ibneljezire@maktoob.com
1- من الناحية النظرية فإن التقاء جميع الطاقات المؤثرة لمجتمع ما –شعب ما – ضمن إطار واحد-حزب مثلا-هو غاية يتمناها أي احد من أبناء المجتمع..!
ولقد غلب هذا التصور في ذهنية الإنسان الكردي في سوريا منذ نشأة الحزب الكردي الأول في عام 1957 والذي ظل حزبا واحدا حتى عام 1965 عندما انقسم على ذاته وأصبح حزبين،لم تفلح جهود المرحوم البارزاني الخالد في توحيدهما،رغم مشاركتهما –قياداتهما- في المؤتمر الوطني التوحيدي في آب 1970.
وبغض النظر عن الأخطاء التي رافقت هذه التجربة – والخطأ سمة بشرية،وتعيشها باستمرار الأحزاب الكردية وغير الكردية-وإنما يكون تجاوزها بتوفر النية الصادقة والوعي والإرادة،بل وتحويلها إلى خلاصة تجربة مستفادة للمستقبل.
يقول المهاتما غاندي زعيم الهند ومحررها، وصاحب نظرية اللاعنف ((لا يوجد في حياة الأفراد والشعوب خطا لا يمكن إصلاحه.إن الرجوع عن الخطأ هو إصلاحه)).
ولا نريد الآن أن ندخل في تفاصيل مجريات تلك الفترة وما رافقها من مواقف حزبية متزمتة أسست لما نشهده اليوم من غلبة الروح الحزبية على الروح القومية والتي كانت نشأة الحزب أداة للنضال من اجل أهدافها (القومية).
2- من الناحية العملية فإن التطور الحاصل في المجتمع – بغض النظر عن طبيعته- ومنه ما كان إيجابيا، لجهة انتشار المعرفة بسويات مختلفة،وتكوّن أنماط اجتماعية متفاوتة في حظها من هذا التطور، لجهة سوية العيش، ومستوى التفكير والوعي…منذ عام 1970 وحتى الوقت الراهن…
هذا التطور لا يوفر الأرضية لفكرة الوحدة الاندماجية بين الأحزاب-وهذا طبيعي في سياق التطور-إضافة إلى المناخ النفسي والثقافي الذي أنتجته الصراعات بين الأحزاب منذ انقسامها الأول 1965وحتى العام 1991 .
وادت إلى تكريس انكفاء الذهنية الحزبية على نفسها –والدوران حول ذاتها ممجدة إياها وكل ما تنتجه من أفكار ومواقف وسلوك..!- ومن ثم النظر إلى الآخرين المختلفين كأعداء، بدلا من الإيمان بالرؤى المختلفة مادامت القضية واحدة، والأهداف متقاربة، ووسائل النضال تكاد تكون واحدة ، أوضحنا ذلك في دراسة منشورة في مواقع مختلفة بعنوان: (قراءة مختصرة في أدبيات الأحزاب الكردية في سوريا) والتي ينبغي أن تتفاعل في مناخ من الديمقراطية في السلوك داخل الحزب الواحد،ومع الأنساق الاجتماعية الأخرى.
المشكلة المؤرقة –هنا- هي التزمت في الذهنية الحزبية منذ الانقسام الأول،والتي تكرست خلال نمط الصراع الذي عاشته الأحزاب وأدى إلى تكاثر غير طبيعي ،محورها هذه الذهنية المتزمتة، إضافة إلى فكرة خاطئة انسابت إلى هذه الذهنية، وعششت فيها، وهي النظر إلى الموقع الإداري في الحزب- كامتياز شخصي- لا كمسؤولية تتطلب خصائص نضالية لشغلها.
وقد ساهمت القيادات التي طال الأمد بها في مواقعها،في هذه النزعة والسلوك عمليا، بتربية محسوبيات ودعمها، ضمانا لاستمرارها هي في مواقعها، فأنتجت شخصيات هزيلة أحاطتها بنفسها لئلا تنقلب عليها،وتبقى مرتبطة بها- ولاءا- لا تستطيع الحياد عنه.وهذه خاصة الأنظمة الاستبدادية منذ الأيام الأولى لوجود الملكية ، ولكن الشعوب الحية تجاوزتها –أوروبا وأمريكا واليابان…-
والمشكلة الأخرى أن هذا التكوين في الذهنية لا يزال من تأثير التربية العشائرية بقيمها المتخلفة – قياسا لتطور المجتمعات –وفكرها السكوني في النظر إلى استمرار ما هو قائم، ومعاداة التغيير..! وامتزج ذلك بمصالحها في بقاء هذا الواقع على ما هو عليه.
هذه الحالة حرمت الأحزاب الكردية –قياداتها –من ممارسة حالة طبيعية من التفكير..
والتحليل..
والتقويم… للخروج من عنق الزجاجة إلى فضاء العمل الرحب، والمنفتح، والمتطور..!
