لكل إنسان أن يحلم بما يشاء وكما يشاء، فمثلما يقال: “الحكي ما عليه ضرايب” فكذلك ليس من حق أحد أن يمنع على الآخر أن يحلم بما يريده فلن يكون لأحلامه أي أبعاد سياسية أو أخلاقية أو تأثير عملي ومعرقل لمشاريع وأحلام الآخرين الذين يتواجدون معه في دوائر الحلم هذه وكذلك الوجود العملي اليومي وحركتهم الوجودية هذه لن تتعثر بهذه الأحلام.
لكن يبدو هذا صحيحاً على المستوى النظري (الحكي) أما على المستوى العملي (البراغماتي) فهناك من يحسب الحسابات لأحلامك أيضاً؛ فالحلم والحالم والحليم مشتقات لغوية تدل على الطموح والرغبة الكامنة في تحقيق أمرٍ غير محقق وهي تندفع وتأتي إلى (الوجود) عبر آليات نفسية معقدة وتنقسم (أي الأحلام) ما بين أحلام اليقظة والأحلام التي تتراءى للمرء أثناء نومه.
كان لا بد من التوطئة السابقة لنقف عند مسألة (الحلم الكوردي) في بناء كوردستان ككيان ودولة ذات سيادة واستقلالية وجغرافية معترفة بها ضمن خرائط العالم وكذلك في المحافل الدولية كهيئة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات والهيئات الدولية وذلك أسوةً ببقية شعوب العالم وأممها، حيث إن عدنا إلى التاريخ فإن هذه الأمة (الأمة الكوردية) تدعي بأنها لا تقل قدماً وعراقةً عن بقية شعوب وأمم المنطقة، بل إنها أعرق من الكثير من بعض الأمم التي تتقاسم معها هذه الجغرافية والتي لها دولها وكياناتها السياسية وتنكر على الكورد أن يكون لهم كيانهم السياسي المستقل.
وكذلك بالنسبة إلى الكثافة السكانية فإن الكورد يشكلون أكبر قومية وشعب، وعلى الإطلاق، محروم من حقوقه السياسية والقومية؛ إنه يتجاوز الأربعين مليون بشري محروم من ذاك الكيان السياسي، بينما هناك دول وكيانات سياسية لا تتجاوز عدد سكانها عن بضعة آلاف، سنغافورة ودول الخليج العربي كأمثلة نوردها على ذلك.
أما من حيث الفعل التاريخي ومساهمة الشعوب في بناء الحضارات الإنسانية، فالكورد لا يقلون شأناً عن غيرهم من حيث المساهمة في هذا الجانب، فناهيك عن التاريخ القديم وحضاراتها والتي للكورد نصيبٌ منها كغيرهم من شعوب العالم، مثل حضارات الميديين والميتانيين والهثيين والهوريين وغيرهم من تلك الشعوب والقبائل التي تعتبر أسلاف الكورد والذين أنشئوا حضاراتٍ إنسانية عظيمة في المنطقة، فإن الكورد وفي التاريخ الحديث قد ساهموا ومن خلال الحضارة الإسلامية بقسطٍ وافرٍ – لا تقل عن بقية الشعوب التي انضوت تحت راية الإسلام، إن كان قسراً أو طواعيتاً – من الجهد والعمل والإبداع وفي كل الحقول المعرفية والفكرية وكذلك في الفتوحات والغزوات الإسلامية ويكفي أن نذكر بعض الأسماء للتذكرة فقط كصلاح الدين الأيوبي وابن خلكان وابن المستوفي وابن الشداد وابن الأثير والشهرزوري وعماد الكاتب وغيرهم الكثير من الكتاب والقادة والفقهاء والشعراء الذين كتبوا نتاجاتهم باللغة العربية لغة القرآن و(القداسة) وكذلك الذين كتبوا بلغتهم الأم أمثال: ملايا جزيري فقيه تيران وأحمدي خاني وغيرهم وما زالت هذه الأمة تعطي الفكر الإنساني – وكغيرها من الأمم – العديد من المبدعين والمفكرين والقادة السياسيين.
ومن ناحية الجغرافية فإن مساحة كوردستان والمقسمة بين الدول الأربعة (تركيا، إيران، العراق وسوريا) لا تقل عن مساحة فرنسا، ناهيك عن الدولة – المدينة أو الدولة – القبيلة.
وللعلم وتوضيحاً لكل من يرفض مصطلح كوردستان نود أن نقول: بأنه مصطلح جيوسياسي أي يتعلق بجانب منه بمسألة الجغرافية حيث يتكون من أقاليم ومناطق وتضاريس بمعنى (جيو) والجانب الآخر السياسي والذي يعيش عليها (أي على هذه الجغرافية) شعب وقوم وأمة تعرف باسم الكورد ومن هنا أخذ المصطلح تسميته (كوردستان) مثلها مثل (باكستان وطاجيكستان وتركمانستان وعربستان وأفغانستان) وغيرها من الدول التي تأخذ تسميتها وحسب الجذر اللغوي للشعوب الهندو-أوروبية من المقطع المتعلق بالعرق والأثنية (الكورد، الطاجيك، الأفغان..) ومقطع الأرض والجغرافية والتي تدل عليها بجذر (ستان).
