الدكتور عبدالعزيز حاجي احمد
إنه العاشر من أيار تسعة عشرة عاما مرت على اختطاف واغتيال شيخ الشهداء معشوق الخزنوي، الذي قضى شهيدًا في سجون الطغمة الظالمة الفاشية لآل الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بعد أن استبانت الخطر المدلهم لدور الشيخ الشهيد على نظامه وحكمه الاستبدادي. شيخ الشهداء معشوق الخزنوي الذي كان عنواناً للحق الكردي رحل شهيداً فداء لكلمة الحق في وجه سلطان جائر، فداء لتحقيق العدالة الإسلامية المفقودة وللكراديتي المضطهدة ليبقى ذكره على ألسنة الخلق حمداً وثناءً في الدنيا، وعند ربه في الآخرة بإذن الله تعالى حياة أبدية.
أبا مراد الشهيد آمنت بالإسلام رسالة وعقيدة وانتماءً، وبالكردايتية هويةً، وبالإنسان رسالة، لقد كنت مدرسة في القيادة الدينية، والوطنية الوحدوية الجامعة المنفتحة على الآخر وعلى العالم، ورسمت بفكرك ونهجك واستشهادك طريق العزة والكرامة لمن أراده خلاصاً و سلوكاً. ونحسب أنه يصدق فيك قول الله تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) شيخ الشهداء معشوق الخزنوي من أهم وأبرز قادة الثورة الكردية في كردستان سوريا ، في إرهاصاتها الأولى، حتى أننا نعتبره أبًا للثورة المسلّحة في كردستان سوريا للاعتبارات والأسباب التالية:
أولاً: استطاع الشهيد الخزنوي أن يكسر فكرة العداء الإسلامي الكردي الذي عمل الكثيرون على إيجاده، والجدلية التي سادت لسنين للعلاقة بين الكردي المتدين والكردي الوطني، كسره شيخ الشهداء معشوق عن طريق تأكيد دعوته التي تقف على مفهوم “الأُمّة الكردية” و“الحق الكردي” “والعدالة الإسلامية التي لابد أن تشمل الكردي” “والفلترة الكردية للإسلام” ما يفسّر اشتراكه في الأنشطة السياسية الكردية ، وفتح مكتبه في قامشلو ليكون جسر للحركة السياسية الكردية نحو السفارات والبعثات الدولية ، بل وعلماً تبحث عنه عيون الشباب المنتفض .
ثانياً: أنزل شيخُنا الجليل فكرة الجهاد من النصّ الغيبيّ العام إلى أرض الممارسة والواقع، من خلال دعوته للجهاد الكردي المقدس حين يقول : لدينا العشرات من الشباب من حملة الدكتوراه والماجستير يدفعون عربة الخضار في أزقة قامشلو لن ندفع عربة الخضار بعد اليوم . وحين يدعوا الشباب الكرد والحركة السياسية للعمل الجاد والتجهيز للكفاح المسلح لأن الحقوق لن تأتي إلا بالقوة ، وهذا ما أكده في أخر خطاب له قبل استشهاد في ذكرى استشهاد الشهيد فرهاد محمد علي حين يقول الخزنوي : إن الحقوق لا يتصدق بها أحد إنما الحقوق تؤخذ بالقوة ، هذه المقولة التي يحفظها كل كردي في كردستان سوريا على لسان الشهيد الخزنوي.
ثالثًا: قدّم الخزنوي الفكر والرسالة الإسلامية بشكل معاصر، حيويّ ومَرِن، آخذًا بعين الاعتبار كلّ المعطيات المعاصرة والإحداثيات المعيشة، واستطاع أن يصل إلى كل فئات المجتمع، حتى أصبحت دعوته مظلّة واسعة، ولم يكن جميع مَنْ سار مَعه من المتعبّدين.
لقد قدم الرجل رسالة تجديدية في الدين حافظ على الثوابت ولكنه اجتهد وجدد في فقه المعاملات وفقه الحياة والفقه السياسي ليكون اقرب الى حياة الناس ، واكثر استجابة لمطالب وحاجيات الناس قامت على عدة قواعد كمقاومة التقليد الأعمى، والتفريق بين النصوص قطعية الدلالة والنصوص ظنية الدلالة، و التفريق بين النصوص المعللة وغير المعللة، و التفريق بين الثوابت والمتغيرات من أحكام الدين، و التفريق بين التوقيفي وبين التوافقي، وهي جملة من القواعد ذكرها الشيخ الشهيد في كتابه رسالتي في التجديد . لقد اجتمعت في شيخ الشهداء معشوق الخزنوي القيادة والمنهاج، العلم والعمل، الربانية والجهاد، النداء والاستجابة، الرحمة والحكمة، الرفق والقوة، العدل والإحسان قوبلت من الله بتحقيق الأمنية بالشهادة . فإن الشيخ معشوق الخزنوي باستشهاده قد من الله عليه بتحقيق أمنيتة التي كان يطلبها لنفسه من ربه، كما يطلبها كل مجاهد مخلص أن تختم حياته بالشهادة، وهل هناك ختام أغلى وأعظم من هذا الختام؟ ( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) . سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم آتني أفضل ما آتيت عبادك الصالحين! فقال له: “إذن يعقر جوادك، ويهراق دمك!” (رواه الحاكم). فهذا أفضل ما يؤتيه الله عباده الصالحين والأمنية يرويها الشيخ محمد سعيد عبدالله في رحلة الحج عام 1981 مع الشيخ معشوق الخزنوي وعلى جبل عرفات كان الشيخ الشهيد يدعوا الله أن يمته شهيدا ، يقول الشيخ محمد سعيد فسألته يا معشوق لا حرب بين الإسلام والكفار فأي شهادة هذه التي تريدها فقال الشهيد الخزنوي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات دون حقه فهو شهيد .
نستذكرك يا شيخ الشهداء في هذا العام كما في كل عام والفراغ يخنق بلدنا ويمزق وحدتنا، نستذكرك في هذا اليوم الجمعة 10/ 5 / 2024 ، لأننا لم ولن ننسى يوم الثلاثاء الأسود في 10 /5/ 2005، حينما استهدفتك يد الغدر التي أرادت استهداف الكردايتية باستهداف الجسد الطاهر، الذي كان وسيبقى شاهداً على شهادتك وشهودك، وشاهداً على رسالتك وفكرك ومنهجك، صحيح أنهم غيبوا الجسد، ولكنهم ما استطاعوا ولن يستطيعوا أن يغيبوك من ذاكرتنا ووجداننا وفكرنا وتاريخنا.