كلام في الشمس .. قراءة في كلام في الظل

زارا سيدا

لا حاجة لكلام في الظل إن كنا قادرين على الكلام في الشمس, بعيداً  عن ” الانتقادات اللاذعة وغير المبررة ، ولكثير من الغارات الإعلامية المغبرّة غير الناضجة ” التي ” كانت تهدف «آزادي» سياسياً وتنظيميا” ,  بل نحو قدر ممكن من الصراحة والمكاشفة , نتناول فيها ما قاله وما تجنبه السيد بلند حسن في عموده (كلام في الظل) في جريدة  أو نشرة (آزادي) بنسختها الأخيرة.
يبدأ الكاتب مقاله بتوجيه الاتهام إلى كل من اختلف مع آزادي  أو بالأخص مع السيد سكرتير الحزب أو وجه إليها اللوم علناً أو سراً , إزاء ما بدر عن سكرتير الحزب من تصرف إقصائي لا لبس فيه , وخص حلفاء حزبه في لجنة التنسيق بالكثير منه وذلك برأيه ” في محاولة منهم لجعل آزادي مطية لتحقيق مشاريع أنانية حزبية خفية وضيّقة ” , وذلك في محاولة هروب إلى الأمام , فبدلاً أن ينتقد ذاك التصرف لجأ إلى نقد من استهجن الموقف , التصرف , وكأن المنقود سواءً  كان الحزب أو السيد السكرتير هو فوق النقد , واتهم غير حلفائه بأنهم لا يكنون الود لحزبه وأنهم ” يعملون لتجاوز إفلاسهم السياسي والجماهيري ” , فلدى السيد الكاتب إيمان راسخ  في لا وعيه بحزبه من حيث الحجم و امتلاك الرؤية الصحيحة التي تكاد لا تشوبها شائبة , سواء  في الفعل السياسي  أو في الحياة الحزبية , وقد يكون ذلك إيمان بشخص السكرتير و قدرته على امتلاك الآليات المعرفية و الفكرية , وقد يستشهد لنفسه سكوت السواد الأعظم من رفاق الحزب في القيادة خاصة والقاعدة عموماً وامتناعهم عن لوم الرفيق السكرتير , وليستنتج صحة ما ذهب إليه السكرتير في إقصاء الحزب اليساري بمنعه إلقاء كلمته في التجمع الجماهيري الذي حدث في القامشلي 5/10/2007 , غير مدرك أن دفاعه في الجوهر هو عن حزب القائد (السكرتير) , الحزب اليساري الذي انحل شكلاً و الاتحاد الشعب في قالب جديد سمي آزادي  , وإلا هل من مبرر لما حدث , سوى اعتبار السيد خير الدين مراد نفسه هو الممثل الحقيقي للحزب اليساري , وإن الطرف الآخر – الحزب اليساري القائم – ليس بيسار , و ما يترتب على هذا التفكير هو عدم الاعتراف بشريعة الآخر شكلاً و مضموناً , وبالتالي لا ضير من منع ما من هو (غير شرعي) _ وفق رؤاهم _ , في ظل لا زال البعض يردد أن اليسار بقي اليسار وأن الاتحاد الشعبي ظل الاتحاد الشعبي.
و يستطرد السيد بلند حسن رؤيته ونصه ببيان حدود النقد المكن ومساحته ” شرط أنْ يكون ضمن قواعد وأسس لا تمسّ شخصية آزادي ” , أي ” في الإطار العام للمواقف السياسية ” , ويتهم حلفاء حزبه بأنهم ” أخذوا من مواقف الحزب مادة لإطلاق مواقف نارية، ووطنية، لكسب منافع حزبية ضيقة ” .

يبدو أن السيد بلند حسن انطلق من عقلية تقول بأن الحليف مجبر في الدفاع عن حليفه ونصرته في الحق والباطل , كما هو حال التحالفات القائمة على أساس أن يعترف كل بالآخر و يدافع عن أحقية حليفه بالوجود ليطفِ بذلك صفة الشرعية كُّل على حليفه , بعكس ما هو مفترض في لجنة التنسيق حيث الجامع هو رؤية وفعل سياسي , يُتأمل أن يتمخض عنه مشاريع نضالية حقيقية ,لا بناء أمجاد هُلامية على حساب الآخر الشريك , كما يُتهم بذلك حلفاء آزادي من قبله , لمجرد أنهم انتقدوه في سلوك ما .إن تسمية الأمور بغير مسمّياتها نتيجةٌ لقصر في الرؤى , كما إن سرعة إطلاق الأحكام والتهم لمجرد الشك أو سوء الظن نتيجةٌ للاستحكام إلى غير المنطق.


