بقلم: بنجويني قامشلو
مما لا شك في انها سابقة، ستسجل في التاريخ الكردي المعاصر، هذه الحالة من التعاطف القومي والتوافق الشعوري لدى أبناء الشعب الكردي، بمختلف إنتماءاته وتوجهاته ، تجاه الأحداث الجارية في المنطقة, و بشكل خاص تلك التي لها علاقة وتأثير على القضية الكردية، وآفاقها المستقبلية، ولا يخفى إن للتغيرات التي شهدتها المنطقة كان لها بالغ الأثر في إعادة اليقظة للمشاعر القومية لهذا الشعب المضطهد ، وربما هو السبب ذاته الذي قد يفسر لنا بلوغ هذه المشاعر حالة من الإحساس بوحدة المصير، على خلفية إطلاق الجيش التركي لحملته العسكرية ضد الوجود الكردي وتجربته الفيدرالية، وذلك تحت ذريعة القضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني
و بالطبع فمالا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه أيضا، إن من بين الأسباب الرئيسية التي ساهمت في بلورة هذه الحالة والوصول إليها، تلك المواقف و التصريحات التي بات يفصح عنها في الآونة الأخيرة، كل من السادة رئيس جمهورية العراق الفدرالي و رئيس إقليم كردستان، و بالطبع فلا يخفى ما يجسده كل من الزعيمين من تمثيل لتيارين سياسيين رئيسين يتمتعان بجماهيرية واسعة على امتداد الساحة الكردستانية، لذا فأن رفض الرئيس بارزاني لاعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية لابد أن يكون له دلالته، كما إن عدم قبوله لفكرة تسليم عناصر كردية لدول إقليمية ،لابد إن يحمل في طياته رسالة إلى كل من الداخل الكردي أولا والى العالم من ورائه الدول الإقليمية ثانيا ، مطالبا إياها الكف عن محاولاتها الدنيئة في العزف على وتر الخلافات الأخوية، هذا الوتر الذي طالما جلب للكردي، الويلات والمحن على حساب قضاياه الرئيسية وحقوقه المستلبة وربما من المفارقات التي يحملها التاريخ بين صفحاته لهذه الدول المتقاسمة لكردستان، إنها لم تنجح ولو مرة واحدة في حل مشاكلها العالقة بالطرق السلمية، سواء أكانت قضايا حدودية أو حتى قضايا تتعلق بتقاسم مياه فيما بينها، وربما من سخريات القدر إنها جاءت لتتفق فقط على معالجة القضية الكردية }المشكلة{ ، بالطرق الدكتاتورية منذ مئات السنين، وحالها الآن كما كان دائما يتناقض مع كل الشعارات التي رفعتها تحت أسماء الاشتراكية والإسلامية والعلمانية الديمقراطية، مبرهنة على أنها لم تستفد حتى هذه اللحظة من عبر تاريخها و سياستها الفاشلة ضد المسألة الكردية، فلم تبادر إلى طرح حل سلمي واقعي يجنبها ويلات الحرب و نقمة التدخل الخارجي، لذا لابد أن تنتبه أيها الكردي فالوقت الراهن هو لترتيب بيتك أنت، وهذا بالتحديد ما أراد أن يوصلاه لك كل من الزعيمين، ولتعرف أن المرحلة الحساسة التي تمر بها القضية الكردية تستوجب عليك يقظة في مواجهة كل ما من شانه أن يؤدي إلى التشرذم والتفرقة أو الوقوع في أتون الصراعات الجانبية على حساب القضايا المصيرية والرئيسية.
