د. محمود عباس
تستعد الإدارة الذاتية في غرب كوردستان لإجراء انتخابات المجالس ورؤساء (121) بلدية في 30 أيار (وربما قد يزداد العدد)، تطرحها كأحد الحلول لعدد من المشاكل التي تعانيها المنطقة وسلطة الإدارة، وخطة لإعادة إعمار البنية التحتية الكارثية للمنطقة خاصة بعد القصف التركي الإجرامي المتكرر له، وتحسين المتبقي منه، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين الحالة المعيشية المزرية للشعب.
من حيث المسيرة السياسية الدستورية تعتبر خطوة عصرية، ولو أنها تحصر ضمن مجال الخدمات العامة، ولا علاقة لها بالسلطة التنفيذية، رغم إنها جزء مهم منها، وتعكس نوع من الديمقراطية، رغم وجود الخلافات المستعصية بين أطراف الحراك الكوردي، وقد تحد بشكل مباشر من الفساد الذي أصبح ينتشر في بعض إدارات الإدارة الذاتية خاصة المتعلقة بالعقود الخدمية، المفاقمة في الوضع الجاري، ويخفف من تزايد امتعاض الشارع بشكل عام، المؤدية إلى استمرارية موجات الهجرة نحو الخارج.
على حد معرفتي، الفكرة مستوحاة من دساتير بعض الدول الديمقراطية، وخاصة الأوروبية، إلا أنه بشكل خاص تذكرنا بالانتخابات التركية، فلا يوجد دستور أخر في دول الشرق الأوسط تتبنى هذا النوع من الانتخابات، أي انتخاب البلديات، رؤساء ومجالس البلدية إلا التركية، وهي تختلف عن المجالس المحلية كما هي عليه النظام السوري، ولا شك بين المجلسين فرق كبير، كما وبينها وبين النموذج التركي اختلاف في عدة جهات، من حيث البنية، ونظام الرئاسة، والكوتا النسائية، وغيرها. لكن مع ذلك ومن حيث البنية العامة، تبين على أن كوادر شمال كوردستان هم أصحاب القرار الرئيس في الإدارة الذاتية أي في تطبيق هذا النموذج دون التعرض للسلطة التنفيذية في المنطقة، ولا نعني أنها خاطئة، بل ننوه إلى أنهم يتحملون مسؤوليات الخطأ والصواب في مسيرتها، ونأمل أن تتكلل المسيرة بالنجاح.
الإشكالية الأهم، ليست في هذه الطفرة الانتخابية، بل في مستوى الصلاحيات واحتمالية التضارب بين رؤساء البلديات ومدراء المناطق التابعون للنظام كسلطة تنفيذية لها الهيمنة على المجالات الخدمية، خاصة وأن كل جهة تتبع سلطة مختلفة، كما وأن الأول سيكونون من أبناء المنطقة ويتبعون الإدارة الذاتية والثاني معينون من النظام وعادة من خارج المنطقة، وسياسيا أغلبهم من حزب البعث.
والسؤال هنا، كيف سيتم الفصل بين الوظيفتين وحدود صلاحياتهما؟ هل مجال الخدمات والعقود وغيرها لن تتعارض مع مجال سلطة مدير المنطقة؟
أم أن الشعب أمام سلطتين متجاورتين يقبلون بعضهما على مضض، كما هي الجارية اليوم في الإدارة الذاتية؟
كما ذكرت الانتخابات مرحبة بها، خاصة إذا تم قبول الأطراف المعارضة بدون قيود، وشاركت هي من جهتها، خاصة الحراك الكوردي، عن قناعة، والمتوقع هو العكس، لعدة احتمالات منها:
1- عدم اعتراف المعارضة بسلطة الإدارة الذاتية، والقوى السياسية المتحكمة بها.
2- ومن الطرف الأخر الإدارة الذاتية لن تسمح للأحزاب الكوردية المشاركة بدون أن يكون مسجلين رسميا في دوائر الإدارة.
أي أن المنتخب إما أن يكون مستقلا، وهو ما لن يحصل على دعم إلا من الأطراف المحيطة به، أو حزبيا من خارج قوى الإدارة الذاتية وبالتالي قانونيا لا يسمح له بالترشح، وبالتالي ستنحصر في جغرافية الأحزاب المشاركة في الإدارة الذاتية، وهنا نزاهة الانتخابات ستكون مطعونة فيها. فبحسب القانون فإن (من مهام المفوضية المكونة من عشرين عضوا، إعداد سجل الناخبين لمن تتوفر فيهم شروط التصويت، والمصادقة على جدول الكيانات السياسية والمستقلين، والبت في حالات الطعن على نتائج الانتخابات) فتحت هذه الشروط يمكن توقع كل الاحتمالات ونقصد هنا المجال السياسي.