إن تحجج البعض بخصوصية الحياة الحزبية وحرية الاختيار تحت مسمى الشأن الحزبي, و الضرب على أفواه كل من يطالب بتصحيح هذا الشأن في الداخل والخارج معاً , تفضي غالباً إلى خلق ديمقراطيات مشوهة تكون في جوهرها ديكتاتورية مبطنة أو مقنعة , وهو ما نخشى أن يكون السيد خير الدين قد أوقع آزادي فيه , باختزاله لقرار الحزب في قراره الشخصي , و وجود من يفتي ويدافع عن هذه الرؤية , كمن يذر الرماد في العيون .
جو من الحذر المتبادل والاصطياد في الماء العكر هي الصورة التي ينقلها لنا المقال عن علاقات لجنة التنسيق فيما بينها , والتساؤلات حول مستقبل اللجنة و مدى فائدتها تبين أن لدى آزادي أو سكرتيرها  حالة مراجعة لمستقبل الحزب في التنسيق , و عن مدى فائدة حلفاء منتقدين لا يقبلون بسلوكيات حليفه, وبذلك تشهر ورقة تهديد ل/ يكيتي وتيار المستقبل / بالانسحاب من لجنة التنسيق , يغذيه شعور بإمكانية الرجوع في الحضن الأول (الجبهة) , كما ظهر في العديد من المواقف والبيانات.

” ألم يعد ثمّة من فائدة من وجود هذا الحلف ؟ إذا لم يكن الأمر قد أخذ هذا المنحى .

فلماذا إذاً هذه الحملات التي لا تخدم العلاقات المشتركة ؟! .”
في انتقاله إلى ما كتب آنذاك وحول اللغط الحاصل يتحدث السيد بلند يصفه “بأن ذلك لا يخدم المصلحة العليا للشعب الكردي” , وهو كلام حق ولكن لو استوقف نفسه عندما شرع بالكتابة لأدرك بكل مسؤولية, أن  دفاعه الغير مبرر و اتهاماته هنا وهناك لا تخدم شعبنا المصلحة العليا لشعبنا الكردي , فتكريس ثقافة الإقصاء و تبرير الإلغاء لأي شخص كبر أو صغر , يضر أيضاً بالفكر الجمعي للحزب وللمجتمع ويضعف من الثقة بين الحزب و جماهيره.
في نهاية كلامه في الظل يشير السيد بلند إلى ” أهمية مناقشة الاختلافات والتباينات داخل اللقاءات الرسمية مع حلفاء النضال ، بعيداً عن التشهير والإساءات التي تخلق مساحات ظليلة من عدم الودّ.

” , و يطالب ب “بذل الجهود من أجل مزيد من التقارب للارتقاء بالعمل النضالي” , وهو ما لا يختلف عليه أيُّ منا , ولكن يبقى للنقد البناء والعلني دور هام  وفعال في ظل عدم وجود مؤسسات تقيّم الفكر و الفعل السياسي بطرق علمية , و تنتقد جوانب الخطأ  لتقويمه , ولما فيه (النقد العلني) من مشاركة الشعب – الذي يفترض بالنخب السياسية أن تمثله – في عملية التقويم والنقد , بعيداً عن الولاء لشيء سوى المصلحة العليا للشعب الكردي.
بدأ الكلام في الظل بالتهم و رفض المختلف وتدرج في حماس حزبي مستغرق في حزبيته  يدافع بلا هوادة عن حزبه الذي وجده فجأة في خانة النقد والنيل منه , وهو الذي يترسم في لا وعيه صورة مشرقة عن الحزب , يعتقد أنها نفس الصورة توجد في لا وعي كل الناس , فوجد من واجبه الذود عن حزبه و وفق الموقف عن شخص سكرتيرها بشكل غير مباشر ,  و تحرك باستراتيجة الهجوم خير وسيلة للدفاع , إلا أنه أدرك نفسه في نهاية كلامه بنوع من النصح وإبداء شيء من الود و المسؤولية خشية ارتداد التهم عليه , فبات يستخدم عبارة مصلحة الشعب الكردي وبها ختم كلامه.

ليس إلا , تفكير بصوت عال , بعيداً عن الهمس والتورية و الاختباء , بعيداً عن الغايات والمقاصد , حتى نتحرك من الظل إلى الشمس لا بد لنا من تحريك ذواتنا الساكنة المستكينة في الظل , ونتحرك بالظل الذي يسكن نفوسنا أيضاً نحو الشمس , كل هذا الكلام هو محاولة نحو الشمس , رغم كل ذاك أتمنى أن نفقه خطرة الظل وخطرة الشمس التي تفقه كل من لم يفق.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…