متنفذو أحزاب الطرفين وحالة الانكار

 

صلاح بدرالدين

 

  من النادر ان نجد دراسات فكرية نقدية، ومراجعات جادة، وحتى مقالات رصينة هادفة، حول ماضي وحاضر الحركة الوطنية الكردية ومستقبلها تصدر عن مسؤولي أحزاب طرفي الاستقطاب المنضوية في اطر كل من ( ب ي د و ب د ك – س )، وتتصدى للازمة الخانقة التي تمر بها الحركة السياسية الكردية السورية، وتطرح مقترحات حلول لتلك الازمة، فالطرف الأول ينفي الاخر بكل الوسائل بمافي ذلك العنف وجودا، وخيارا، والثاني ينتهج الموقف نفسه بطرق أخرى .
   كل ما ينشر بكل تواضعه، وفقره الفكري الثقافي، يتسم بالنظرة الحزبوية الدعائية الضيقة، والقراءة النابعة من الطبيعة الشمولية كماهو الحال مع العدد الاكبر من التيارات، والاجنحة الحزبية الدينية منها، والقومية، واليسارية المتطرفة التي تجد لها مواقع في معظم بلدان الشرق الأوسط، فالشمولية بهذه الحالة تعني الانطلاق اما من ادعاء فرضية تمثيل السماء على الأرض (الإسلام السياسي)، او تمثيل شرعي ماهو على الأرض (الأحزاب القومية )او التعبير عن إرادة  غالبية الطبقات الاجتماعية والإرادة الشعبية الشاملة ( الأحزاب الشيوعية )، وبذلك تبقى هذه – الشموليات – فوق النقد، والمساءلة، وخارجة عن حسابات الحوار، والنقاش لانها تملك  الحق الإلهي، والقومي، والطبقي  ، فلاحاجة لعناء البحث عن الحقيقة ؟! .
تجليات حالات الانكار كرديا
  من العوامل المشتركة بين أحزاب طرفي الاستقطاب وبعبارة ادق بين متنفذيها من وكلاء المانحين ووسطائهم، اما القصور في فهم واقع الحركة المازوم، وهذا امر مستبعد لان مظاهر الازمة بادية للعيان،  او تجاهل ذلك وهو المرجح، والقفز فوقه، وذلك استسهال يعفي صاحبه من الكتابة بمسؤولية، والتعمق في مناقشة القضايا من فكرية، وثقافية، وسياسية، فترى – منظري ! – هذه الأحزاب يتناولون ماهو قائم، وليس ماهو مطلوب، ماهو سائد من تصورات افتراضية، وليس مايجب استحضاره وتحقيقه، وحتى لو تم ملامسة القشور لن تتجاوز الاعتراف باخطاء عابرة يمكن تفاديها امام ادعاء توفر كم هائل من الإنجازات غير المعلومة طبعا امام عامة الشعب والمتابعين، وهو ادعاء  مشكوك فيه .
  هؤلاء – المنظرون ! – يتجنبون الاقتراب من  تشريح الحالة الراهنة للحركة السياسية الكردية، واوجه الازمة المتعددة الجوانب، وينكرون بشكل قاطع وجود أي خلل في الحركة، ويتناسون الانقسام الحاصل – عاموديا وافقيا – وواقع التفكك، والتبعثر، الملازم لعملية افراغ المناطق الكردية من العنصر البشري الشاب، كماينكرون حالة الضياع المنتشرة، والقلق على المصير امنيا،ووجوديا، ومعاشيا، والتراجع الحاصل حتى في المفهوم القومي والوطني، وتعريف القضية الكردية، وتشخيص الحقوق المشروعة بعيدا عن العموميات، حتى مسالة رفع شار – الفيدرالية – من دون توضيح مضمونها، وطبيعتها ( هل هي جغرافية او إدارية، او قومية التي يتم تداولها من جانب البعض تدخل في اطار المزليدات اللفظية اذا لم تقترن بتبني مبدأ حق تقرير المصير حسب إرادة الكرد الحرة في اختيار مايناسبهم من احدى اشكال ذلك المبدأ .
