بين رفاهية الاختلاف وواجب الاتفاق

 

عزالدين ملا

 

   تتسابق الدولُ الإقليميةُ والكبرى إلى عقد اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية، وفي نفس الوقت تتصارع وتتقايض فيما بينها، ومن خلال الإمعان في كل الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت خلال سنوات الماضية، نجد أن كل مخرجات تلك الاجتماعات لم يتم تطبيقها كلها أو على ما يبدو تمَّ ترحيلها إلى مراحل أخرى، وإلى حين تحقيق توازن جيوسياسي واقتصادي وتجاري في المتغيرات القادمة.
    أمام هذا السباق المحتدم تحاول الأطراف السياسية الكوردية في غرب كوردستان، التركيز والدخول في تفاصيل المتغيرات الحاصلة على الساحتين الإقليمية والدولية، سرعان ما تصطدم بجدار التّداخُل الكبير والواسع في الأوراق السياسية، فيشعرهم بوجود صراع غير مسبوق على إدارة منطقة الشرق الأوسط والعالم، وإن موازين القوى الكبرى تعيد خلط خرائطها ورسمها من جديد، كما يرون أن لكل قوة من القوى الكبرى لها معركتها لتوسيع نفوذها ورفع من شأن مصالحها، تظهر نظريات وآراء جديدة داخل غرف السياسة العالمية المغلقة، كما تضع خططها الجديدة بما يتلاءم ومصالحها العظمى.
   هذه البوادر التي تلوّح في الأفق تنبه الأطراف الكوردية في غرب كوردستان إلى إن التحديات كبيرة، ولها تعقيداتها الاستثنائية، والتعامل معها يحتاج إلى فهم مدارك مدارات التوازن في السياسة الإقليمية والدولية إلى جانب ترتيب الأوراق الكوردية.
  اعتقد من الواجب على الكورد في غرب كوردستان أن يسألوا أنفسهم، ماذا نفعل؟ وأين نقف أمام كل هذه التحديات والتعقيدات؟ وعليهم أن يعلموا، أن هناك من يتربص بهم ويحاول نَفيَهم وإنهاء وجودهم.
   من خلال مجريات الأحداث هذه على الساحتين الإقليمية والدولية، يُدرَكُ أن منطقة الشرق الأوسط تتّجه نحو سيناريوهات جديدة، وجميع الدول تهيّئ نفسها لتثبيت موطئ قدمٍ لها في المتغيّرات القادمة، وأمام هذه الاحتمالات يعود حديث الحوار الكوردي الكوردي في سوريا إلى الواجهة، ويبدي الطرفان الكورديان (المجلس الوطني الكوردي وأحزاب الوحدة الوطنية) استعدادهما لخوض غمارها إلى جانب دعوة الولايات المتحدة الأمريكية كلا الجانبين الجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى رؤية وموقف كوردي موحد في كافة الملفات إن كانت متعلقة بتفاصيل الإدارة الذاتية والموقف من النظام السوري، وأيضاً فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية والدولية، ويكونون على أهبة الاستعداد لأي احتمالات قادمة.
    يتطلب من الطرفين الكورديين الإسراع في الحوار والوصول إلى تفاهمات حقيقية وجدّية في الموقف والهدف. وعليه، أن يتذكّر الكورد مآسيهم، وكيف وقعوا فريسة التآمر والفوضى والإرهاب؟، وأنه مازالت تحديات كبيرة تواجه مصيرهم وأطماع إقليمية تهدد وجودهم. ولكي يحافظ الكورد على ثباته ووجوده وسط هذه الأمواج المتلاحقة من التحديات يجب أن يكون لديه استراتيجية تجمع شتات الكورد وتعيد روح الكوردايتي، والتوجُّه نحو مشروع كوردي يقوم على توحيد الموقف والهدف، والعمل معاً تحت راية المصلحة الكوردية العليا للتصدّي لهذه المخططات التي تُحاك في المنطقة من جهات عديدة، سواءً على المدى القريب أو البعيد.
  من الضروري وقف الصراعات والخلافات البينية بين الأطراف الكوردية والالتقاء عند محور الاستقرار وإعلاء المصالح العليا للأمن القومي والوطني الكوردي، فاللحظة حاسمة، وهذا يتطلّب ضرورة وأهمية التحلّي بمبدأ السمو والتخلي عن الأنانية السياسية، والإيمان الكامل أن أيَّ خطر يقع على جزء كوردي فهو يعني بكل وضوح أنه خطر على بقية الأجزاء الكوردية لأن المتغيّرات على الصعيدين الدولي والإقليمي ضاعفت من أطماع البعض في إنهاء الوجود الكوردي والعودة به إلى سابق عهده، وقد تكون إلى الأسوأ.
  أمام كلّ هذه التحديّات، لابدَّ من بناء مشروع عمل كوردي مشترك ينطلق من ثوابت يحكمها مبدأ صون الحقوق الكوردية المشروعة ضمن سوريا المستقبل، وضرورة التعاون والتضافر الكوردي حول المشتركات وليس الخلافات بهدف الوصول إلى وجهة نظر وتقدير موقف يتمُّ البناء عليه من أجل بقاء وثبات ورسوخ الكلمة الكوردية على الصُعد المحلية السورية والإقليمية والدولية.
كما يجب صياغة تصوُّرات كوردية تلقى قبول معظم الأطراف الدولية والإقليمية المعنية في الشأن السوري، لتكون بمثابة البوصلة لخدمة القضايا الكوردية العليا، أثناء التفاوض على مستوى سوريا أو في المحافل الدولية.
  إن تفاصيل المشهدين الإقليمي والدولي تقول إنه ليس لدى الكورد رفاهية الاختلاف، بل عليهم واجب الاتفاق في هذه اللحظات الصعبة، فقد ذاقوا مرارة الفوضى والتّخريب والإرهاب ومحاولات تمزيق الخرائط الكوردية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…