها، وهي رسولة دولة القطب الأوحد- ليكون ذلك ردّاَ بطولياً على تخاذل الأمريكان، تجاه كرد العراق، كما حكومتهم في المركز، منحازين بذلك إلى تركيا، مادامت هناك نقلة أخرى لحجر شطرنجها، في مواجهة إيران، هذه المواجهة التي ليست في المحصلة لنصرة قضية كردها، وشعبها المغتصب، بل من أجل نفط المنطقة، وثرواتها، وشجرها، وحجرها، وهوائها، ومائها………….!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…