د. محمود عباس
نحن الكرد ننشد الحرية والسلم ونتوق للتمدن والحضارة؛ لأن أي منها تجنبنا الويلات التي نعانيها منذ الولادة في ظل هذه الأنظمة القومية التي تتعاقب على الحكم في سوريا، فالإنسان الحضاري ليس من طبعه كبت الحريات واستخدام العنف والتعذيب حيال مخالفيه، ناهيكم القتل كأسلوب للتعامل.
من هنا يمكننا القول إن قابليتنا لتقبل ما هو إنساني موجود، وبالمقابل المغتصب القومي للحريات لا قابلية لديه لتقبل مثل هذه الخصال؛ حيث قاموسه الأخلاقي خالٍ منها ومن مثيلاتها، فمن أين له أن يأتي بها؟ لديه لغة وحيدة هي العنف وأسلوب واحد هو القتل، ومنطق مفاده كل من لم يكن معنا فهو ضدنا! انطلاقا من مزاياه تلك، نتحول جميعا بموجبها إلى أعداء له؛ لذا نرى أن العيش في ظل حكمه جحيم.
في جحيمه هذا عشنا وصبرنا عليه، ولكن عندما حرمنا من لقمة العيش وكدنا نموت جوعا تبعثرنا في شتى بقاع الأرض، حينها تغيّرت ديموغرافية أرضنا سكانا، وهذا ما كان يسعى إليه، ونجح فيه، فكل نجاحاته كانت علينا نحن الضعفاء، وليس من هزمه في ستة أيام.
عندما خرجت مظاهرات أبناء سوريا السلمية؛ تلعلع رصاص بنادقه وانهمرت براميل الموت عليهم بلا رحمة، فمنطقه المذكور أعلاه يقضي ذلك، ولِمَا لا، فهو لا يملك وسيلة للتعامل سواها.
لا داعي إلى القَسَم أو الحلف أننا لم نكن انفصاليين ولم نطالب بها، فدساتير حراكنا السياسي الأصيل منذ وضعها مؤسسوه وإلى الآن لم تحتوِ على بند أو بنود تطالب بالانفصال، والراهن يشهد على ذلك، فوجود المجلس الوطني الكردي في ائتلاف المعارضة السورية دليل واضح على بطلان هذا الادعاء القومي العروبي بحقنا، رغم أن الائتلاف لا توافق على بعض مطالبنا؛ لكن المجلس الوطني الكوردي قبل أن يكون عضوا فعالا فيه، وأجلوا الخوض فيه إلى أن يتم مناقشتها بعد تحرير سوريا من أعداء الإنسانية المخالفة لرأيها. رغم تحفظنا الواسع على هذه العلاقة والتحالف المريب، والذي بدأت رائحة العنصرية تفوح من الشريحة المتحكمة بالائتلاف، خاصة بعد الاحتلال التركي لعفرين والمناطق الأخرى من غرب كوردستان، وتهميشهم للمجلس، والصمت المبطن من قبل شريحة من أطراف المعارضة ومن بينهم قادة الائتلاف السوري ولجنة التفاوض، وجرائم بعض المنظمات العربية والتكفيرية المتحالفة مع الائتلاف تحت راية تركيا.
لذا نطلب من الأخوة الوطنيين السوريين والشعب العربي عامة، المعاني ربما بقدر ما نعاني، التكاتف معنا، وإسنادنا لنغير لهجتنا مع السلطات الفاسدة، ونكون وطنيين ليس كوطنية العروبيين، ونقول معا: ليدرك المتباهون بتهمة الانفصال، ويرفعونه كشعار دفاع عن الوطنية، أن وطنيتهم موبوءة، ومنهجيتهم كانت فاسدة منذ اللحظة التي تم فيها إقصاءنا كشعب كوردي عن أن يكون جزء من الوطن السوري، ويوم منعنا من المشاركة في كتابة الدساتير، وعزلنا عن الإدارات والوظائف، ومنعت لغتنا وفولكلورنا، وحوصرنا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وألقي بمنضالينا في السجون لمجرد أنهم كورد وطالبوا بالمساواة.
تهمة الانفصال تعكس جهالة ناشريها، وغباء مستخدميها، فنحن والشعب العربي المعاني من سلطاته، رغم ما لاقيناه ناضلنا من أجل بناء الوطن المشترك، المبني على العلم والمعرفة، والديمقراطية الصحيحة، لكن اليوم على الأخوة العرب أن يدركوا بأنه لم يعد هناك من محيض أن نصبح انفصاليين، ولربما علينا أن نطالب معا بالاستقلال فيما إذا تطلبت الضرورة، وظلت الأنظمة الفاسدة متحكمة بمصيرنا معا، التي لم نجد فيها أثر للوطن، ليس حراكنا وشعبنا من يتوجب معاتبهم واتهامهم، بل الذين يدفعوننا إلى المر، لنضطر إلى العمل على إزالة المحتل عن كوردستان، وإزالة هذه السلطات عن كاهلنا، وتحرير أوطاننا، إن كان هذا يعني الانفصال، فليكن، فنحن نسميها التحرر، والاستقلال، وتكوين الوطن السامي والحامي لجميع مكوناته بدون تمييز وبعيدا عن العنصرية.
فيما لو قبل المحتل بالحوار على المنطق السياسي الحضاري، وتعامل على الأبعاد الوطنية، وقبل بناء الوطن بسلطات لا مركزية، وفتحت الساحات الوطنية لنشترك في بنائه، وكتابة دستوره، واقتنعوا بتطبيق النظام الفيدرالي ليتمتع فيه كل مكون بحريته، عند بلوغ هذه المرحلة ستكون تهمة الانفصال منطقية، وطعنة في وطنية المتهم، دونها وما نراه حتى اليوم وبما عليه السلطات المحتلة لكوردستان من العنصرية، وما بلغته من الجرائم بحق شعوبها والشعب الكوردي حصراً، فعدم العمل معا، نحن والشعب العربي، من أجل تحقيقه وتحرير كوردستان تخاذل، بل جريمة ليس فقط بحق الشعب الكوردي بل وبحقهم كشعب، وشعوب المنطقة عامة.
الولايات المتحدة الأمريكية
11/3/2024م