وهكذا فإن مصطلح كوردستان تعني أرض الكورد أي هي تلك المناطق التي تعيش عليها الشعب الكوردي مثلهم في ذلك مثل بقية شعوب العالم وبالتالي فمن حقهم أن يكون لهم كيانهم السياسي الذي يعبر عن هويتهم.
ذاك هو (الحلم الكوردي) الذي يصطدم بالواقع الراهن؛ حيث التقسيم والقمع والاستبداد والاستلاب للجغرافية والهوية الكوردية من قبل مجموع هذه البلدان التي تقتسم كوردستان فيما بينها مع بعض الخصوصية لإقليم كوردستان (العراق) والذي بدوره يتعرض للكثير من الضغوط، بل التهميش والإنكار ومحاولات نسفها وإلغائها من الوجود والخارطة السياسية العراقية من قبل مجموع القوى والتيارات السياسية السلفية الدينية والقومية وكذلك من أكثر دول المنطقة وخاصةً التي تستلب كوردستان أرضاً وشعباً وما رأيناه ونراه من قبل هذه القوى والدول وممارساتها بصدد الأزمة الأخيرة بين حزب العمال الكوردستاني وتركيا والعراق والإقليم ورفض الدولة التركية للحوار المباشر مع حكومة إقليم كوردستان (العراق) وكذلك تصريحات بعض قادة هذه الدول و(شرعنة) الاجتياح التركي للإقليم، ناهيك عن مواقف الصمت والسكوت العربي والإسلامي بصدد هذه القضية الإشكالية، بل التشفي من قبل أولئك المغالين القوميين والإسلاميين من أن تركيا سوف تأخذ بثأرهم من هؤلاء (أصحاب الشراويل الخونة والعملاء والحمقى و..) إلى ما هنالك من التوصيفات التصغيرية والتحقيرية بحق الشعب الكوردي وإقليم كوردستان (العراق) ليس إلا تعبيراً واضحاً وجلياً عن حقد هؤلاء على الكورد وأحلامهم وأمانيهم في حياة حرة كريمة تتحقق فيها المساواة والعدالة الإنسانية.
وهكذا وفي عرف هؤلاء؛ (أخوة الدين والتاريخ والجغرافية والحياة المشتركة) فإن الكورد أقل شأناً وحضارةً وفهماً وسلوكاً ومكانةً وقيمةً و..
من أن يكون لهم كيان سياسي (دولة) وعلى غرار الشعوب العربية والتركية والفارسية.
فالكورد – أيضاً في عرفهم وثقافتهم – لم يخلقوا إلا ليخدموا هؤلاء السادة والقادة وشعوبهم ودولهم وقبائلهم وبغالهم و..
فـ(الكوردي الجيد هو الكوردي الميت) أو هو ذاك المطيع الخانع المستلب الذي يتنكر لكل خصوصياته الثقافية اللغوية والحضارية ولا بأس بهم أن يكونوا (أتراك الجبال) أو (أعراب الفرس) أو من إحدى القبائل العربية البائدة السالفة والويل كل الويل له إن نزل من الجبل إلى المدينة حيث يكون الصبية له بالمرصاد لينادوا عليه: (كردي كردي بالجبل، حط راس باللبن، نادت أمه وينوا، ضربة تقلع عينوا) لنصل في هذه الأيام بأن يدّعى علينا ومن خلال المنابر الإعلامية بالهلاك وبأس المصير، بل وصل الأمر بأحد أئمة الجوامع في منطقة عفرين وفي إحدى القرى التابعة لناحية (جندريسه) وفي خيمة عزاء بأن يُدعي على الكورد وإقليمهم الكوردستاني بالويل والدمار وعظائم الأمور و (أن لا تقوم لهم قائمة ولا كيان) وهو الذي يقتات على فتات خيرات المنطقة وأبنائها من الكورد.
وأخيراً فهل نطلب من أبناء شعبنا أن يكفوا عن أن يحلموا ليس بكيانٍ سياسي كوردستاني ولكن أيضاً على أنهم ذو خصوصية حضارية – ثقافية مختلفة عن بقية شعوب المنطقة وإن كانوا يتقاطعون معهم في مفاصل كثيرة، أم أن هذه الحكومات سوف تقوم بتشكيل أجهزة أمنية ومخابراتية تحت مسمى (جهاز أمن الأحلام) تمنع على الكورد وتصادر منهم أحلامهم وأمانيهم ورغباتهم.
وهكذا نعيش ليس من دون ذاكرة تاريخية ماضوية ولكن من دون رؤى وأحلام، وردية إن كانت أم كوردستانية، بمستقبلٍ أفضل لأجيالنا بأن تتعايش داخل هذه الجغرافيات وإن اختلفت المسميات بين المصطلحات الجيوسياسية من تركيا إلى إيران ومجموعة الدول العربية لنصل أخيراً إلى كوردستان (الحلم الكوردي) والذي يتحول، شيئاً فشيئاً، إلى كيان وحقيقة سياسية بعد أن كان واقعاً جغرافياً ليجعل هؤلاء المتطرفين والمغالين يعيشون كوابيسهم المرعبة في قيام الدولة الكوردية.