تراجيديا القهر ..

روني علي

  قد نكون مرغمين ومنقادين، بفعل جملة من التراكمات، تلك التي أفرزتها تفاعلات التاريخ مع السياسة، والتي شوهت الإنسان إلى ذاك الحد الذي لم يعد قادراً على أن يمارس ذاته ضمن صيرورة التطور، ووفق تعبيرات، تجسد القيم والمبادئ والمثل، إلى الانكفاء على الذات والرضوخ لمسارات، فيها الكثير من تقزيم الفعل والإرادة، وذلك لكوننا ابتلينا – كشعوب الشرق قاطبة – بتلك الثقافة التي أخرجت الإنسان إلى حيز الواقع، وهو يدافع بكل ما يمتلكه من وسائل، من أجل الذات وفي سبيل الذات، حتى لو كان ذلك على حساب نسف الآخر، وعليه فإن مجرد البحث عن مخارج لتصحيح مسارات الخطأ أو الخلل في أي موقع وجهة، يضعنا – وجهاً لوجه – في مواجهة حزمة من الاستحقاقات المتداخلة

بمعنى آخر؛ لو امتلكنا إرادة الفعل وأردنا الدخول في معالجة القضايا الإشكالية ضمن قطاع معين، كان علينا أن نعالج تلك القضايا في إطاره الوطني، والتي تتصل – حكماً – بشكل النظام والصيغة التي تشكلت من جراء ممارساته، وهذا ما يقودنا – رغماً عنا – إلى البحث في الجذور والبواعث التي فرخت هذه المنظومة، بعبارة أخرى نستطيع القول؛ أنه لا يمكن لنا أن نواجه أي من مكامن الخطأ دون التصدي للمنظومة التي تشكل مناخه والأرضية المهيأة له، ومن هنا نكون في أغلب الأحيان تائهين في بحثنا عن الحلول، خاصةً إذا ما أردنا تجزئتها، والدخول فيها بمعزل عن أسبابها ومسبباتها ..
   ولو أردنا أن نناقش الحالة الكردية بقضاياها السياسية وتعبيراتها الحزبية، ونحن نبحث عن مرتكزات فعل يهدف إلى إخراج الإنسان الكردي من براثن التشتت وهواجس التشظي، إلى جانب ما يعانيه من قيم مجتمعية، هي وليدة منظومات قبلية تفعل فعلها في قهره وتكبيله، كان علينا أن ننبش في بواطن الأمور ونستند إلى عمليات التحليل والتركيب، علنا نتمكن من الإلمام بمفردات الحل، بعيداً عن الأساليب التوفيقية والمعالجات الترقيعية، والتي هي من سمات الضعف، ونابعة من إرادة مقهورة لا تمتلك أي من خيارات الفعل ضمن فضاء يمتلك معطيات القضايا الإشكالية، ويمنح الإنسان تلك الثقة التي من شأنها أن تدفع بالأمور إلى حيث مواقعها الصحيحة ..
   فالكل الكردي المتابع، بات على مقربة من تلمس الواقع المعاش ضمن الآليات الحزبية، على أنها لم تعد تمتلك خياراتها، وأنها لم تستطع أن تترجم برامجها المتواضعة – فكرياً وسياسياً – ضمن حقول الممارسة، وبرأي هذا الكل؛ أن السبب يعود في ذلك إلى حالة الانقسام المفرط في خاصرته، وعليه نرى الدعوات المتكررة والمتلاحقة من هنا وهناك، وهي تهدف لم الصف وشد الأزر وتوحيد الموقف والكلمة والأطر، دون أن نبحث في الأسباب ونطرح التساؤل التالي : لماذا انقسمنا أصلاً ..؟ وماذا كان الدافع لتلك الانقسامات ..؟ وهل امتلكنا سبل الخروج من تلك المعضلة حتى نتمكن من السير باتجاه الطموح ونلتقي، أم أن الموضوع برمته يتعلق بشكل النظام وأدائه وأجنداته، وكذلك القاسم المشترك بينه وبين البناء السياسي الحزبي الكردي، من جهة الذهنية وشكل الممارسة، لأنه لو أردنا تبسيط الأمور والركون إلى المصلحة القومية والوطنية، وكذلك الانطلاق من القيم الأخلاقية، بما في ذلك احترام مشاعر الإنسان الكردي، كان علينا أن نضع المسائل في سياقاتها الطبيعية، والتي تتحتم علينا أن نشير بأصابع المسؤولية إلى تلك الجهات التي تهيمن على القرار الحزبي، بل على الجسم الحزبي ككل، محاولةً منها أن تجعل من الوعاء الحزبي مرتعاً لأهوائها وحصناً منيعاً لانكسارتها في مواجهة الغير، سواء المختلف أو المخالف، بعيداً كل البعد عن مشاعر البسطاء الذين تولدت لديهم القناعة – رغماً عنهم – بأن ما يفرقنا هي لعنة القدر، وأن الكرد لا يمكن لهم أن ينكبوا على المشترك وفق عقلية الشراكة، لأنه لو استبعدنا هذه المقولة من الواجهة، كان لزاماً علينا أن نرتكب القباحات بحجم وعدد المتناحرين والمنقسمين والمناكفين في تلك المواقع، تلك التي تؤهلهم لأن يسترخصوا مشاعر الإنسان الكردي ضمن تناحرات وكذلك أجندات ومقايضات سياسية، فيها خدمة للذات وتطويعاً لخيارات نحن بمنأى عن الدخول فيها حتى لا نكون من أنصار التأزيم أكثر مما هو مفروض علينا ..