وبدلا من ذلك فقد لجأت إلى فرض رؤاها الخاصة، كمنهج وحيد ينبغي أن يلتف حوله-أو يتبعه- الجميع.مما يشكل –دائما-مصدر قلق..
وتخوف للآخرين المختلفين-من الكرد طبعا-.
لاسيما أن الوسائل العملية المتبعة-أو المعاشة-إضافة إلى نوعيات الأشخاص الحزبين قد تقو لبوا-إذا جاز التعبير- في اطر جامدة منذ عشرات الأعوام،وتكاد تكون تكلست عند بعضها..!
لذا فإن غياب الحيوية في التفكير، والقابلية للتغيير عبر نوع من التداول في المسؤوليات ضمن الحزب الواحد..ووجود أشخاص على رأس الحزب-أي حزب- على مدى طويل… يوجد هوة عميقة بينها وبين الجماهير التي تدعي الأحزاب دوما أهميتها، وأنها تعود إليها..ومن ثم فإنها تهرب من الصيغ النضالية الطبيعية –مقتضى النضال السياسي-إلى صيغ يغلب فيها الدبلوماسية الأقل تكلفة في ساحة النضال.
وتنسجم مع النظرة إلى القيادة الحزبية كامتياز..!فتلجأ إلى وسائل تبهر بها الجماهير وتشغلها والتي –هي دائما- تنتظر أداء نضاليا متقدما ومؤثرا بأدواته الفاعلة على كل صعيد.
ونسال ما هو المطلوب كرديا؟
وحدة الأحزاب أم انتظامها في إطار ما..؟
منذ الانتفاضة الحية عام 1991 في كردستان العراق ظهرت مستجدات على الساحة النضالية الكردية فرضت على الأحزاب الكردية في سوريا نوعا من التحرك ضمن نوع من التعاون فكان تجلّيه، اجتماع الأحزاب الكردية على :
تشكيل لجان تتكون من حزبيين، ووطنيين مستقلين، لجمع التبرعات للمنتفضين بقيادة جبهتي: (جود) و(جوقد).
واللتين كانت تضمان معظم الأحزاب العراقية المعارضة-ومنها الأحزاب الكردية-حينذاك ،وقد باركت السلطات ذلك لموقفها العدائي من نظام صدام حسين آنئذ.
وبغض النظر عن الأخطاء التي رافقت التجربة –مرة أخرى-فقد كانت قاعدة رسخت فكرة ضرورة تعاون بين الأحزاب، وان كان شكْل مثل هذا التعاون قد بدا عبر تحالف عام 1986،ولكنه كان تعاونا سطحيا، الغاية منه إرضاء الجماهير الضاغطة في هذا الاتجاه، واستجابة لواقع موضوعي عاشته الأحزاب ضعيفة، فكانت بحاجة إلى حركة ما، تنعش حضورها بين الجماهير المالّة من تشر ذمها، وضعف أدائها..
وظل هذا التحالف شكليا أكثر من كونه فاعلا، بل وأصبح وسيلة لإدارة الصراع بشكل جديد مع الأحزاب المختلفة، فاستبعدت بعضها من الانضمام إلى التحالف أو تمنعت بعضها عن ذلك..
ليست الغاية من سرد هذه الوقائع، التأريخ لها،فهي موثقة في أدبيات الأحزاب، وفي أذهان المعاصرين للمرحلة.
الغاية هي: تسليط الضوء على الذهنية الحزبية التي ترى ذاتها محورا ينبغي أن يدور الآخرون في فلكها-وهي عامة مع تفاوت طبعا بحسب تكوين الشخصية- وذلك بدلا من صيغة تفاعل ايجابي بين الحالة الحزبية بعضها بعضا،وبينها وبين الجماهير التي يفترض أنها تقودها، أو تمثلها، أو تقوم بتوعيتها سياسيا..!
ما نريد قوله هو:
لم يعد مطلب الجماهير الكردية –وقد أصبحت واعية في مساحة كبيرة من خارطتها- لم يعد مطلبها: وحدة الأحزاب الكردية.
ولم يعد الآخرون –أيا كانوا – قادرين على استغلال قداسة فكرة الوحدة بشكل معكوس.
فالجماهير العريضة أصبحت الآن في موقع المدرك أن عملية الوحدة مستحيلة-الآن على الأقل- ولكن الذي تطلبه هذه الجماهير هو، إيجاد أوسع إطار ممكن لجمع القوى المؤثرة في الساحة السياسية الكردية،حتى يكون الإقلاع قويا كإطار،وحتى يكون منتجا، ومؤثرا في مسار الأحداث بقوة استحقاق شعبها -جماهيرها- وقوة تأييدها له،بدلا من أطر عرجاء،لا تحقق سوى ترديد شعارات في محاولة لترميم النقص فيها، بإقناع الآخرين بجدواها، وهي تعلم قبل غيرها، بضعف فعاليتها واقعيا،وفي التجارب السابقة شاهد قوي- فيما عدا محطات جد سريعة في حياتها-