3- في المجال السياسي، ليتها تجاوزت البلديات، وكان دربا لإزالة وجود السلطتين في المنطقة، رغم الصعوبات العديدة في حل هذه المعضلة، لا شك بحل سلطة المحافظ ومدراء المناطق ستخلق بنية قوية في الإدارة الذاتية. فوجود المحافظ والمربعات الأمنية، رغم بعض الإيجابيات في هذا التناقض، كبقاء حركة التواصل مع المدن الرئيسة، والخدمات التي يحصل عليها الشعب من خلاله، والتي دونها ستكون خدمات الإدارة الذاتية متلكئة، لكن وجود السلطتين في المنطقة ذاتها، تعرقل مسيرة التطور وإعادة البناء، وتؤثر على حياة الشعب، اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.
4- نأمل ألا تحصر الهيئات المرشحة في البعد السياسي – الحزبي، بل تركز على الكوادر المختصة، وبالتالي تصبح البلديات في خدمة الشعب وليست الأحزاب التي ينتمي إليها الرئيس أو اللجان المنتخبة، أي ألا تكون سلطة تنفيذية سياسية، بل خدمية.
5- عمليا إذا لم تعطى لرؤساء البلديات السلطات الكافية لتحل مكان مدراء المناطق والنواحي، رغم أن مهماتهم في الدولة السورية مختلفة عن مهماتهم في تركيا وأمريكا على سبيل المثال، ستواجه الإدارة الذاتية معضلة تتبع دستورين وسلطتين متضاربتين، أو قبول التنازل للسلطة المركزية بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي الانتخابات ستكون شكلية ولن تكون لها أهمية.
كما ونأمل ألا يكون الجاري هو استنساخ لتركيا في هذه الانتخابات، حينها علينا أن نفرق بين السلطات الحاكمة والدستور، فهل يتم تقليدها؟ لأن هذا البند من الدستور التركي مناسب للإدارة الذاتية وتتطابق مع بنود العقد الاجتماعي الجديد الصادر في كانون الأول عام 2023م وتم انتقاءه، على مبدأ، يمكن الاستفادة حتى من دساتير الدول الأعداء؟
ولإزالة هذا التضارب، يجب توسيع مجال التغيير على السلطة التنفيذية أيضا، على الأقل المحافظ ومدير المنطقة والنواحي، فكما نعلم تم تقسيم جغرافية الإدارة الذاتية إلى سبع مقاطعات، أي سبع محافظات، وهي تتعارض مع تقسيم دستور النظام لجغرافية سوريا، فبعملية إدراج المحافظات ضمن مسيرة العملية الانتخابية، سيكون المرشحون والمنتخبون من أبناء المنطقة، وليسوا معينون من الخارج بأوامر السلطة المركزية في دمشق، وحينها يكون من السهل تحديد صلاحيات الجهتين.
بالمناسبة، من أحد إشكاليات الإدارة الذاتية محاولاتها خلق أسماء وتسميات مختلفة للدوائر والمؤسسات والقوانين، علما أن المضمون هو ذاته، فيطغى منطق التباهي على الإتيان بجديد، على سبيل المثال، يسمون المحكمة الدستورية، بمحكمة حماية العقد الاجتماعي، الدستور بالعقد الاجتماعي، المجلس التنفيذي بمجلس الشعوب وغيرها، لا شك لست قانونيا، لكن تغيير الأسماء لوحدها لا تخلق التطور، نأمل أن تعكس الأسماء المضامين وتحمل الطفرات العصرية المطلوبة.
مع ذلك وأي كانت الانتقادات فهي تجربة مهمة، أتمنى للإدارة الذاتية التوفيق والنجاح، ونأمل أن تكون الأبواب مشرعة لجميع الأطراف الكوردية المعارضة للمشاركة بدون قيود سياسية وشروط تعجيزية، مثلما نأمل من الأطراف المعارضة الكوردية المشاركة لتكون بداية لخلق جو من التفاهم والتوافق.
ونأمل أن تكون مقدمة لتعديل البنية السياسية والدستورية في المنطقة، وتحسين وتطوير البنية التحتية، وظروف المعيشة، وتخفف أو توقف موجات الهجرة الكارثية.
الولايات المتحدة الأمريكية
18/4/2024