   وكذلك الموضوع الأخطر حاليا وهو مسالة التبعية المطلقة للخارج ( لايهم من هو هذا الخارج )، وفقدان القرار، وهذا من شانه اذلال الشخصية القومية والوطنية للكرد السوريين، ودفع الناس نحو المجهول، وتشجيع ظاهرة الاستزلام، والعمل باجر في خدمة متنفذي الأحزاب  تحت ضغط متطلبات المعيشة ومن دون اية قناعات، الى جانب وسائل التخويف، والتهديد المتبعة من جانب سلطة الامر الواقع المسلحة .
   ان الازمة التي تنكرها أحزاب الطرفين ترمي كما ذكرنا الى الزعم بان الحركة بخير، وهناك مشروعان فقط أصحاب كل منهما – يشيطنون – الاخر بعض الأحيان، وينادون بالتفاهم والمحاصصة اكثر الأحيان ويعتبرون انهم على حق، والكردي الجيد يجب ان يقف مع احد الطرفين، او لايكون، ويفسرون أي نقد، او تخطئة مردهما الدوافع الشخصية وحرمان اصحابه من تبوؤ المسؤولية الحزبية، والحصول على الامتيازات المتوفرة !.
  هذه الحالة – الانكارية – السائدة في نظرة، وممارسة المتنفذين، تقطع كل الطرق امام مسارات الحوار من اجل بحث ومناقشة سبل معالجة الازمة، فكلنا نعلم ان نسبة الوطنيين المستقلين في الداخل والخارج هي الغالبة،وهذه الغالبية بالرغم من انها لم تستكمل تنظيم نفسها حتى الان لاترى في الطرفين الممثل الشرعي القومي والوطني المنتخب، صحيح لكل طرف حساباته ومشروعه، ولكن في اطار الأحزاب، ولمصلحة الأحزاب، وليس من منطلق مصالح الشعب الكردي برمته .
  الفرد الوطني الكردي السوري يتساءل ؟ لماذا هذا الموقف الرافض للحوار من جانب متنفذي الأحزاب ؟ لماذا هذا الافراط في الانكار؟ لماذا هذا – الكره – المتواصل لعقد المؤتمر الكردي السوري الجامع ؟ فان كانت واثقة من احجامها، ومواقعها، او فعلا مؤمنة ان لها مشاريع قومية، وجماهير واسعة، او انها تمثل الشعب الكردي فلماذا التخوف من المواجهة الحوارية السلمية المدنية ؟ لماذا تقف أحزاب طرفي الاستقطاب امام محاولات توفير شروط عقد ذلك المؤتمر ؟ فعندما يفاتح اطرف من الوطنيين الكرد السوريين المستقلين – قيادة التحالف – او الاشقاء في إقليم كردستان العراق من اجل توفير الأرضية السليمة، والامنة من اجل عقد المؤتمر في الوطن او في الإقليم نرى أحزاب ومتنفذو طرفي الاستقطاب اول من يزرعون العراقيل، الهذه الدرجة يشكل عقد المؤتمر المنشود تحديا لوجودهم ؟
  تساؤل آخر : هل يعتقد متنفذو أحزاب طرفي الاستقطاب ان – الانكار – والتجاهل – والإصرار على التمثيل الافتراضي  يقود الى انقاذ الحركة السياسية الكردية، وإعادة بنائها، وتوحيدها ؟ وهل سيحقق تعزيز الدور الكردي في النضال الوطني الديموقراطي على مستوى البلاد ؟ وهل سيؤدي الى إيجاد حلول ديموقراطية للقضية الكردية ؟ من جانب آخر هل يعتقد هؤلاء ان مانحيهم يصدقونهم، او يثقون بهم ام يستخدومونهم بشكل مؤقت ؟ وهل يعلمون ان جميع القوى والأطراف المعنية بالملف السوري ومن ضمنه الكردي على اطلاع بحسب كل المعطايت انهم ليسوا ممثلون شرعييون للكرد السوريين، بل غير مقبولين من الغالبية الكردية الساحقة ؟ .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…