وككردي سوري ربما لايمكنني أن اخفي قلقي تجاه ما وصلت إليه الحركة الكردية من حالة يرثى لها، فهي بلا شك قد دخلت في متاهات الحزبية الضيقة والخلافات الشخصية لممثليها، والتي كان من جملة نتائجها حالات من الانشقاق شهدتها بعض أطرافها مؤخرا، وقبل ذلك فشلها في تحمل مسؤولياتها في كل تلك المناسبات التي جاءت كتداعيات حرب قريبة واقصد انتفاضة قامشلو واغتيال الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي، وربما هو بدافع الحرص والرغبة في تسليط الضوء على مواقع الخلل، لابدافع التجني على أحد إذا ما أضفت توضيحاً، بان هذه الحركة لم تتمكن من استغلال حالة الغليان الجماهيري، ففشلت في قيادة جماهيرها باتجاه انتزاع مكاسب وحقوق كان الشعب قد دفع ثمنها دماءا وأرواح ، والسبب في ذلك ربما يعود إلى حالة الفجوة وعدم الثقة القائمة بين أطراف الحركة والجماهير، والتي لابد أن نقر بأنها مشكلتنا القديمة المتجددة، هذا عدا عن أنها لم تنجح في قراءة الأحداث أوالاستعداد لتبعاتها الأمر الذي يفسر بقاءها دون مستوى المواكبة، في حين أن المطالب منها كان قدرة و كفاءة على التنبؤ بالإحداث في عالم بات سريع التغير لايصح التعامل معه بعبر ودروس التاريخ وحدها، دون التنبؤ وأستشراق المستقبل، فحبذا لو تبادر هذه الحركة إلى اغتنام الفرصة الراهنة واضعة كل الخلافات جانبا منخرطة في أجواء وحراك قد يمهدان لها سبل من الالتقاء و التوافق، فلم لا تهب إلى دعم صمود أشقاءها في كردستان العراق، وأخوتها مناضلي حزب العمال الكردستاني ولما لا تستغل وسائلها الإعلامية و قدرتها المتاحة لمواجهة هذه المؤامرة الإقليمية، بإعلان وقوفها علناً جهارا نهارا، إلى جانب أخوتها المحاصرين بل وتذهب إلى الدعوة من شعبها لمقاطعة البضائع التركية الوارد إلى سورية، بعد أن أقدمت هي على إغلاق معابرها الحدودية مع كردستان العراق، تمهيدا لفرض عقوبات اقتصادية.
لعلنا نوفي ما يفرضه أضعف الأيمان علينا، وعلى الحركة تنجح بوقفتها هذه مع جماهير شارعها الكردي في ردم الهوة وبناء جسور الثقة، حتى تكون موضع شكر وامتنان من قبل شعبها، الذي لابد سيشكر كل من الرئيسين مسعود البرزاني و جلال طالباني، إضافة إلى قيادة العمال الكردستاني بمناضليه الأبطال، هؤلاء الذين فوتوا على أعداء الشعب الكردي، فرصة استغلال الخلافات السابقة، وقدموا لشعبهم خدمة جليلة باتخاذهم للموقف الصحيح الذي لابد أن يتحول إلى قدوة تحتذى في عموم الساحة الكردستانية، أفلا نرتقي نحن أيضا إلى سوية هذا الموقف، والذي ربما حدى بي الى التفاؤل بفشل هذه المؤامرة وعجزها عن كسر الإرادة الكردية، فهي ليست المرة الأولى التي يمر فيها الكرد بحصار وجوع، و منذ متى ولم يكن الكرد في حالات حصار وجوع، ومن المؤكد أنها لن تكون المرة الأولى التي يهزم فيها أبطال الكردستاني الجيش التركي، وما بادرة أطلاق سراح أسراهم، إلا واقعة تؤكد للعالم أجمع أن الكرد لابد طلاب سلام، وأنهم قد أصبحوا متفهمين مدركين لقوانين اللعبة مع الجوار، وذلك بعد أن أثبت التاريخ أن ليس للكرد إلا الكرد أنفسهم كما هي جبال كردستانهم ، فهل نبدأ يا أخوتي بتسخير كل جهودنا لبلورة موقفٍ ، نقدمه لشعبنا المتعطش الى الوحدة، في مواجهة المؤامرات القادمة يكون التاريخ شاهدا فيها، وتكون الوحدة فيها مثار فخر واعتزاز لنا على مر السنين.