 
  إن ما نجتازه من أزمات، سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد القومي، وخاصةً في الجانب السياسي، لا يتصل بشكل أو بآخر بظاهرة معينة، وإنما هي كل متكامل، تنبع من ذهنية فرخت بحكم ممارساتها وامتلاكها لمصادر القوة، حالة ثقافية مجتمعية تتجسد عنوانها في الخوف من المواجهة، لأن في ذلك انهيار للذات وهدم دون البناء، وأن الذين يمارسون الفعل استناداً إلى هذه المنظومة، واعين لمثل هذه الحقيقة، ومدركين جيداً المآل التي آلت إليها نفسية الإنسان الكردي، الذي جرب الكثير من الخيارات، ولم يجلب من نتيجتها سوى المزيد من التفقيسات الحزبية، والمزيد من الأرقام الخاوية وهي تحتل صدارة الموقف، وعليه وبما أن الطاغي في المعادلة الحزبية هي الأجندات والأرقام والمواقع، بعيداً عن الفكر والثقافة والمعرفة، فإن مجمل الممارسات الجانبية سوف لن تقودنا سوى إلى عمليات تبديل في الأشكال والأسماء، دون الإتيان بالصيغ والآليات، التي من شأنها دفع الأمور إلى حيث ما فيها المصلحة التي ندعيها ونناضل من أجلها ..
   نعود ونقول؛ إن الحالة الكردية ضمن الممارسة الحزبية، ووفقاً لما هو عليه من أجندات وخيوط عنكبوتية، لا تحتمل المظاهرات الاحتجاجية، ولا يمكن مواجهتها بالتصدي لها، لأن في ذلك دخول إلى مواجهات أكثر تداخلاً، وأن مجرد التفكير بمقاومة ظاهرة أو سلوك معين، سواء أكان تحت مسميات التفرد أو الاستفراد، سوف لن تجلب لنا سوى حالة أخرى من فرط العقد التي نحن بمنأى عنها، خاصةً لو أدركنا أننا نعيش وسط حالة من غياب مسارات الفكر والمعرفة ضمن الهياكل المتحكمة في صنع القرار، والتي لا تمتلك القدرة على التخلي عن هواجسها بموازاة حالة الرفض لها، أو التي تكبلت إرادتها بحكم الواقع المفروض والتناحرات الموجودة التي تهدف إلى عمليات الإحلال في المحل دون الإتيان بالبدائل التي من شأنها وضع الآليات وضخ الدماء في شرايين الفعل السياسي الحزبي، ومن هنا فإن عجلة التطور السياسي في الحزب الكردي ما زالت متلاصقة مع الماضي، ذاك الذي يمتلك كل مقومات إدارة الأزمة دون أن يجتاز السقف المرسوم والمحدد، وإلا لكنا أمام حالات من التنحي من لدن أقطاب التصارع ضمن الهياكل التي أصبحت بفعل الأداء والممارسة، عبئاً أمام كل ما من شأنه أن يدفع بالحراك السياسي الكردي نحو التفاعل بالاستناد إلى دماء تمتلك أدوات التفعيل .

   فكل ما يجري يجبرنا أمام حالة النكوص إلى أن نقول عنه أنه لعنة القدر ولا شيء سواه .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…