في ظل السُلطة الديكتاتورية لا وجود للانتخابات!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* 
عندما يُنظر إلى إيران الحالية الواقعة تحت سُلطة حكم الملالي، فإنه لن يُرى سوى مشهدٌ مؤلمٌ للغاية ولا يظهر منه سوى “التخلف” و”القمع”، وعدم تماشي برامج وسياسات هذا النظام أساساً مع المجتمع الدولي المتحضر القائم، ولا شيء يُذكر عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والالتزام بالقوانين الدولية والمبدأ الذهبي “التعايش السلمي” وما إلى ذلك، وذلك لأن الشخص الأول في هذا النظام لا يفكر إلا في “بقاء نظامه” ومن أجل ذلك أقدم ويُقدِم على ارتكاب أي جريمة، وبالطبع فإن المهادنين الغربيين مرحبون بوجهة نظر الملالي هذه! لأنهم لا يفكرون سوى في “مصالحهم الخاصة” حتى يتمكنون بشكل أكثر سهولة من افتراس مقدرات الشعب الإيراني.
عندما كانت إيران ذات يوم أكثر تقدماً وتحضراً وثراءاً وأكثر الثقافات تمدناً في العالم، وهذه حقيقةٌ مسجلة في التاريخ! ولكن بفضل وجود نظام الملالي الدكتاتوري أصبح كل ذلك تحت علامة الاستفهام، وأبناء وبنات الشعب الإيراني إما هاربون من البلاد أو يعيشون كأسرى بداخلها! لكنهم لم ولن يكونوا مع هذا النظام، إنهم يريدون الحرية، وحكومةً وطنيةً ديمقراطية، وبحسب شهادة التاريخ والمؤرخين فإن إيران على يد الأنظمة الدكتاتورية وتماشياً مع عملية التحول الديمقراطي للمجتمع الإنساني، لم تتحرك فحسب بل إنها تراجعت أيضاً!
في إيران الحالية لا وجود لـ «الانتخابات» وما الموجود إلا «تعيينات»، لذا فمن الضروري أن تقوم “ثورة وتحول” في إيران، وبهذا الشأن يقول السيد مسعود رجوي زعيم المقاومة الإيرانية في رسالته الأخيرة بتاريخ 9 يونيو 2024: “حتى في أُطر هذا النظام لم تعد هذه انتخابات بل هي مجرد طرائف”، ويشير السيد رجوي إلى هذه الحقيقة وهي أن الدكتاتورية الدينية المتسلطة على إيران “استبعدت” حتى مرشحيها من الشخصيات المعروفة لمنصب رئاسة جمهورية النظام!
ويقول السيد رجوي: “كل شيء مُعد سلفاً من الموت وخلافة خامنئي والحفاظ على النظام، وعلى هذا النحو فهي أي الدكتاتورية الدينية مضطرة إلى ذلك كما هي الحال دائماً إلى زيادة الانكماش والاختناق والتصفية والإرهاب وإثارة الحروب، والإتيان بالسلاح النووي، وهكذا سوف ستفعل رأس أفعى الولاية ذلك على مستوى القاعدة من أجل بقائها وهيمنتها”.
أظهرت التجربة الحالية تحت سُلطة حكم الملالي في إيران أن الأشخاص الذين سيستولون على المناصب الرئيسية في إيران هم فقط أولئك الذين حظوا « بختم تأييد الولي الفقيه» ومن هذا المنطلق من وجهة نظر الشعب والمقاومة الإيرانية فإن “الأفعى لن تلِد أبدا حمامة” وأن “الانتخابات في إيران ليست أكثر من سراب”، وبتعبير آخر، لن تتحسن الحالة المادية والمعنوية للشعب الإيراني لطالما بقي “الولي الفقيه” حاكما على إيران، ولنفس السبب فإن “المَخرج الوحيد من هذه الوضعية هو إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه الدينية”، وبحسب قول السيد رجوي فإن “الزمن زمن الثورة والمحاسبات والمساءلات المشتعلة”.
وبنظرة إلى بضع عشراتٍ من مرشحي رئاسة الجمهورية لا سيما الأشخاص الستة الذين أويدوا من قبل “مجلس صيانة الدستور” من أجل هذا المنصب الذي هو في حد ذاته ملحق زائد ويقع تحت “صلاحيات” سُلطة الولي الفقيه الحاكم، ويتبين أنهم جميعاً هم نفس الأشخاص الذين كانوا اساساً وما زالوا وقبل ذلك، وقد كانوا قبل كل شيء ولا زالوا  “حلقةً أة قرطاً في أذن الولي الفقيه” ولكل واحد منهم سجلاً “أسود” إلى حد أنه لا حاجة إلى الحديث بشأنهم، ومن بين هؤلاء الأشخاص الستة كبير السيافين الملا بور محمدي الذي كان عضوا في “هيأة الموت” بمجزرة الإبادة الجماعية لأكثر من 30 ألف سجين سياسي، والذي ظهر مؤخراً وقال عقب مهلك إبراهيم رئيسي: “كان رئيسي رمزاً للغضب والكراهية بالنسبة للأعداء والمجاهدين”. نحوها كان للأعداء والمجاهدين”.
وبور محمدي هو نفس الشخص الذي كان قد قال في أغسطس 2019: “لم يحدث أي تدمير في وجه النظام بهذه الأربعين سنة، إلا وكان المجاهدين هم قاعدته الرئيسية، وإننا لم نقم بعد بتصفية الحسابات مع المجاهدين، وسنرد على هذا الكلام بعد تصفية الحسابات، لقد تلقينا خسائر كبرى بسبب المجاهدين، واليوم المجاهدين هم الأكثر عداوة لهذا النظام، وعلينا أن نصل إلى محاسبتهم فرداً فرداً، كلهم مجرمون ويجب أن يحاكموا في المحكمة، ويجب أن يحاكموا بأشد العقوبات”.
كلمة أخيرة
بناءا عليه فإن المهم هنا هو «طريق اللاعودة» لدكتاتورية ولاية الفقيه من جهة والشعب الإيراني، من جهة أخرى سيأتي يومٌ ما تتحدد فيه هذه المواجهة، ولقد أظهرت التجربة أن الطرف المنتصر دائماً هم أولئك الأشخاص الذين يكسرون ظهر الدكتاتور ويطرحونه أرضاً، ولهذا السبب ينبغي القول مقدماً أن استعراض انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران هو إقداماٌ ستتم مقاطعته من قبل الشعب الإيراني، ولم يعتبر الشعب الإيراني ولن يعتبر لمثل هكذا حكومة وهكذا شخصيات ذلك لأن هذا النظام نظامٌ فاقد الشرعية ولا يمثل سوى «أقلية ضئيلة» قد فرضت نفسها على مصير 85 مليون إيراني.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…